إفلاس أونروا والـ3% العربية

07 يونيو 2023
+ الخط -

كان المشهد محرجاً في ذلك اليوم الذي وقف فيه المفوض العام لوكالة أونروا فيليب لازاريني أمام قمّة جامعة الدول العربية في جدة، الشهر الماضي، وهو يتوسّل من يسمّون أنفسهم "أم الصبي" لتقديم دعمهم المالي لواحدة من أهم وكالات الأمم المتحدة إنسانياً وسياسياً. ولازاريني السويسري ــ الإيطالي، دبلوماسي محنّك عمل سابقاً في أماكن تحتاج حذاقة عالية وهدوء أعصاب يعلّمان المشتغل في الشأن العام ألا يقول كل الحقيقة حين يكون ذلك ضاراً. لم يقل لازاريني ما يعرفه الزعماء العرب جيداً، أن المساهمات المالية لمجموع بلدانهم لم تعد تتجاوز منذ 2021 الثلاثة في المائة من موازنة المنظمة التي ترمز إلى قضية فلسطين وتحمل اسم لاجئيها وقد أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أواخر عام 1949 على ألا ينقضي عمرها إلا عندما تنتهي أزمة اللاجئين. لكن لازاريني قال ما يمكن أن يفضح عدداً من الزعماء العرب، تحديداً هؤلاء المزايدين بحبهم فلسطين بينما هم يتحالفون مع إسرائيل أو على الأقل يبرمون علاقات دافئة معها من دون أي شرط سياسي يرتبط بحل القضية الفلسطينية. قال إنه "في عام 2018، شكّل التمويل المقدم للوكالة من المانحين العرب ربع إجمالي تمويلها". أما اليوم، فإن مساهمة البلدان العربية في تمويل عمليات الوكالة لا تزيد عن الـ3%، بحسب المستشار الإعلامي لـ"أونروا" عدنان أبو حسنة، وقد انخفضت من 200 مليون دولار إلى 20 مليوناً سنوياً.

ما الذي تغيّر بعد عام 2018؟ المداخيل المادية للبلدان العربية الثرية زادت نتيجة ارتفاع أسعار النفط، فلماذا انخفضت مساهماتها من 25% إلى 3%؟ ما نعرفه أن دونالد ترامب قرّر وقف التمويل الأميركي للوكالة في نهاية أغسطس/ آب 2018 والذي كان يبلغ في معدله السنوي حوالي 360 مليون دولار. وما نعرفه ثانياً أن المساهمة السعودية (كانت ثالث أكبر مموّل لـ"أونروا" بعد أميركا والاتحاد الأوروبي ــ ألمانيا خصوصاً) السنوية انخفضت في العام نفسه إلى 53 مليون دولار بينما كانت 149 مليوناً عام 2016. في تلك السنة، عوّضت دولة قطر شيئاً من العجز المالي الذي لامس الإفلاس فقدّمت 50 مليون دولار وهي لا تزال، مع السعودية وأميركا وبلدان الاتحاد الأوروبي، أبرز مموّلي المنظمة. أما بلد ثري جداً كالجزائر صراخه ضد إسرائيل يملأ الدنيا، فيغيب عن لائحة كبار مموّلي "الأونروا". وما ندركه ثالثاً أن وسائل إعلام إسرائيلية نشرت مراراً في ذلك العام الأسود، 2018، ما مفاده أن ترامب طلب (أو أمر؟) من مسؤولين خليجيين تقليص مساهمات بلدانهم المالية للوكالة تمهيداً لوقفها نهائياً في إطار تصفية المسألة الفلسطينية كجزء أصيل من "صفقة القرن"، وحل الأونروا أو تحويلها إلى مفوضية تُعنى بشؤون اللاجئين، كل اللاجئين، لا الفلسطينيين حصراً.

اليوم، تقف الأونروا، وككل عام عندما يدنو الخريف، تقول إنها أقرب من أي يوم مضى إلى الإفلاس، ذلك أنها تحتاج إلى 1.6 مليار دولار لدعم برامجها وعملياتها في سورية ولبنان والضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) وغزّة والأردن، بينما تلقت 364 مليون دولار فقط.

"أونروا" أكثر من 700 مدرسة للاجئين الفلسطينيين توفر التعليم لأكثر من نصف مليون منهم. أكثر من هيئة تدعم 5.9 ملايين لاجئ وأكثر من 30 ألف موظف معظمهم من الفلسطينيين و140عيادة ومستشفى مجانية و7.9 ملايين استشارة صحية سنوية. هي اعتراف عالمي بواحدة من أكبر مظالم التاريخ الحديث. اعتراف يجب التمسّك به، لا للبكاء والنحيب والتسوّل، بل ليبقى سنداً قانونياً في سياق السعي إلى الوصول لما هو عادل. "أونروا" شوكة في عين إسرائيل، فعلت ولا تزال تفعل كل ما في وسعها للتخلص منها. "أونروا" أيضاً أكثر مما يرغب عدميّون عرب وفلسطينيون باختصارها فيه، أي بحالات فساد موجودة داخلها مثلما إنها قد تصيب أي مؤسّسة وأصغر دكّان في الحيّ. صحيح أن "أونروا" وكالة إغاثة وتعليم وخدمات اجتماعية، لكنها أيضاً أكبر إطار يجمع اللاجئين الفلسطينيين ويدعمهم، ففي غياب منظمة تحرير مثلما يجدر أن تكون، لم يتبقَّ الكثير للاجئين غير المخيم و"أونروا".