نساء مصر في رمضان.. حرق "السافرات" وسحل "المحجّبات"

21 يونيو 2017
(في شوارع الإسكندرية، تصوير: ديريك هدسون)
+ الخط -
"الدين لله والوطن للجميع"، الجملة الشهيرة التي تتناقلها ألسنة المصريين، دفاعًا عن وحدة نسيجي الأمة، كانت بدايتها على لسان سعد زغلول في ثورة 1919، حين اتحد الهلال مع الصليب، و تجاورت العمامة مع الشملة، ذهب سعد زغلول، ورفضت عمامة الشعراوي أن تتجاور مع شملة البابا شنودة في لقائهما الشهير الذي نقله التلفزيون المصري آنذاك، ليرد الشعراوي على شنودة حين نطق بها "الدين لله والوطن أيضًا لله...الأوطان لا نفع فيها إن كانت بلا دين ولا قيم ولا منهج"، هنا قرّر الشعراوي أن الوطن لن يكون للجميع، وفي رمضان 2017، لم يعد الوطن ينفع للمسلمين أو للمسيحيين.

عادات وتقاليد، تربّى عليها المصريون، وحفظوها عن ظهر قلب، جيلًا بعد جيل، يأتى الشهر الفضيل، فتستعد البيوت العامرة بأشهى الأطعمة، وأفخم الموائد، وينتظر الجميع طبلة المسحّراتي، ومدفع الإفطار، عادة جديدة انضمت إلى قائمة العادات الرمضانية المصرية، تعرفها جيدًا كل من سارت دون حجاب، وكل من كشفت جزءًا من ذراعيها، "استغفر الله العظيم"، العادة التي تقابلها المصريات دون تفرقة في شوارع المحروسة، وإن كان سوء الحظ ملازمًا للفتاة السافرة، فمصيرها على يد من يقابلها في طريقه بالصدفة، يكون رشّها بالمواد الكاوية والكلور، وهي طريقة "الشعب المتديّن" بطبعه في نصرة الإسلام، ودعوة "الضالين" إلى الهدى، أو على الأقل ألا يخرجوا من منازلهم في أوقات الصيام، ويعرّضون شباب المسلمين لمخاطر الفتنة وضياع الصيام.

لم تتصوّر الفتاة العشرينية، أن التحّرش اليومي الذي كانت تقابله صامتة ودامعة في يومها المعتاد، سيتحوّل في شهر رمضان إلى مادة حارقة، يكوي ملابسها، ويلهب جسدها، والسبب أنها فقط كانت عائدة من الكنيسة، بشعرها المنسدل وفستان يكشف عن نصف ذراعها، وصليب مدلّى على رقبتها، وشقيقها الأصغر يرافقها الطريق في مساء حار في منطقة عزبة النخل بالقاهرة، بسرعة اقترب منها توكتوك صغير يقل شابين، حين رأت أحدهما يخرج يده من التوكتوك، كانت تتوقّع أنه سيتحرّش بها فتراجعت قليلًا إلى الوراء، لكنّها لم تكن تعلم أن الخطة كانت قذفها بمادة حارقة، حمدت الله أنها لم تنل من وجهها بسبب تراجعها، لكن ملابسها لم تنج من ذلك، نشرت الفتاة صورتها عبر موقع التواصل الاجتماعي، لتنال كثيرا من الدعم، والمساندة، وينال الفاعل لعنات المسيحيين، ودعوات المسلمين وتضرّعهم بأن يعود السلام ليجمع ما فرقته الفتنة.

لم تكن الواقعة هي الوحيدة في عزبة النخل، والمرج، فهناك تعانى الكثير من الفتيات المسيحيات من وقائع مماثلة، وكان الرد الوحيد الذي يتلقونه ردًا على شكاواهم "حاولوا ما تنزلوش في رمضان"! تدخل نائب مجلس النوّاب عن الدائرة، قدم بلاغا إلى الشرطة، يطالب بسرعة التحقيق في المحاضر والاستغاثات المتكرّرة، وأن يتمّ ضبط الجناة. لم تنته الأزمة بعد في الضاحية البعيدة عن الضوء، فرمضان لم يزل مستمرًا، لكن أزمة أخرى استطاعت أن تجذب الأضواء في ساعات معدودة، بطلاتها هذه المرّة "منقبات".

عزومة على الإفطار في أحد المطاعم الشهيرة. ثلاثون فتاة بين منقبة ومحجّبة، على مائدة عامرة بصنوف الطعام المختلفة، لم ينته الإفطار بعد، لكن في أوقات الزحام، تغيّر المطاعم سياساتها، فيأتي شيك الحساب قبل موعده، أتى النادل فردّته الفتيات وطلبن منه العودة بعد قليل، عاد النادل من جديد، فطالبنه بالصبر حتى ينتهين من طعامهن، جاء وقت الحساب، فقامت الفتيات للدفع، في الوقت نفسه الذي كان يمر فيه مدير المطعم، فاحتك بإحداهن، حسب الرواية الأولى التي نقلتها الفتاة سلمى أبو الفضل.

طالبته الفتاة بالابتعاد عنها، فقام هو بسبها وسبّ الدين موجّها كلامه لهنّ جميعًا، وأطلق عليهنّ وابلًا من الأوصاف التي يعاقب عليها القانون: "إنتوا تاكلوا في الشوارع بمنظركم ده"، لم ينل النقاب والزي الأسود إعجاب مدير المطعم، الذي انفرد وعماله وبعض الزبائن بالفتيات لمدّة 48 دقيقة، انهالوا عليهن بالأحزمة والركلات، ومحاولات نزع حجابهن، طالبت سلمى في منشورها الذي نشرته في مساء السبت الماضي، بتفعيل هاشتاغ "أم حسن بلطجية.. قاطعوا أم حسن"، تناقلت الصفحات منشور المنقّبات في المساء، لتبدأ حملة من الهجوم والهجوم المضاد ضد أم حسن، وضد النقاب.

لم تكن المرّة الأولى التي يتعرّض فيها المطعم الشهير لحملة من الهجوم، تسبب لحم الحمير في المقاطعة الأولى، وتسبّب الاعتداء على الفتيات في المقاطعة الثانية، لم ينته الأمر عند هذا الحد، ففي الوقت الذي انتشر فيه المنشور كالنار في الهشيم، كانت رضوى جمال - إحدى الفتيات المشاركات في العزومة-، تكتب منشورًا جديدًا، كشهادة أخرى على الواقعة، لم تنف رضوى حالة التوتر والعصبية عن عمال المطعم، لكنها حين رأت بـ "عين العقل" – حسب حديثها- أرجعتها لضغط العمل، وإرهاق الصيام، في الطريق لدفع الحساب وعند حدوث الاحتكاك "غير المقصود" كما تؤكّد المتحدّثة، بدأت المشادات، التي ارتفع فيها صوت كلا الطرفين، وتطوّر الأمر بعد ذلك باعتداء الفتيات على أحد روّاد المطعم وزوجته أمام أولادهما، تؤكّد جمال، أن الأمر كان من الممكن احتواؤه والسيطرة عليه، لولا "العُصبة"، فلولا أن أعجبتهم كثرتهم فلم تغن عنهم شيئًا، في مطعم أم حسن وكذلك عبر السوشيال ميديا.

حاولت إدارة المطعم احتواء الموقف بعد حديث السوشيال ميديا، وقدمت اعتذارًا رسميًا عبر صفحتها، بالإضافة لدعوة على الإفطار موجّهة للفتيات الثلاثين وأسرهن، لتصفية الأجواء، لم تكن تلك هي الدعوة الوحيدة التي تلقتها الفتيات، لكن كذلك بادر أحد المطاعم بتقديم مشروبات مجانية لكل المنقّبات اللاتي يزرنه حتى نهاية أيّام رمضان، وكذلك وجّه دعوة للفتيات اللاتي تعرّضن للحادثة، لتناول الفطور مع كل من يُردن داخل المطعم "معزّزات مكرّمات"، داعيًا إلى محاربة العنصرية والتمييز ضدّ المنقّبات.

على الجانب الآخر؛ كانت المعركة لم تزل مشتعلة، فالفيسبوك لا يخفي شيئًا، فعبره نشرت سلمى أوّل منشور، وعبره ادّعى البعض انتماءها إلى جماعة الإخوان، وأن خطيبها محكوم عليه بالإعدام، وعبر الصفحات الشخصية للفتيات، تحدّث نشطاء على مواقع التواصل، حول أن إحداهن تحمل كنية "بنت بن لادن"، وأن أخرى كانت تدعو على نصارى مصر، وأن جميعهن لا يستحققن التعاطف، بعد يومين أغلقت أبو الفضل حسابها علي فيسبوك، فربّما سيكون سببًا في تعرّضها لإيذاء أكبر من ذلك الذي تسبّب فيه فطور يوم من أيّام رمضان.

المساهمون