الزمن علاجاً

30 ديسمبر 2021

(فاتح المدرس)

+ الخط -

هل شعرتَ مرّة بأنك مسؤولٌ عن هذا العالم كله؟ عن سدّ الثغرات وتصحيح الأخطاء وترتيب الفوضى التي ترصدُها في كل مناحيه مثلا؟ هل حدّثتك نفسُك بأنك مقصّر تجاه الآخرين حولك كلهم؟ من تعرف ومن لا تعرف منهم؟ وبأنك لا بد أن تعيد النظر في كل واجباتك تجاههم، وبأن كل ما يقدمون عليه من أخطاء إنما هو بسببك؟ نتيجة تقصيرك في النصيحة والمساعدة والواجب؟ وبأن ما يتحمّلونه من عواقب نتيجة تلك الأخطاء ينبغي أن تشاركهم به، بل وربما ينبغي أن تتحمّل العواقب التي يتحمّلونها مضاعفة؟

مرّات ومرّات زارني هذا الشعور، لكنني سرعان ما أطرده بتذكّر أن المرء الحر مسؤولٌ وحده عن أفعاله وأقواله الإيجابية والسلبية مهما تعاظم دور الآخرين حوله في حياته على سبيل المثال، وأن أي وازرة لا تزرها وزر آخرىن دينيا ودنيويا. أنجح دائما في محاولاتي، على الرغم مما تخلّفه في أعماقي من حسرةٍ غريبةٍ لا تفسير لها. لكن ما لم أنجح فيه أبدا أن يتعلق الأمر بأصدقائي وأقرب الناس إلي، فكلما رأيت أحدا أهتم لأمره ويهتم لأمري، وقد أقدم على ما لا تُحمد عقباه من الأفعال والأقوال، حمّلت نفسي جزءا من المسؤولية، وأنني مقصّرة في النصح وفي الإلحاح فيه وفي الدعاء وفي الركون إليه. وعلى سبيل دفع ذلك الشعور المتعاظم في أعماقي، أحاول تبرير ذلك التقصير بحرصي الشديد على احترام خصوصية الآخرين، والإيمان بحقهم باتخاذ ما يرونه من قراراتٍ تتعلق بالأفكار والمبادئ العامة. ولكن لسوء الحظ فإن مثل هذه التبريرات لا تعالج ما يترتب عليها من حسرةٍ بسبب ما يؤولون إليه.

عشتُ، أخيرا، تجربةً من هذا النوع، عندما أقدم أحد أقرب الأشخاص إلي على سلوك قولي وفعلي غريب عليه وعليّ، فكان أن تخلّى عن مبادئه التي كنت أراها مشتركة بيني وبينه، من دون سبب معقول. حاولتُ، في البداية، أن أرقب مشهد التحوّل صامتة، لعلي أرصد ما يعينني على تقبله، باعتباره من طبائع الحياة البشرية في تحوّلاته المستمرّة، لكنني لم أر شيئا يمكن أن يجعلني أقبل ذلك التدهور الأخلاقي المشين الذي رأيت صاحبنا ينزلق إليه بعلانية تشي بحجم المصيبة. لم أجد بدا من مصارحته بما أراه، تاركةً له فرصة التبيان والتبيين، مفترضةً أنه يعرف ما لا أعرف، وأن لديه من المبرّرات ما يجعلني أقبل تحوّله باعتباره مجرّد تقنية للمواصلة، لكنه فشل في كل شيء إلا في المزيد من التردّي والانحدار.

عدتُ يومها إلى شعوري بمسؤوليتي، وأنني لم أنجح في إنقاذه مما هو فيه، لأنني تأخّرت كثيرا في التدخل المباشر، وقبل أن أتأكّد من معلوماتي المتعلقة بما هو فيه، ذلك أنني، في البداية، كنت ألتمس أعذارا كاذبة، وأعلم أنها كاذبة، فقط لأنني لا أريد أن أصدّق أن أحد أهم الأشخاص في حياتي ممن يشاركني المبادئ الأخلاقية العامة قد تخلّى عنها لا لسبب مقبول. لذلك لم أنجح في التخلص من شعوري بالمسؤولية حتى مع استحضار فكرة أن الزمن وحده كفيلٌ بحل كل المشكلات وسد كل الثغرات وإصلاح كل العيوب وكشف كل ما هو مغطّى أمام عيني وعينيه.

نعم .. الزمن كفيل بتغيراتٍ وتحولاتٍ كثيرة في حياتنا، لكنه لا يفعل ذلك إن لم نرد نحن ذلك، والمرء لا يتغير إن لم يشعر بحاجته للتغيّر سلبا أو إيجابا. ونحن لسنا مسؤولين إلا عن ما يخصنا وحدنا كأفراد، مهما تعاظمت قيمتنا ومكانتنا لدى الآخرين حولنا. وبالتالي، علينا ألا نبالغ في تقدير حجم تأثيرنا على أولئك الآخرين. أما حسرتنا عليهم في ما اختاروه من تموضع جديد، فينبغي ألا تستمر طويلا. هو خيارُهم وعليهم وحدهم أن يتحمّلوا نتيجته!

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.