بيننا وبين القدس... مكر جدار

بيننا وبين القدس... مكر جدار

28 مايو 2018
انتشرت الصورة بكثافة (شيرين ظافر صندوقة)
+ الخط -
لعلّ الصورة في كثير من الأحيان تساوي ألف كلمة، وتختزل من المعاني ما لا يمكن أن تصفه الكلمات والمفردات. في الطريق إلى المسجد الأقصى في الجمعة الثانية من شهر رمضان، كان للصورة حضورٌ ومعنى حين يتعلق الأمر بالفلسطيني المصلوب على جدار الفصل العنصري، قبل أن تمزق جسده الأسلاك الشائكة ويهوي على الأرض ليقع في قبضة جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين تربصوا له ورصدوه وأشهروا بنادقهم نحوه، وعبثاً حاول تسلق الجدار من جديد، لأن ما كان ينتظره ليس الاعتقال بل رصاصات غادرة.

الصحافية المقدسية، شيرين ظافر صندوقة، كانت في زيارة لبيت شقيقها في ضاحية البريد شمالي القدس المحتلة، ولم تكن خرجت من البيت بعد لتغطية رحلة الآلام التي يسير بها الفلسطينيون من أبناء الضفة الغربية إلى القدس لأداء الصلاة في المسجد الأقصى، حين ضجّ جوار المكان بأصوات جنود يصرخون ويطلقون تهديداتهم لشاب فلسطيني نجح بتسلق الجدار، وكاد أن يتجاوزه إلى الناحية الثانية كي يصل إلى القدس لولا افتضاح أمره، حيث كان جنود الاحتلال ينصبون الكمائن هناك.
كل تلك التفاصيل نجحت الصحافية المقدسية في توثيقها من خلال كاميرتها، لتنتشر الحكاية في صورتين فوتوغرافيتين تظهران لحظة نزول الشاب، ولحظة محاولته العودة من حيث أتى، لكن بنادق الاحتلال المشرعة أرغمته على تسليم نفسه.


في لقاء مع "العربي الجديد"، روت شيرين ظافر صندوقة، ما حدث، فقالت: "الصورة التقطت في تمام الساعة الـ 11:30 ظهراً، عند جدار الفصل العنصري الذي أقيم على أراضي ضاحية البريد، شمال القدس المحتلة، وتطلق عليها بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة (ضاحية البريد الجديدة)".
وتابعت صندوقة: "لقد اعتدنا منذ سنوات بحكم سكني في منطقة ضاحية البريد، قرب جدار الفصل العنصري، مشاهدة يومية لهذه الأحداث، واعتدت دائماً تصويرها، لكن حين التقطت الصورة كنت متواجدة في منزل أخي (منطقة القدس) الذي يفصل بين منزله ومنزل عائلتي جدار، كنا هناك، ونشاهد الشبان وهم يقفزون عن الجدار. العديد منهم استطاع النزول بأمان، فابتعدت عن النافذة، وإذ بصوت جنود يصرخون بصوت مرتفع، وجاءت ابنة أخي تصرخ (عمتو عمتو بدهم يطخوا الشاب)، فاتجهت إلى النافذة مرة أخرى، وشاهدنا الحدث حين كان الشاب يحاول النزول عن الجدار وجنود الاحتلال موجهين أفواه بنادقهم عليه، بينما كان الشبان من الجهة المقابلة يحذرونه محاولين مساعدته بالرجوع، ولكن تهديد جنود الاحتلال بإطلاق النار عليه إن لم ينزل أرغمه على ذلك، ولذا لم أستطع ترك الحدث يمرّ هكذا من دون توثيقه".

وأردفت "لقد سقط الشاب بالفعل عن الجدار، وبعد أن نهض حاول الركض لأن الجنود ابتعدوا عنه. وهنا أطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع، واقتربوا من الشاب، وبعدها لم نستطع رؤية ماذا حدث، ولكن الشباب كانوا يصرخون (اعتقلوه اعتقلوه)".
تذكر شيرين ظافر صندوقة أنها ابتعدت كثيرًا في الآونة الأخيرة عن تصوير الأحداث، وكانت تمر عليها مرور الكرام مثل المواجهات ووجود حواجز طيارة تقوم بتفتيش مهين للشبان، لكن عند هذا الموقف لم تجد نفسها إلا وقد التقطت الصورتين من خلال هاتفها المحمول.


المفاجأة كانت في التداول السريع والكبير للصورة من قبل ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن قبل بعض الصحافيين، ومنهم من نسب الصورة لنفسه. عن ذلك علقت الصحافية المقدسية بالقول "بصراحة تامة، لم أكن أتوقع هذا الانتشار الكبير للصورة. لقد نشرتها على صفحتي الخاصة على (فيسبوك) معلقة عليها (ويحول بيننا وبين القدس مكر جدار وغدر حاجز)، وتركت الهاتف وذهبت لإعداد وجبة طعام لابنتي الصغيرة، قبل أن يبدأ الهاتف بإصدار إشعارات متتالية لم آبه لها، لذلك أكملت مهمتي كأم، وبعد ساعتين وجدت مواقع التواصل الاجتماعي تضج بالصورة".

وأكدت "حين نشرت الصورة لم أقم بتوقيعها، ولم أكن أبحث عن الشهرة. نشرتها فقط لتوثيق انتهاك جديد لجنود الاحتلال، وأنا لا أعتب على من نشر الصورة كما هي، ولا أعتب على من وقع اسمه عليها من عامة الشعب فهم بالنهاية ليسوا على دراية بحقوق النشر والملكية الفكرية، العتب كان على من نشر الصورة وختم توقيعه عليها، ولكن سرعان ما انكشف أمره عندما لم يستطع الإجابة عن أسئلة المعلقين عن مكان الصورة وماذا حصل للشاب".

يذكر أن شهر رمضان حلّ على الضفة الغربية عقب إضراب عمّ مختلف محافظاتها بما فيها القدس المحتلة، حداداً على أرواح شهداء قطاع غزة، وإحياء الذكرى السبعين لنكبة فلسطين. وترافق التجهيز للشهر الكريم مع الخوف من انقطاع بعض المواد كأحد التبعات المتوقعة للأحداث التي أعقبت نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.