ذوو الإعاقة في مصر.. الدولة تستغني عنهم

17 يوليو 2017
+ الخط -

لو أن ثمة فئة تتعرض في بلد ما إلى تهميش واضطهاد ومعاناة، ربما، يكون ذلك واقعًا ومتكررًا في مجتمعات كثيرة، تتفاوت فيها أشكال الفقر ونسبها، فضلًا عن الطرق التي تتخذها الحكومات، بهدف وضع تشريعات وخطط لخلق شبكات تأمين وحماية اجتماعية، لتقليل الفوارق الطبقية، لكن الواقع المصري وسياساته وقوانينه، تجاه ذوي الإعاقة، تقف على النقيض من كل ذلك، وتعمد إلى التحريض ضدهم وتغري بانتهاك حقوقهم.

وعلى الرغم من إقرار الدستور المصري إحدى عشرة مادة، عكف حسام المساح، عضو لجنة الخمسين وممثل ذوي الإعاقة، على صياغة نصوصهم، لإلزام الدولة من خلالها بضمان حقوق ذوي الإعاقة، في التعليم والصحة والعمل، ورفع التهميش والإقصاء عنهم، واعتبارهم مواطنين أسوياء. بالإضافة إلى وضع مادتي 180 و244، اللتين نصتا على تمثيلهم في البرلمان والمجالس المحلية. لكن ثمة واقعًا مغايرًا، يجري بين ضفتي سجلات الدستور والقانون حين تصبح معطلة ومجرد "حبر على ورق" وتهدر حقوقهم.

فإن صور الفوضى والعشوائية ضد ذوي الإعاقة تتجاوز التوقعات، فلا يكاد يتوقف الأمر عند مجرد عدم تهيئة الطرق والشوارع ومحطات المترو والنقل، والأماكن الخدمية، كالمستشفيات والبنوك وغيرها، بحيث تتناسب وطبيعة الإعاقة، مثل صعوبة الحركة وتوفير ممرات آمنة لهم، التي تختفي تمامًا عن هذه المواقع، وتفضح غيابهم من ذاكرة الدولة ونسيانهم لها، لكنها طاولت حدود القانون الذي تم تدشينه وإقراره بهدف حمايتهم اجتماعيًا وحقوقيًا، بما يكشفه مضمونه ومتنه، من عنصرية تامة في فهم مشكلاتهم والتعاطي معها، على أساس كونهم أقلية، ضعيفة ومنزوية، تنحصر أزماتهم في مجرد توفير إعانة مالية لهم مع الاستغناء عن خدماتهم.

قبل أكثر من ثلاثين عامًا، تحديدًا، عام 1975، حدد القانون رقم 39 نسبة الـ (5%)، التي تؤهل ذوي الإعاقة للالتحاق بالعمل في القطاعين العام الحكومي والخاص، وهو ما لم يجر تعديله منذ ذلك الوقت، حتى يتناسب مع واقع عددهم الجديد والمتزايد، والذي تضاعف منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه ينعدم من قاعدة بيانات الحكومة وأجهزة الدولة المختصة أرقام واقعية ومحدثة عن ذوي الإعاقة وتختفي تمامًا الإحصائيات من جهات أخرى لا تتوافر بها، حيث يجري الاستعانة ببيانات من جهات أجنبية، سواء حقوقية أو رسمية، مثل منظمة الصحة العالمية، وبالتالي، يصعب تحديد طبيعة كل إعاقة وتصنيف الوظائف التي تتناسب مع إمكانياتهم النفسية والبدنية.

 ثمة مفاجأة أخرى عند فحص بنود القانون ونصوصه التي تقر عقوبات هزيلة ضد صاحب العمل الذي يثبت عليه عدم تحقيقه للنسبة المقررة من تعيين ذوي الإعاقة، والتي لا تتجاوز بحال، 100 جنيه مصري (أقل من عشرة دولار)، أو سجنه مدة لا تتجاوز أيضًا الشهر. وهو ما يبدو كمحرض رئيسي وسهل يساهم في انتهاك حقوقهم والوقوف ضد تعيينهم والالتزام بالقانون والتشريعات وعدم مخالفتها.

يشير رامز، يعاني من إعاقة حركية، إلى معاناة ذويه، التي تبدأ من عدم وجود أي مسح اجتماعي يفصح عن عددهم أو تحديد طبيعة إعاقتهم، موضحًا أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لا يقوم بأي تحديث لبياناتهم ويقدرها بـتسعة مليون معاق، وفقًا للدراسات الطبية، التي يعتمد عليها وتجريها منظمة الصحة العالمية، سواء ممن تعرضوا لحادث أو مرض منذ الطفولة. فضلًا عن الحوادث التي قد يتعرض لها أي إنسان، وتتسبب في إدراجة ضمن المصابين بإعاقة ما، وهو ما يعتبره ضمن أداء المجلس القومي لشئون الإعاقة، الهزيل ودوره المعطل؛ حيث يعد الجهة المنوط بها حصر هذه الفئة، وتصنيف كل إعاقة، سواء حركية أو سمعية وبصرية وذهنية، لتحديد المهام التي قد يؤديها صاحب كل إعاقة والمهارات والوظائف التي تناسبه.

في ما كشف، عضو مجلس إدارة المجلس القومي لشؤون الإعاقة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن نسبة التعيين في القطاع الخاص تكاد تكون غير مفعلة تمامًا ومنعدمة ولا تبلغ نسبتها 5%، وفي حال التعيين يحصل المعاق على أدنى مرتب والذي لايتجاوز 200 جنيه (10 دولار)، وذلك في أفضل الأحوال، حتى يتجنب صاحب العمل تحرير محاضر ضده، ويوصي المعاق بألا يحضر للعمل.

فمع انعدام القواعد البيانية والإحصاءات، عن ذوي الإعاقة، لن يكون بالإمكان تحقيق أي فرص لدمجهم في الحياة بشكل طبيعي، حيث أن كل جهة حكومية لديها رقم مختلف ومتفاوت عن الجهة الأخرى، وينبغي من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن يراعي حصر المعاقين، وتصنيفهم حسب نوع الاعاقه في تعداده. يوضح إلهامي الميرغني، باحث حقوقي في الشأن الاقتصادي.

ويؤكد الميرغني، المشكلة ليست مجرد النسبة ولكن الالتزام بها والرقابة عبر إيجاد منظومة قانونية رادعة وعقوبات قاسية للمخالفين، ولأن ذوي الاعاقة بحاجة لوظائف منتجة ومشاركة في التنمية التي تسعى لها الدولة والمجتمع، فهم وليسوا بحاجة لإعانات بطالة من أصحاب العمل، فالمهم تسكينهم في الوظائف الملائمة لتأهيلهم وتحقيق ذواتهم، وتقديم قيمة مضافة حقيقية للإنتاج.

المساهمون