إعلانات الزكاة في رمضان.. تشجيعًا للتسوّل في مصر

إعلانات الزكاة في رمضان.. تشجيعًا للتسوّل في مصر

23 يونيو 2017
(في مصر، تصوير: مصعب الشامي)
+ الخط -
منذ اليوم الأوّل في شهر رمضان، ينتشر الشحاذّون في شوارع القاهرة، يطوفون البيوت والأحياء ويقفون أمام المساجد والمحال التجارية، وأحيانًا، يطرقون أبواب المنازل، وذلك عبر وسائل مبتكرة وجديدة، حيث تحوّلت معها تلك المهمّة الموسمية إلى مهنة، لها أصولٌ وقواعد وأدوات، يجري الاعتماد والركون إليها بحيث تكتمل صناعتها، تعتمد على الابتزاز النفسي وتكثيف مشهدية مخيفة ومبتذلة، تستدرُّ عطف الناس للحصول منهم على الأموال، مستهدفين هذا الشهر واستعداد الناس فيه بهدف مضاعفة ثوابهم عند تأدية الخير.

هو الأمر نفسه الذي تستعيره إعلانات الزكاة والصدقات في التلفزيون، والتي تتكرّر في فواصل طويلة وممتدة بين المسلسلات الدرامية والبرامج التلفزيونية، حتى أصبحت المادة الرئيسية على الشاشة، التي تستحوذ على الخريطة البرامجية وتتضاءل معها مساحة المواد الإعلامية الأخرى، التي تتفاوت بين إعلانات لمستشفيات والتبرّع للأسر والفئات المهمّشة في صعيد مصر والقرى النائية.

كثيرًا ما يتمّ استغلال صور مؤلمة تتجاوز القيم المهنية وتعصف بها، في ظلّ تبني قيم السوق الاستهلاكية بصورة برغماتية لجمع الأموال، فيعتمدون على أطفال مستشفى السرطان، لمواجهة المشاهد بمعاناتهم وآلامهم مع المرض، فيستغيثون بوجوه شاحبة بهتت من جرعات العلاج الكيماوي وأجساد برزت عظامها، تنتقل الكاميرا تحصد آثار المرض على أجسامهم، وكذلك تصوير مرضى الحروق والتشوّهات وذوي الإعاقة الجسمانية والذهنية، باعتبارهم سلعة تجري تهيئة كل الأدوات الفنيّة والإخراجية في مهمّة إنجاح الدعاية التسويقية.

تكشف هذه الصورة عن حجم الدعاية التي تنفق عليها أموالٌ طائلة، حيث يتمّ توظيف نجوم الفن والرياضة والنخبة الدينية، لتوجيه جماهيرهم وحشدهم في المادة الإعلانية للاستفادة من رأسمالهم الرمزي، والتأثير في المتلقّي، لا يختلف في ذلك ظهور نجوم الرياضة والفن عن أئمة الدين والدعاة المشهورين، طالما سوف تؤدّي إلى النتيجة نفسها، حسب المكانة التي يحتلها كل فرد فيهم عند جمهور معيّن، يخاطبهم والشرعية التي سيمنحونها للإعلان.

لكن، هذه الأموال يتمّ إهدارها للظهور الإعلاني فقط دون ضخّها للمستفيدين منها فعليًا، ممن يتمّ الترويج عنهم في المادة الإعلانية، حيث تصل تكلفة إعلان لمدة 30 ثانية في المرة الواحدة إلى 50 ألف جنيه مصري. ويختلف سعر الإعلان من قناة إلى أخرى حسب تفاوت نسب المشاهدة بين القنوات ومدّة الإعلان وموعد عرضه، وقد تحسب في قنوات بالثواني وفي قنوات أخرى تحسب بالدقيقة وتتضاعف القيمة بينهما.

ووصلت تكلفة الإعلانات الرمضانية، العام الماضي، إلى 50 مليون جنيه، بينما بلغت تكلفة إعلان بيت الزكاة 600 ألف جنيه، في هذا العام، وبلغت ميزانية الحملة الإعلانية لمستشفى 75375، في عام 2014، 200 مليون جنيه، وهذا الرقم تضاعف الآن مع ارتفاع الدولار بعد تعويم الجنيه مؤخرًا.

ثمة تحفّظات كثيرة ترافق هذه العادة الرمضانية السيئة، التي أصبحت سباقًا رمضانيًا بين المحطّات والمنصّات الإعلامية التلفزيونية، تبدأ من مخالفة الضوابط الإعلانية والتشريعات التي تحدّ من انفلاتها وتجاوز القيم المهنية والإنسانية، حيث يتمّ استغلال أطفال ومرضى، وانتهاك خصوصية البشر وحقوق الإنسان معًا، فضلًا عن إهدار أموال المتبّرعين في إدارة الإعلانات ولصالح وكالات الإعلان، المستفيد الأوّل وإنفاقها على الممثّلين والنجوم المشاركين في الإعلان، والربح الذي تتقاسمه هذه الوكالات مع المنصّات الإعلامية، ناهيك عن التعمية التي تلعبها هذه الإعلانات في تغييب دور الدولة، وحل مشكلات الفقر والعوز الاجتماعي للمواطنين، ودخول فئات تحت خط الفقر تصاب بأمراض، نتيجة عدم توافر مياه صحيّة وملوثة أدّت إلى حدوث لأمراض صحية مثل ضمور وتليف الكبد والفشل الكلوي.

في مقابل ذلك، يسجل غياب دور وزارة التضامن الاجتماعي القانوني المباشر في التصدي للجهات المطالبة بالتبرّعات، وتعقب سبل جمع أموالها ورصد حجم ميزانيتها ومعرفة مصارف هذه الأموال في جهاتها المستحقّة والكشف عن المخالفات ووضع حدّ لأشكال الابتزاز النفسي.

وتكشف التبرّعات التي تطالب بها مستشفيات الحكومة مثل المعهد القومي للأورام، وأبو الريش، ومستشفى الطوارئ بالقصر العيني لطلب التبرع رغم اعتماد مخصّصاتها بالموازنة العامة للدولة، عن اتهامها الصريح بالتقصير وعجزها عن حل مشكلات قطاع الصحّة وضعف الميزانية المخصّصة لها في ظل سياسة الادّخار وتراجع سياسة الاستثمار المتراجعة بوتيرة سريعة، وعدم قيام دورها على مستوى الخدمات الطبية ودعم المستشفيات وتحوّلها للاعتماد على التبرّعات التي تتكلّف مبالغ طائلة تذهب إلى شركات الدعاية والإعلان والتي يصل سعر الدقيقة بها إلى أكثر من 100 ألف جنيه، وفي بعض الحالات تصل النسبة إلى نحو 60% من إجمالي التبرّعات المحصّلة.

المساهمون