التعليم في اليمن: مقاتلون يلتحقون بالمدارس

06 نوفمبر 2016
(في ساحة مدرسة يمنية، تصوير: أنتوني أسيل)
+ الخط -
تدخل الحرب في اليمن عامها الثالث، ويزداد الوضع تأزّمًا في البلاد، فمن عمليات القصف التي تطال المدنيين والعمران، إلى تدنّي مستويات العيش، وتراجع الخدمات في المستشفيات والمدراس والمواصلات.

منذ أسبوعين تقريبًا، دشّن اليمنيون عامهم الدراسي الجديد، وسط تعقيدات وصعوبات لا حصر لها، خصوصًا مع الانهيار الاقتصادي المتزايد، وانقطاع الرواتب عما يقارب مليون موظف يمني منذ ثلاثة أشهر.

إن كان هذه التطوّرات، قد حرمت قطاعًا واسعًا من اليمنيين من لقمة العيش، وأدت إلى زيادة حالات الوفيات بسبب الجوع والمرض، فالحديث عن التعليم والدراسة يصبح ترفًا وبرجوازية، ما دفع بكثيرين إلى ترك تعليمهم ومغادرتهم مقاعد الدارسة في بعض مناطق اليمن، والتي تخضع للسيطرة من قبل مليشيا الحوثي، ويبرز ذلك بشكل واضح في محافظة الحديدة غربي اليمن، حيث يؤكّد الأهالي أن قطاعًا واسعًا من طلّاب المدارس، انقطعوا عن مواصلة التعليم بسبب الظروف المعيشية السيئة لأرباب أسرهم، وانقطاع مرتباتهم التي كانت مصدر صمودهم أمام تكاليف تعليم أبنائهم.

وفي وقت حرم فيه الجوع بعض أبناء الحديدة من التعليم، حرمت مليشيا الانقلاب قطاعًا واسعًا من الطلاب من الالتحاق بالمدارس في أمانة العاصمة صنعاء، تحت مبرّر أن المدارس صارت لا تسمح باستقبال عدد أكبر من الطلاب، وقد كان النازحون من مناطق الحرب في الدرجة الأولى.

مجيب عبده أحمد، وهو أحد المعلّمين في مدرسة الرسالة الواقعة وسط صنعاء، وخلال حديثه إلى "جيل" أكد أن المدرسة رفضت عددًا كبيرًا من الفتيات من الالتحاق بالتعليم، وأغلقت أبوابها بسبب الاكتظاظ؛ ففي هذا العام كان هناك إقبال للطلاب بسبب استمرار النزوح من مناطق ومدن الحرب إلى العاصمة صنعاء من جهة ومن جهة ثانية كان هناك نزوح كبير للطلاب من الدارس الأهلية نحو المدارس الحكومية نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية للأهالي.

كان الحديث إلى محمد الصلوي صاحب الأربعين عامًا، وهو نازح من منطقة الصلو في تعز والتي تخضع للحرب والمواجهات المسلحة منذ عدة أشهر، من أجل معرفة إن كان قد تمكّن من تسجيل أبنائه في المدرسة، فيجيب بامتعاض: "الحرب لم تأخذ بيوتنا واستقرارنا فقط، بل خطفت رواتبنا وأنهت مشوار التعليم لأبنائنا، فقد أغلقت المدارس أبوابها في وجوهنا بسبب أننا نازحون من تعز".

ويوضّح المحدث، أن لديه خمسة أبناء كلهم توقفوا عن التعليم، بسبب الظروف الاقتصادية من ناحية وبسبب عدم قبولهم من ناحية ثانية أخرى.

دخلنا بعض المدارس، للوقوف على مشاكل العام الدراسي الجديد، وكنا نعتقد أن الملتحقين بالمدرسة هم من فئة المحظوظين، ولككنا وقفنا على حقيقة أنه لا فرق بين الجالسين على مقاعد الدراسة وبين من هم خارج أسوارها، كانت علامات الإحباط تبدوا على وجوههم وكأن لسان حالهم يقول: "عن أي عام دراسي جديد جئت تحدّثنا، ونحن لا نملك بدون كتبًا أو أدوات دراسة"، وربما لم يعثوا على مدرّس حتى الآن، بعض الطلاب أكدوا أنهم يجمعون المال لأحد المعلمين من أجل التكفّل بمواصلاته".

شُحّ الكتب في المدارس، فرض على التلاميذ مشاركتها مع بعضهم بعضًا، حيث تجد أن الكتاب الواحد يُخصص لـكل خمسة طلاب يتداولونه مرّة في الأسبوع فيما بينهم.

بعض المعلمين أكدوا في حديث إلى "جيل"، توقف طبع الكتاب المدرسي منذ بداية الحرب، إذ أن الاهتمام بالتعليم لم يعد من أولويّات المسؤولين، ولكن استنزفته مصاريف الحرب والمقاتلين.

يبدوا أن كل شيء تغير لدى طلاب المدارس في اليمن هذا العام؛ فأغلبيتهم لا يجدون ثمن شراء مستلزماتهم، ناهيك عن المصروف اليومي الذي كانوا يحصلون عليه من قبل أوليائهم، حتى المواصلات لم تعد متوفّرة، ما يضطر البعض للذهاب إلى المدرسة مشيًا على الاقدام.

وأنت تعبر شوارع العاصمة صنعاء وقت الظهيرة يشد انتباهك طلاب المدارس وهم يتعلقون بالباصات المخصّصة لنقلهم، ويمسكون بجوانبها ويقفون على حوافها الناتئة من الهيكل الخارجي لها، حتى سطح الباص أصبح مكانًا متاحًا للركوب، حيث يتسابق الطلاب للوصول إليه.

وتشير إحصائيات، أن ما يقارب 550 مدرسة في اليمن أغلقت أبوابها بسبب الحرب، في حين حوّلت الميليشيات عددًا منها إلى ثكنات عسكرية ومقرات للمقاتلين، وهناك مدارس صارت مراكز إيواء لبعض النازحين من مناطق التوتر.

يبدو أن استمرار الحرب، سيقضي على ما تبقى من هامش التعليم في اليمن، ويجد اليمنيون اليوم أنفسهم، عاجزين عن مواصلة مسيرة الحياة وليس مسيرة التعليم فقط.

المساهمون