"ذي إندبندنت": متى سيوضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب؟

"ذي إندبندنت": متى سيوضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب؟

04 سبتمبر 2014
غزة بعد العدوان الإسرائيلي (أشرف عمرة/الأناضول/Getty)
+ الخط -

*روبرت فيسك

الإفلات من العقاب هي العبارة التي تتبادر إلى الذهن تلقائياً بعد سقوط ثمانمئة قتيل فلسطيني. نعم ثمانمئة (عدد الشهداء تجاوز الألفين في 51 يوماً من العدوان على غزة).

هذا العدد أكبر بكثير بما يعادل ضعفي عدد القتلى الكلي لضحايا سقوط الطائرة الماليزية التي تحمل اسم (MH 17) في سماء أوكرانيا. وإذا كنت تشير فقط إلى "الأبرياء" من القتلى، أي باستثناء مقاتلي "حماس" أو المتعاطفين معها من الشباب أو المسؤولين الذين هم في عداد الفاسدين، كما تصفهم إسرائيل ممن سوف تتحدث عنهم في وقتها المناسب، فإن أعداد النساء والأطفال والمسنين والعجزة الذين ذبحوا في غزة لا تزال أكثر بكثير من العدد الإجمالي لضحايا الرحلة الماليزية.

هناك شيء غريب جداً، حول ردود الفعل لدينا بشأن هاتين الكارثتين المدمرتين في التعامل مع القتلى.

ففي غزة، نُقرّ وندافع عن وقف لإطلاق النار، ولكن إعطاء الفرصة لدفن القتلى في الأحياء الأكثر فقراً، فإن ذلك كان شبه مستحيل بل لم يكن متاحاً لهم حتى فتح طرق وممرات آمنة لتوصيل الأعمال الإنسانية والضرورية لجرحاهم.

أما عن مسافري الرحلة الماليزية، فنطالب فوراً بدفنهم بصورة لائقة كريمة مع توفير وسائل الرعاية لأقارب القتلى كافة. نحن نلعن الذين تركوا الجثث ملقاة في الشوارع والطرقات في شرق أوكرانيا، بما أن العديد من الجثث تركت في الشوارع لفترة. ولكن تحت شمس محرقة كالفرن في سماء غزة كانت هناك أيضاً بالتساوي جثث تركت مهملة في الأزقة والشوارع لفترة ليست قصيرة بأي حال.

لأننا، وهذا أمر كان قد استولى عليّ منذ سنوات، لا نهتم كثيراً بالفلسطينيين، أليس كذلك؟ ونحن أيضاً لا نبدي أي اهتمام بما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من فظائع تستوجب العقاب وهي قطعاً تفوق بمراحل كبيرة أي فظائع أخرى نظراً لوجود عدد كبير من الضحايا المدنيين الذين قتلهم ذلك الجيش.

وللسبب نفسه أيضاً، لا نكترث بما تفعله "حماس" وفق قدراتها المتاحة تجاه الإسرائيليين. بالطبع، لا سمح الله، إن حدث أن كانت تلك الأرقام معكوسة، بمعنى أن ثمانمئة إسرائيلي كانوا قد لقوا حتفهم في تلك المجزرة وفقط 35 فلسطينياً كانوا ضحايا، كيف كان سيكون رد فعلنا؟ هنا أعتقد أنني أعرف الإجابة جيداً.

كنا لنسميها مذابح، وأعمالاً وحشية، والجريمة التي يجب أن يحال فيها القتلة للمساءلة القانونية. نعم، ينبغي أن تكون "حماس" مسؤولة أيضاً، ولكن لماذا نعتبر أن المجرمين الوحيدين الذين نبحث عنهم اليوم هم الرجال الذين أطلقوا واحداً، وربما اثنين، من الصواريخ على طائرة ركاب فوق أوكرانيا؟

إذا كان قتلى الإسرائيليين يعادل القتلى الفلسطينيين، واسمحوا لي أن أكرر، بأنني أشكر السماء أن هذا لم يحدث، كنت أظن أن الأميركيين سوف يقدّمون كل الدعم العسكري اللازم لإسرائيل لمواجهة الخطر من قِبل "الإرهابيين المدعومين من إيران". نحن كنا سنطالب "حماس" بتسليم أولئك الوحوش الذين أطلقوا الصواريخ على إسرائيل، والذين هم، بالمناسبة، حاولوا ضرب الطائرات في مطار بن غوريون في تل أبيب. ولكننا لن نفعل هذا، والسبب أن أولئك الذين لقوا حتفهم في الحرب معظمهم من الفلسطينيين!

المزيد من الأسئلة. ما هو الحد الأقصى للوفيات الفلسطينية قبل وقف إطلاق النار؟ ثمانمئة؟ أو ثمانية آلاف؟ ليس مهماً، هل توفرت لدينا بطاقة تحمل النتائج الأخيرة؟ وماذا عن معدلات تبادل الموتى؟ أم يجب علينا فقط أن ننتظر حتى يرتفع لدينا معدل ضغط الدم في أجسامنا ونقول ما فيه الكفاية، حتى بالنسبة للحرب الإسرائيلية، فإننا نقول كفى وكفى. إن هذه المرة ليست كما لو كنا هنا من قبل.

منذ المذبحة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد القرويين العرب في عام 1948، كما تم تبيان ذلك من المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم، مروراً بمجزرة صبرا وشاتيلا، عندما قتل حلفاء إسرائيل من مسيحيي لبنان ما يصل إلى 1700 شخص في عام 1982 حين كانت القوات الإسرائيلية تشاهد الموقف عن كثب، ثم إلى مجزرة قانا التي وقعت للعرب اللبنانيين في قاعدة الأمم المتحدة في عام 1996، إلى آخر حوادث القتل الفظيع الأصغر حجماً في قانا (مرة أخرى) بعد مرور عشرة أعوام، ولن نتجاهل القتل الجماعي للمدنيين في حرب غزة 2008، جرت استفسارات، أكان بعد أحداث صبرا وشاتيلا، أو بعد مجزرة قانا التي حصلت في حينه تحريات (حولها)، وبعد إبادة غزة في 2008، ولكننا لا نتذكر وزنها أوحجمها باستثناء ما رشح عنها بالطبع في تقرير القاضي ريتشارد غولدستون الذي فعل أفضل ما لديه بإدانة إسرائيل والتبرؤ منها.

بعبارة أخرى، لقد كنا هنا من قبل. وستظل المطالبة بأن "الإرهابيين" فقط هم المسؤولون عن أولئك الذين تقتلهم "حماس"، وأيضاً فقط "الإرهابيون" هم المسؤولون عن أولئك الذين تقتلهم إسرائيل (حماس هم "الإرهابيون" بالطبع).

وسيبقى الزعم مستمراً، وقد تم تكراره مراراً وتكراراً، بأن لإسرائيل جيشاً يمتلك أعلى المعايير العسكرية من أي جيش في العالم، وأنها لن تؤذي المدنيين. أذكر هنا عدد القتلى في الغزو الإسرائيلي للبنان الذين بلغ عددهم 17 ألفاً و500 شخص معظمهم من المدنيين عام 1982. هل نسينا كل هذا؟

وبصرف النظر عن الإفلات من العقاب، وهي كلمة تتبادر إلى الذهن بغباء، لن أنسى هنا العرب الفاسدين والقتلة من "داعش" الذين يمارسون القتل الجماعي بالجملة في العراق وسورية. ربما كانت عدم مبالاتهم بـ"فلسطين" أمراً متوقعاً. إنهم لا يتبنون أي تمثيل لقيمنا. ولكن ماذا يمكننا أن نستخلص من حديث وزير الخارجية الأميركي جون كيري وتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي قال لنا الأسبوع الماضي إن "القضايا الأساسية" للحرب الإسرائيلية الفلسطينية تحتاج إلى معالجة؟ ماذا كان يفعل هذا الرجل طوال العام الماضي عندما ادعى أنه ذاهب لإنتاج باقة من السلام في الشرق الأوسط في غضون 12 شهراً؟ ألم يكن يدرك لماذا كان الفلسطينيون في غزة؟

والحقيقة هي أن مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم، وكنت أتمنى أن أقول الملايين، تريد نهاية لهذا الإفلات من العقاب، ووضع حد لعبارات مثل "خسائر غير متناسبة". غير متناسبة مع ماذا؟ وهذا هو شعور الشجعان من الإسرائيليين أيضاً، فقد ظلوا يكتبون في هذا الاتجاه. ولتحيا صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، يصبح العالم العربي والإسلامي أكثر وحشية من الغضب. وسوف نقوم بدفع الثمن يوماً.


(* مترجم عن صحيفة "ذي إندبندنت")