"اعتراف" بن كيران

"اعتراف" بن كيران

26 فبراير 2014
+ الخط -

 

سمّته فضائياتٌ وجرائدُ عربية اعترافاً، قولَ رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، إِنه اكتشف أَن إنجاز الإصلاح ليس بالسهولة التي كان يتصورها قبل أن يصل حزبه، العدالة والتنمية، إلى السلطة في 2011. وربما تكون وجيهةً هذه التسمية. وأَياً يكن الأمر، فإن الأجدى في إمعان النظر، أنَّ هذا الاكتشاف يُؤكّد بديهيةً، منسيةً ربما، هي أَنَّ المعارضة ميسورةٌ وسهلة، بنقد السلطة وأَدائها في غير ملفٍ وشأن، على غير الإقامة في مقاعد الحكم، حيث تدبير شؤون المواطنين وتحسين عيشهم وتوفير حاجياتهم، التي لا تنتهي، أمور عويصة، لأن الحكم صعب، والمسؤولية في غضونه ثقيلة، لا تتيسر فيها المتعة لمن يتجرأ على الحكومة و"تقاعسها" في هذا المطرح وذاك. وقد أَحسن زعيم حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، لمّا قال، قبل عام، إِن السلطة عامل تهرئة، وإنّ ثمة فرقاً بين من يُبشّر بالمثل ومن يمارسها. ونظنُّ أن محمد مرسي أَسرف في إطلاق الوعود للمصريين، لمّا تسلم الحكم رئيساً منتخباً، وقد طرح أَربعة وستين منها، أَمام مواطنيه، ليحققها في أول مائة يوم من رئاسته، وقد استثمر من انقضّوا عليه تبرماً لدى بعض من انتخبوه، من إخفاقه في إنجاز تلك الوعود. وليست منسيةً السخريةُ الغزيرة منه، فكَّ الله أَسره، لما تحدّث عن انخفاض سعر المانجا في تلك الأيام المائة.

لم يزد عبد الإله بن كيران في الطنبور وتراً، عندما قال ما قال، لأنه أَكَّد البديهيَّ، لكن قيمة ما أَشهره في أَنه نجم عن خبرةٍ واشتباكٍ مع تفاصيل الحكم، في ثلاث سنواتٍ اكتملت الشهر الجاري، ومعلومٌ أن حكومته هي الأولى بعد الاستفتاء الذي أَجاز تعديلاتٍ في الدستور المغربي، أنقصت صلاحياتٍ للملك، ووسعت أُخرى لرئيس الحكومة. ولنتذكّر أن بن كيران الذي يتزعم حزب العدالة والتنمية، ذا السمت الإسلامي غير الإخواني، تحدّث غير مرة، وأَمام البرلمان أَحيانا، عن "تماسيح" و"عفاريت" تعرقل أَداء حكومته، والتي كادت، قبل شهور، أن تنفكَّ، مع خروج حزب الاستقلال من ائتلافها، ما عولج بدخول حزبٍ بديلٍ فيها. وكان يقصد بقوله لوبيّاتٍ سياسيةً واقتصاديةً كبرى، تنشط في إدامة الأزمات أَمام الحكومة، لكي لا تنجح، ولتبقى أَمام مطباتٍ لا تني تتراكم قدّامها. ويمكن نسبةُ أولئك التماسيح والعفاريت إِلى دولةٍ عميقة، لها شرايينها في دواليب الفضاء السياسي العام، ولا تيسر السلاسة اللازمة لمهمات الحكومة، تقليل الفقر والبطالة ومحاربة الفساد، أمثلةً، توخّى الفريق الحكومي تعبيد وسائل تحققها، لكن بن كيران اصطدم بـ "أَطراف يعلم الله بها"، على حد تعبيره، لم تساعد في ذلك كله وغيره.

يجوز رفع نقطة نظامٍ وجيهةٍ أمام رئيس الحكومة المغربية، موجزها أَنَّ رمي المسؤولية عن الإخفاقات على الخصوم ليس مقنعاً دائماَ، ولهذا، احتاج بن كيران إِلى أَن يكون خلاقاً في أَدواته التنفيذية والإجرائية. وليس مقنعاً، أَيضاً، أن تعمد كتابةٌ سيارةٌ، هنا، إِلى إعطاء دروس للرجل، وهو في سدة مسؤولياتٍ جسيمة، فالأهم أَن بن كيران أثبت حقيقة يسر المعارضة وصعوبة الحكم. وفي البال أن أنظمة تعمد إلى "توريط" معارضين من ذوي الصوت العالي، فتمنحهم وزاراتٍ خدمية، ليخفقوا أمام جمهورهم، فتتآكل شعبيتهم. تُغاير تجربة بن كيران هذا الحال، غير أَن الرجل، والذي سُرَّ كاتب هذه السطور بالإنصات إليه في مكتبه بالرباط قبل عام، يشير في إعلانه، اكتشافه، إلى "ورطةٍ" مثيرة، ومن طراز خاص.         

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.