فيسبوك: الخوف كمحرك للحرب

01 ابريل 2017
(مركز الابتكار لشركة فيسبوك/ برلين، تصوير: توبياس ششورز)
+ الخط -


بالنسبة لأجيال الثمانينيات وأوائل التسعينيات، والتي واكبت الإنترنت بشكلهِ البدائي وصولًا إلى حالهِ اليوم. هذه الأجيال التي مرّت بنظام التشغيل منعدم النوافذ ومرورًا بالوندوز، وهي الأجيال ذاتها التي استعملت المنتديات وبرامج التشات الفـوري وبرنامج مايكروسوفت مسنجر؛ ويمكننا القول أيضًا بأنها الأجيال ذاتها التي استعملت أجهزة النوكيا التي كانت تحتل العالم في يومٍ من الأيام.

ولو أردنا أن نرى الآن إلى هؤلاء وأين هم الآن، فسنجد أنهم قد توقّفوا عن دخول موقع هوتميل أساسًا واتجهوا نحو الجميل، وانصرفوا عن المنتديات إلى الفيسبوك وعن نوكيا إلى سامسونغ والأيفون. ماذا حصل؟

ما حدث هو أن الشركات السابقة كانت تظنّ أن السوق ملكها وأنه لا يوجد أي مجالٍ للمنافسة ضدّها كونها كانت الوحيدة والفضلى في مجالها، ولكن التاريخ يقول، إن من لا يتطوّر لا يعيش، والبقاء طبعًا للأقوى والأفضل والأصلح للبيئة والعصر الذي يعيش.

كثيرون يطرحون سؤالًا: "هل سيكون هناك عالم اسمه عالم ما بعد فيسبوك"؟ بمعنى هل سيأتي موقع أو خدمة تجعل الناس تنسى فيسبوك وتنتقل إليه، ليصبح من الماضي، مثله مثل الخدمات السابقة؟ والإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة أبدًا.

فالعادة والطبيعة تقوم بأنه لا دوام لشيء أبدًا، مهما صعد وحلّق، فسيكون له محطة نهاية. لكن فيسبوك في الوقت نفسه يحاول أن يحارب هذه الحقيقة بأعتى ما لديهِ من وسائل.

فالموقع الذي انطلق عام 2008 للعالم، لم يعد أبدًا كما هو. فالموقع لديهِ جيش من الموظفين ومن علماء الناس ومولّدي الأفكار الذين يحاولون جعل الموقع بيئة مناسبة أكثر فأكثر للناس لخداعهم بقضاء أطول فترة ممكنة داخل الموقع. وليس هذا فحسب بل وتوفير كل ما يريده المستخدم على الإنترنت في مكانٍ واحد.


استراتيجية فيسبوك
ففيسبوك مثلًا يضع الأولوية في الظهور للمنشورات ذات مقاطع الفيديو في حركةٍ منه لدعم المحتوى المصوّر لمنافسة اليوتيوب على سبيل المثال، وقبل مدّة جعل الفيديوهات تبدأ بالعرض لوحدها إلا إذا اخترت أنت توقف هذه الميزة، ليحصل على أعلى عدد hits على الفيديوهات من بين كل المواقع التي تدعم الفيديوهات.

والأمر لا يتوقّف فحسب على الخدمات داخل الموقع، وإنما يدفع الخوف فيسبوك لمراقبة السوق مراقبة حذرة وشرسة في الوقت نفسه. فالموقع الذي انطلق وليدًا على يد طالب في جامعة هارفرد قد تحوّل إلى شركة (حوت كبير)، يحاول أن يجعل نفسه هو السوق بكاملهِ، فلا يكاد يسمع عن شركة ناشئة في أي مجال قريبٍ أو بعيد من مجالهِ وتحقّق نجاحاً إلا ويعرض شراءها وامتلاكها ليضيفها إلى جيشه المسيطر في الخدمة.

فشهدنا مثلًا استحواذ فيسبوك على تطبيق إنستغرام لخدمات الصور عام 2012 مقابل مليار دولار، بعد أن حقّق التطبيق نجاحًا على مستوى عالمي في جميع المتاجر. وأيضًا ما فعله فيسبوك مع الواتساب والذي تأسّس عام 2009 من قبل الأميركي بريان أكتون والأوكراني جان كوم (الرئيس التنفيذي أيضًا)، وكلاهما من الموظفين السابقين في موقع ياهو، ويتنافس الواتساب مع عدد من خدمات الرسائل الآسيوية (مثل LINE، KakaoTalk، وWeChat).

وفي الـ 13 من يونيو/ حزيران 2013، أعلنت WhatsApp على تويتر، أنه قد وصلت سجلاتها اليومية الجديدة إلى 27 مليار رسالة. وقد قامت شركة فيسبوك بشراء الواتساب في 19 فبراير/ شباط 2014 بمبلغ 19 مليار دولار أميركي، في عملية استحواذ نوعية على تطبيقٍ كان يُظن بأنه سينافس فيسبوك مسنجر؛ ولكن الآن صارت المنصّة تابعة لفيسبوك، والمنافسة بين التطبيقات الثلاثة تصبّ في النهاية لصالح الشركة.

وطبعًا الأمر لا يتوقّف على الاستحواذ على تطبيقات ومواقع تقدم خدمات مباشرة، وإنما في سوق الذكاء الاصطناعي والخدمات التي تبني وتجهّز البنية التحتية للإنترنت، ولكن لا يكون المستخدمون على اطلاع على مثل هذه الاستحواذات لأنها لا تهمهم بشكلٍ مباشرٍ.

لفيسبوك وسناب شات
عندما حقّق سناب شات شعبية في بداية انطلاقهِ عام 2013، ظنّ الجميع أن نجمه سيأفل ويختفي مثلما تختفي رسائله بين ليلة وضحاها، ولكنه بدلًا من ذلك أصبح وشركته واحدًا من أهم الشركات والتطبيقات إثارة للاهتمام على الساحة التكنولوجية.

أسر تطبيق سناب شات قلوب الشباب في الغربِ والشرق بمحتواه الذي يختفي بسرعة، والكثير من ميزاتهِ المرحة. ومما يظهر أن سناب شات قد أقام علاقة وثيقة مع الشباب بنجاح أكثر من منافسيه في السوق مثل فيسبوك (أو خدمة المراسلة لديه المسنجر، أو واتساب). يتبادل الشباب فيما بينهم صورًا وفيديو لهم وهم يتقيؤون أقواس قزح أو محولين ووجوههم إلى إحدى الحيوانات. نحو 41% من الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34، يستخدمون خدمة الرسائل سريعة الزوال يوميًا، و150 مليون شخص على مستوى العالم يقضون وقتًا على ذات التطبيق كذلك.

هذا الصعود السريع والمفاجئ لتطبيق سناب شات يثير خوف فيسبوك بل ويزعزع استقراره بأنه الأفضل في ظل الازدياد المضطرد في عدد مستخدمي تطبيق سناب شات يومًا بعد يوم.

ومثلما صنع إنستغرام وواتساب، عرض فيسبوك شراء تطبيق سناب شات مقابل 3 مليارات دولار؛ ولكن سناب ردَ عرضه في الشراء، فلدى سناب شات نظرة مختلفة. ففي الوقت الذي يخلق فيه فيسبوك سجلات دائمة من حياة المستخدمين، يعمل سناب شات على مبدأ المؤقتية التحرّرية. وفي معظم مواقع وسائل الإعلام الاجتماعية، ينشر الناس حول إنجازاتهم إلى دائرة ضخمة من المعارف، أما على السناب شات فيتبادل الناس صورًا سخيفة لأنفسهم مع مجموعات صغيرة من الأصدقاء.

وهذا الرفض طبعًا أثار حفيظة العملاق. كيف لسمكة صغيرة في حوضٍ منزلي، تقول لا لحوتٍ في المحيط الكبير؟ من ناحية المتابعة والمشاهدة، فموقع بضخامة فيسبوك، لا يجدر بهِ أن يخاف من تطبيق سناب شات، فمجال منافستهِ الحالي ليس تقريبًا المجال نفسه، ولكن ومثل فيسبوك، الخوف من المستقبل. ذلك الذي جعل أجيال تربّت على خدمات مايكروسوفت مسنجر تنقلب إلى فيسبوك وخدماتهِ دون رجعة، هو الشيء نفسه الذي يخيف العملاق، ولذلك يسعى دائمًا إلى صناعة المستخدم الوفيّ والذي يعلن ولاءه له وليس مجرّد مستخدم بعيد.

فيسبوك إذن يقرّر إعلان الحرب على سناب شات، وبدأت تظهر أمارات هذه الحرب عندما أعلنت شركة فيسبوك إطلاق خدمة الـ Stories على تطبيق إنستغرام في شهر أغسطس/ آب الماضي 2016، وهو ما أحدث ضجّة عالمية حول الفكرة. وبغض النظر هل الفكرة حصرية أو لا، فإن نمو سناب شات قد تباطأ بنسبة 83% مباشرة بعد إطلاق خدمة إنستغرام الجديدة.

ففي الربع الأول من عام 2016، بلغ متوسّط عدد مستخدمي سناب شات يوميًا 122 مليون مستخدم نشط، بزيادة 14% عن الربع السابق. ثم أثبت الربع الثاني أفضل نمو له على الإطلاق، وذلك بفضل الاهتمام الهائل بالاتصالات البصرية على كامل الشاشة والافتقار إلى المنافسين المباشرين. وسجّلت سناب شات 143 مليون مستخدم يوميًا بمعدل نمو ضخم بلغ 17.2 بالمئة.

ولكن عندما أعلن فيسبوك استنساخ قصص سناب شات في الجزء العلوي من تطبيق إنستغرام الذي يستخدمه 300 مليون شخص يوميًا و500 مليون شخص كل شهر؛ بدا أن هذا النمو المطرد قد بدأ بالتململ. لأنه وبحلول تشرين الأول/ أكتوبر، كان لهذه الميزة الجديدة 100 مليون مستخدم يوميًا على إنستغرام.


فجأة، تباطأ نمو سناب شات. وقد سجّلت الشركة أدنى نسبة نمو لها منذ 2014؛ حيث تباطأ نمو سناب شات لـ 7% فقط في الربع الثالث 2016 ليصل إلى 153 مليون مستخدم يوميًا، وفي الربع الرابع تدهور أكثر، في حين وصل عدد مستخدمي ميزة الـ stories على إنستغرام إلى 150 مليون مستخدم يوميًا، وهو رقم ليس ببعيدٍ جدًا عن رقم سناب شات.

هل يكتفي فيسبوك؟
كما قلنا، خوف فيسبوك من المستقبل هو ما يدفعه ليكون أكثر وحشية في هذه الحرب، ورغم أنه وبواسطة تطبيق إنستغرام والميزة الجديدة قد سدّد ضربة قاسمة لسناب شات، إلا إنه لم يتوقّف. فهو لا يريد فقط أن يسحب المستخدمين القدامى، بل ويريد للمستخدمين في المستقبل أو المستخدمين المحتملين (Potential Users) والذين لم يعرفوالسناب شات بعد أن يأتوا إليهِ هو ويعلنوا ولاءهم له.

فبعد الضربة الأولى، قام فيسبوك بتسديد الضربة الثانية بإعلانهِ إطلاق الميزة ذاتها على برنامج واتساب بتاريخ 20 فبراير/ شباط 2017، ثم أعلن أيضًا إطلاق الميزة ذاتها على تطبيق المراسلة الفورية لديه مسنجر وأخيرًا وليس آخرا، وقبل 4 أيام، أعلن فيسبوك أنه يضيف ميزة الـ Stories إلى تطبيق فيسبوك الرئيسي وبشكلٍ منفصل عن المسنجر.

فيسبوك الآن لا يخوض حربًا مع سناب شات لوحدهِ، وإنما مع المستقبل في محاولةٍ منه للخلود. يحاول فيسبوك أن يصنع لنفسهِ جيشًا من مستخدمي الـ Stories الذين يعلنون ولاءهم بالمقام الأوّل لهِ دون أن يعرفوا ما هو سناب شات.

هل سينجح فيسبوك في البقاء؟ هل سيبقى الأفضل والأصلح؟ أم هل تعتقدون بأنه سيأتي يوم  قريب، ويكون فيسبوك بالنسبة لنا جزءًا من الماضي؟

المساهمون