أين سيلقي بوتين قنبلته النووية؟

أين سيلقي بوتين قنبلته النووية؟

27 سبتمبر 2022
+ الخط -

بعدما تواتر الحديث عن استخدام السلاح النووي، أكثر من أي يوم مضى من الحرب على أوكرانيا، ولوّح مسؤولون روس باللجوء إليه في لحظة دفاعية حرجة، لم يعد الأمر مجرّد مسألة افتراضية بحتة، سيما وأن هذه الحرب تزداد ضراوة، وأن قوات الغزو الروسي فقدت زمام المبادرة وأجبرت على الانكفاء، وتحولت من حالة الهجوم المتعثر إلى وضعية الدفاع المتراجع، الأمر الذي أوقع الكرملين في ضائقة عسكرية شديدة، وأخرجه عن طوره، وحمله من ثمّة على التصعيد وتكرار التهديد، بالفم الملآن، باللجوء إلى سلاح يوم القيامة، لعل ذلك يردع الغرب عن تزويد كييف بأكثر الأسلحة التقليدية تقدّماُ، ويحول دون تجرّع موسكو مرارة هزيمةٍ منكرة.
لغاية تركيز النقاش أكثر، وإشباع الفضول فقط، سوف تتجاوز هذه المقاربة أسئلة أشد إلحاحاً مما يطرحه العنوان أعلاه من دعوة إلى التأمّل وإمعان النظر، في الحيّز المحتمل لاستخدام أخطر أسلحة الدمار الشامل، هذا الاستخدام الذي قد يكون باكورة خريف نووي قصير الأمد حتماً، يتبادل فيه بلدان مدجّجان بأدوات الموت الزؤام إلقاء قنابل نووية تكتيكية، في نطاق الجغرافيا الأوروبية، كون القارّة البيضاء هي حاضنة الحرب الدائرة داخل الحدود الأوكرانية، كما تتجنّب هذه المطارحة إثارة مسائل تتقدّم أيضاً على السؤال أعلاه، مثل هل استخدام السلاح النووي أمر وارد بالضرورة؟ وهل هو الحل أم هو المشكلة؟ ثم  ما هي اللحظة التي لا مفرّ فيها لفلاديمير بوتين من إلقاء تحياته النووية على هذه المدينة أو تلك في القارّة العجوز؟
الافتراض هنا أن الغرب لن يكتفي بهزيمة بوتين في أوكرانيا، وإضعافه في بلاده، لمنعه من التفكير مستقبلاً بتكرار مغامرته الأوكرانية في بلاد أخرى، وإنما إذلاله بشدة (عكس نصيحة الرئيس الفرنسي حلفاءه) وربما العمل على تفكيك الاتحاد الروسي على غرار ما جرى للاتحاد السوفييتي، واستجرار مزيد من الصراعات الداخلية في بلد متعدّد القوميات، الأمر الذي سيجد معه القيصر الجديد نفسه في مأزق لا مخرج منه سوى الهرب إلى الأمام، أي إلقاء أول قنبلة نووية تكتيكية، لاختبار الموقف الأشمل، وانتظار أول ردود الفعل الغربية الممكنة.
ولعل السؤال المسكوت عنه في هذه الأجواء المشحونة بالقلق والتوتر: هل يفعلها بوتين حقاً؟ وإذا فعلها في لحظة يأس قاتلة، فأين سيلقي قنبلته النووية؟ العارفون بمركّبات شخصية الزعيم المسكون بحلم استعادة أمجاد "المملكة الروسية المجيدة"، وهذا اسم تلك البلاد الشاسعة في أوائل العهد القيصري، يُجمعون على أن بوتين يميل إلى المجازفة بطبعه، يحبّ استعراضات القوة بالصواريخ فرط صوتية وبشقيقاتها بالغة الدقّة، وتستهويه سياسة السير على حافّة الهاوية، إلا أنه ليس طائشاً، ولا هو انتحاري، الأمر الذي يرجّح الاعتقاد أن بوتين أعقل من أن يغامر باستخدام السلاح النووي، أو ينجرف وراء مشاعر الرغبة في الانتقام لهزيمته شبه المؤكّدة في أوكرانيا، سيما وأنه خير من يدرك أن من يُقتل في الضربة النووية الأولى سيُقتل في الضربة المضادّة، وأنه إذا تمادى سوف يعرّض الأمة الروسية إلى هلاك محتّم.
ويبقى السؤال الافتراضي الأول: أين سيلقي بوتين قنبلته هذه؟ هل في إقليم الدونباس محل المعركة المحتدمة، أم على كييف مثلاً، أم أنه سيوسع البيكار أكثر ويلقيها على أشد العواصم الأوروبية تأييداً لأوكرانيا مثل لندن، خصوصا وأن بريطانيا تعهدت، على لسان رئيس وزرائها السابق بوريس جونسون، بتقديم مظلة نووية للدولة التي باتت بمثابة البوابة الشرقية لقارّة مثخنة الذاكرة بحربين عالميتين طاحنتين؟
أيا كان الاختلاف في وجهات نظر المحللين بشأن الإجابة عن هذا السؤال  المثير للأخيلة، فإن من شبه المستحيل، وفق أكثر الترجيحات رصانةً، أن يقامر سيد الكرملين بالرهان على لعبة روليت روسية كل أرقامها خاسرة، وأن الحالم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، واستعادة الفضاء السوفييتي بالقوة، سوف يفاضل في الدقائق الخمس الأخيرة بين خسارة إقليم الدونباس، وتبدّد أوهام التوسّع الإمبراطوري، وبين خسارة سلطته الأحادية المطلقة في بلد مساحته نحو 20 مليون كيلو متر مربع. وعليه، يمكن القول، بتحفظ ضئيل، إن بوتين، المعني بصورته الشخصية، وبترفيع مكانته في  التاريخ الروسي إلى أعلى درجة ممكنة، لن يفعلها على الأرجح، لسببٍ بسيط للغاية، أن عوائد الضربة النووية (إن كان لها عوائد) لا تبرّر دفع كلفةٍ لا مبرّر لها، ولا أحسب أنه قادر على دفعها؟

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي