الضربة التي لا تقتلك تقوّيك

الضربة التي لا تقتلك تقوّيك

06 يناير 2024
+ الخط -

حتى لو تمكّنوا، لا سمح الله، من اغتيال كل قادة المقاومة في فلسطين وخارجها، لن يضمن لهم هذا الأمن والأمان، ولن يتمكّنوا من تصفية القضية. هي مغروسة في وجدان الفلسطينيين، يتوارثونها جيلا بعد جيل. الدليل أن المحتلين اغتالوا سابقا مؤسّس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، ثم قتلوا عبد العزيز الرنتيسي الذي تولّى قيادة الحركة بعده، فهل قضوا بذلك على روح المقاومة، أم حصل العكس تماما، تجذّرت "حماس" في الأرض، واكتسبت حاضنة اجتماعية أوسع، وتمكّنت من تأسيس جناح عسكري أكثر خبرة وقدرة.

قبل ذلك، راهنوا على قتل كبار زعماء منظمة التحرير واحدا تلو الآخر، وصولا الى ياسر عرفات، وظنّوا أنهم بهذا حسموا الأمر، لكن ما حصل فيما بعد يؤكد أن الحقّ لا يضيع ما دام وراءه مطالب. وكما قال الشاعر التونسي الصغير أولاد أحمد: "ولو قتلونا/ كما قتلونا/ ولو شرّدونا/ كما شرّدونا/ ولو أبعدونا/ لبرك الغماد/ لعدنا غزاة/ لهذا البلد".

للإسرائيليين خبرة طويلة في عالم الإجرام والاغتيالات، لكنهم فعلوها هذه المرّة بعد فشلهم في القضاء على "حماس" وقادتها في ظرف وجيز. وعندها لجأ مجلس الحرب إلى "الموساد" ليفوّضه البحث عن "صيد ثمين"، حتى يعوّض به عن الخسائر التاريخية التي منيت بها إسرائيل. وتوفرت الفرصة في خطأ تكتيكي، تمثل في ترؤس نائب رئيس حركة حماس، صالح العاروري، اجتماعا في منطقة حساسة وملتهبة هي ضاحية الجنوبية في بيروت، وهم الذين يعلمون أن لبنان من أكثر دول المنطقة المعرّضة للاختراق الأمني لأسباب عديدة.

ضربة موجعة لحركة المقاومة الإسلامية، لكنها ليست الضربة القاضية. والدليل ما قاله المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، "القضاء على "حماس" كفكرة مستبعد، وإنها ليست مجرد مجموعة من الإرهابيين ليتم القضاء عليها عسكريا". وهو ما اعتبرته المسؤولة السابقة في البنتاغون، ياسمين الجمل، "يمثل اعترافا بحقيقة أن إسرائيل لن تتمكّن من هزيمة حماس أبدا"، وأنها ربما تكون قادرة على الحدّ من قدراتها العسكرية. كما أن هذه الضربة لن تحلّ المأزق الاستراتيجي الذي تواجهه إسرائيل حاليا. فهي قد تعجل في احتمال توسيع دائرة الحرب إذا أخذنا تهديد أمين عام حزب الله حسن نصر الله بجدّية. كما أن هذا الاغتيال سيزيد من تعقيد ملفّ الأسرى الذي يعدّ قضية مركزية حاليا في إسرائيل. الى جانب أنه لم يؤثر على معنويات المقاتلين على أرض المعركة. وما عُرف بالانتقال إلى المرحلة الثالثة للحرب إنما هو اعتراف بالهزيمة العسكرية، لأن سحب القوات من قطاع غزّة إلى مشارف حدوده، والتقليص من عمليات القصف العشوائي، يمكن أن يُفهم تغطية على هروب الجيش من ساحة المواجهة المباشرة من المعركة.

المطلوب الآن هو مزيد من الصمود، وأن تتجنب المقاومة أخطاء تكتيكية جديدة، فهي تتعامل مع عدو شرس، لا يحترم عهودا ولا مواثيق ولا أخلاقا، فلا تمكّنه من فرص أخرى لإضعاف معنويات مقاتليها وأنصارها. تتابع الأمة خطوات ما يجري في غزّة أكثر من أي شيء آخر، وأخشى ما تخشاه حصول انتكاسة تهدد المسار والمسيرة. ولا يعني ذلك تحميل المقاومة أكثر مما تحتمل، ولكن المطلوب تحصينها ضد كل ما من شأنه أن يُضعف من قدراتها العسكرية، ويضعها في مواقع دفاعية، بعد أن نجحت في امتصاص الرغبة الهجومية الانتقامية لقوات العدو.

في إطالة زمن الحرب إرهاقٌ لا يُطاق للمدنيين الذين يحاصرهم العدو الصهيوني في كل لحظة وفي كل مكان، وهو ما يثقل كاهل المقاومة ويضعها أمام مسؤولياتٍ جسام، فبعد هدم 70% من مباني غزّة، وحشر مليون ونصف المليون من السكان في جنوب غزّة في اتجاه الدفع بهم في أول مناسبة نحو صحراء سيناء، يعتبر هذا التحدّي الرئيسي للقيادة السياسية. والسؤال كيف ستتعامل المقاومة مع كل هذه التحدّيات؟ سؤال خطير في ظل وضع عربي بائس وحكومات مستسلمة أو شامتة أو شريكة.