الحمض النووي... ذاكرة للمستقبل (2/2)

الحمض النووي... ذاكرة للمستقبل (2/2)

26 مارس 2017
شهد مجال وسائط التخزين تطوراً هائلاً خلال الأعوام الماضية(Getty)
+ الخط -
في إطار السعي الحثيث للوصول إلى وسيط تخزين مثالي للبيانات، ومع تكثيف البحوث القائمة في مجال التخزين على تسلسل الحمض النووي، تم تجاوز نقطة حازمة في عام 2012. حيث استطاع George Church (هارفارد) ترجمة محتوى كتاب إلى شفرة تم تخزينها في الحمض النووي. وتم نسخ الملف الذي يتكون من 658 كيلو بايت إلى 70 مليار نسخة، في أنبوب الاختبار. 

وبعد عدة أشهر، نشرت مجلة (Nature) نتائج مجموعة نيك غولدمان من معهد المعلوماتية الحيوية الأوروبي (EMBL-EBI)، ومقرها بالقرب من مدينة كامبريدج (المملكة المتحدة). حيث تمت ترجمة مجموعة من الملفات (النص، الصوت والصور ورموز الكمبيوتر)، أي ما مجموعه 739 كيلوبايت إلى حمض نووي.

في كلتا الحالتين، كان يفترض أن تكون جميع البيانات متسلسلة قبل التمكن من الوصول إلى المعلومات المطلوبة. وتم تدارك هذا العيب في يوليو عام 2016، عندما أعلنت مجموعة من الباحثين بقيادة مايكروسوفت، أنها توصلت لأول مرة، من ترميز ما لا يقل عن 200 ميغابايت بطريقة متتالية، وذلك للسماح بالوصول إلى المعلومات قبل عملية نسخ التسلسل المعين. ولم تنشر تفاصيل أكثر عن الموضوع.

مليارات السنين من التطور مضى على تشكيلها، حيث تبدو جزيئات الحمض النووي قد جمعت كل المزايا، منها الكثافة الحجمية للتخزين، والتي تعد أعلى ألف مرة من ذاكرة الفلاش، ومليون مرة أكبر من القرص الصلب. ووفقاً لفرضية ناتجة عن هذه المعطيات، فإن جميع البيانات التي تنتجها البشرية في عام 2040، يمكن احتوائها في كيلوغرام واحد من الحمض النووي. وتستهلك عملية التخزين كمية طاقة ضئيلة جداً، حيث لكتابة أو قراءة 1 غيغابايت من البيانات في تسلسل حمض نووي، يتطلب فقط 10أوس -10 واط من الطاقة، ما يعتبر 10 مليون مرة أقل من استهلاك القراءة والكتابة على القرص الصلب أو على أشباه الموصلات.

وأخيراً، فإن عمر هذه الوسيلة للتخزين يفوق الخيال، وذلك لأنه جرى فكّ جزئي لشفرة حمض نووي تعود للإنسان البدائي قبل 60.000 سنة على الأقل. ويمكن تحسين إطالة عمر البيانات لعدة ملايين من السنين بعملية وضع غلاف زجاجي على الحمض النووي بطريقة خاصة.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيحقق الحمض النووي طموحات التخزين المستقبلية؟
وعلى ذلك، يعلق نيك غولدمان (Nick Goldman) بقوله: "غير متأكد بهذا الخصوص، حيث يعتبر التخزين في DNA وسيلة لحفظ البيانات التي لا نحتاجها بشكل دائم، لأن الوسيط لا يوفّر المرونة والسرعة التي يعمل بها قرص الصلب أو ذاكرة فلاش. غير أنه في حالة تخزين نسختين أو ثلاث للبيانات على أجهزتنا، فإن الحمض النووي يمكنه إنتاج مليارات من النسخ بكلفة بسيطة لا تكاد تذكر".



وذكر كاران ستروس (Karin Strauss) قائد فريق مايكروسوفت، "الأمر يكون جيداً جداً، إذا استطعنا الحصول على البيانات خلال بضع ساعات، ومن دون تدخل الإنسان. حيث يرجع ذلك لعملية الكتابة والقراءة التي تعتمد على تفاعل بيوكيميائي يحتاج إلى وقت وتدخل من الإنسان".

ولتطوير أبحاثها في مجال الحمض النووي، طلبت شركة مايكروسوفت مساعدة الشركة الناشئة Twist Bioscience، والتي أسستها وتديرها الكيميائية الحيوية إميلي يبروست (Emily Leproust). ويعتبر هذا المجال فرصة جديدة لنشاط مصمم أصلاً للبيولوجيا الأساسية والبحوث الطبية والأدوية.

وتم لأول مرة عام 2003، إنجاز عملية فك رموز تسلسل الجينوم البشري بعد ثلاثة عشر عاماً من العمل وبميزانية قاربت 3 مليارات دولار. أما اليوم، فإن عملية فك رموز الجينوم لا تستغرق سوى 24 ساعة وبتكلفة لا تتعدى 1000 دولار.

كما أن التقدم في مجال الجينوم يسير بسرعة أكبر مما كانت عليه صناعة الإلكترونيات، والتي تتبع منذ عام 1969 قانون مور الشهير: "زيادة قدرها أربعة أضعاف في الأداء، وتكلفة أقل بأربعة أضعاف كل ثلاث سنوات".

وفي هذا السياق، قالت إميلي يبروست "اليوم، التقدم في فك رموز التسلسل يسير ضمن قانون مور، أما عملية الكتابة فتسير أسرع قليلاً. ولهذا سوف يكون التقدم سريعاً جداً".
ولكن من أجل أن يصبح ذلك ممكناً، فإن عملية تخزين البيانات في الحمض النووي تحتاج إلى مضاعفة الأداء بمضاعف 10.000 إلى 100.000. وكذلك تخفيض سعر التجهيزات بمليون مرة الأسعار الحالية، إذا ازداد عدد مصنعي هذه الوسائل في السوق.

والسؤال الذي يطرح نفسه، من سوف يكون أول مستفيد من هذه التقنية في المستقبل؟
يمكن لشركات صناعة السينما استخدام هذه التقنية، وذلك للحفاظ على الأفلام التي تم تصويرها بطريقة رقمية. فبعض الشركات تعمل على هذا الأمر بطريقة سرية ومنها شركة technicolor. كما يمكن لشركات التعدين استخدام هذه التقنية، حيث أن بيانات الحفريات يتم الاحتفاظ بها لعقود في بعض الأحيان، حتى تصبح هذه المناجم قابلة للاستغلال اقتصادياً.
وفي هذا السياق، يبرز اهتمام البنوك كذلك بهذا المجال، وخاصة أن عملية مسح معلومات الحمض النووي تتم من غير رجعة فيها وبطريقة فورية.

وتوفر هذه التقنية الأمن للبيانات الحساسة، في حين أن الوسائط المغناطيسية، وإن تم محوها عدة مرات، فإنها تستمر في الاحتفاظ ببعض المعلومات المخزنة. وهذه الميزة، قد تجلب اهتمام وكالات الاستخبارات.

وليس مجرد صدفة، أن وكالة نشاط مشاريع أبحاث المخابرات المتقدمة (IARPA)، الذراع العلمية للوكالات الأميركية للمخابرات، موّلت العام الماضي الندوة العلمية الخاصة حول تقنية تخزين البيانات في الحمض النووي.

ووفقاً لهذا الاهتمام المتزايد من جهات عديدة بهذه التقنية، فيمكن الاستنتاج أن تظهر في غضون خمسة إلى عشرة أعوام، نماذج تجارية لتخزين البيانات في الحمض النووي.



دلالات

المساهمون