ترجمة الأفلام والمسلسلات: قبل الإصدار الرسمي

03 ديسمبر 2016
(تصوير: بنيامن روندل)
+ الخط -

عادة يتأخر الإصدار الرسمي للأفلام والمسلسلات الأجنبية على هيئة أقراص رقمية DVD & Blu-Ray ويحوي في الغالب إضافات على نسخة الفيلم المعروضة في السينمات مثل المشاهد المحذوفة، ومقابلات مع كادر العمل، وترجمات رسمية لعدة لغات منها العربية في معظم الأحيان.

لكن المتابع للسينما لا ينتظر عامًا أو أكثر قبل الإصدار الرسمي، إضافة إلى صعوبة توافره على الإنترنت؛ فيلجأ إلى نسخ مقرصنة تبدأ بالظهور على مواقع التورينت متفاوتة الجودة بين نسخ مصورة بكاميرات داخل السينما إلى نسخ فائقة الدقة بعد عدة أشهر.

تختلف الحال بالنسبة للمسلسلات؛ فهي تتوافر بعد عرضها على القنوات الأميركية خلال ساعة على الأكثر وتكون بدقة عالية. هنا، يتصدر المترجمون المشهد، كل منهم بحسب سرعته ودقة ترجمته كي تكون متاحة للمشاهد بأسرع وقت وبشكل مجاني.

مع بدء ثورة الإنترنت عريض الحزمة، كان المترجمون يعملون بشكل تطوعي. وبسبب قلة الترجمات العربية الموجودة على الإنترنت، عملوا على إغناء الترجمات عن طريق سحب الترجمة من الإصدارات الرسمية للأفلام الذائعة الصيت وإعادة رفعها على الإنترنت. تكون صيغة الترجمة IDX وتمتاز بصعوبة التحرير ويتجاوز حجمها (1-3) ميغابايت، ولعبت خيارات المترجمين الفنية دورًا كبيرًا في ما تتم ترجمته.

يحتل موقع Subscene المركز 37 من ناحية التصفح في المملكة العربية السعودية. يظهر الموقع حضورًا كبيرًا للترجمات العربية من ناحية الكم والكيف (بحسب نظام التقييم المتبع في الموقع)؛ فتشكل الترجمات السيئة التي تعتمد على برامج ومواقع الترجمة، نسبة ضئيلة من المجموع. ويلحظ المتابع ارتباط أسماء بعض المترجمين بمسلسلات ذاع صيتها بشكل مرافق لاسم المترجم مثل "هاشم الذي قام بترجمة LOST على مدى 6 أعوام"، أو بأفلام معينة؛ فنجد مترجمين يتخصصون بترجمة الأفلام الأوروبية الحديثة أو الأفلام التلفزيونية التي بدأت تستقطب أسماء كبيرة في هوليوود. هذا بالإضافة لتعاونات شللية بين مجموعات من المترجمين بهدف الاستعجال في إصدار الترجمة، وتكون الترجمات في الغالب بصيغة Srt التي تمتاز بسهولة التعديل الزمني والنصّي، ولا يتجاوز حجمها نصف ميغابايت.

يوضح المترجم منذر تلاليني في حديث إلى "جيل": "عدد المترجمين الذين يعملون بمقابل مادي أكثر من المتطوعين، نظرًا لتنافس المواقع على جذب المشاهدين بتقديم محتوى حصري لا يتوافر عند غيرهم".

عن نفسه، يقول إنه يعمل مترجمًا بمقابل مادي مع أحد المواقع، إضافة لترجمة بعض الأعمال التي تستهويه بشكل تطوعي: "بدايتي مع الترجمة كانت في محاولاتي لترجمة الرواية اليابانية No Longer Human للكاتب أوزامو دازاي. تختلف ترجمات الأفلام والمسلسلات عن هذا النوع من الترجمة". يتابع: "أما بدايتي الحقيقية في هذا المجال كانت مع الموسم السادس من المسلسل الشهير Game of Thrones حين صدرت حلقتان منه، وكانت الترجمة تتأخر لأيام، وتمكنت من ترجمة الحلقة الثالثة فور صدورها قبل أي مترجم آخر. لا أطيق مشاهدة ترجماتي القديمة الآن نَظَراً لسوء تنظيمها ووضوح عدم خبرتي آنذاك".

تختلف الأسس التي يختار المترجمون بناءً عليها ما يترجمونه من أفلام ومسلسلات. لكن الأغلب يتوجه نحو أفلام البوكس أوفيس الحديثة، أو الأعمال التي يضم كادرها أسماء عريقة وبالضرورة أفلام الأبطال الخارقين.

وفي حالة المسلسلات، فإن المترجمين في الغالب يراعون القناة المنتجة للعمل، فأعمال قنوات الكيبل المدفوعة hbo - showtime- amc غير معرضة لخطر الإلغاء، مثل مسلسلات القنوات المفتوحة fox- abc- nbc التي يمكن إيقاف عرضها حتى بدون إكمال الموسم. ويميل المترجم في بداية أعماله إلى الأفلام والمسلسلات المشهورة لكي يناله نصيب من شهرتها، وما يعود له ذلك بفوائد قد تصل إلى عقود احترافية؛ لذلك نجد نقصًا في الترجمات العربية للوثائقيات العلمية، والكلاسيكيات الأوروبية، وبالمقابل يغطي المترجمون العرب مجالًا واسعًا من الأفلام غير الأميركية (إيرانية ولاتينية وأوروبية) الصادرة حديثًا.

نائل حريري، طبيب ومترجم ارتبط اسمه بترجمة مسلسل House M.D يقول: "بدأت قصتي مع الترجمة في فيلم before sunrise عام 2005 حين لم أجد نسخة dvd مترجمة له. بحثت عن أساليب وبرامج الترجمة، واستغرقت أسبوعًا كاملًا في ترجمة الفيلم".

يرى حريري أن الحافز الأساسي للترجمة هو حب العمل الفني والرغبة في تعميمه: "كثير من الأفلام انتقيتها بسبب إعجابي بها. كما أن المسلسلات التي ترجمتها، وهي "غريز أناتومي" و"هاوس إم دي"، اخترتها بسبب كون المترجمين السابقين غير قادرين على إيفائها الدقة الطبية المستحقة، فطلبت منهم تركها لي. هذا العمل تطوعي وغير مأجور، لذلك فهو يحتاج شغفاً والتزامًا قد لا يتوفر دائمًا".

يختلف المترجمون العرب عند نقطة إضافة التعليقات على الترجمة، والحدود الرقابية على النص المترجم من ناحية الشتائم وكالإساءات الدينية. يقول حريري: "تثير التعليقات حفيظتي. هدف المترجم نقل الكلام الأصلي بالتوازي مع الصورة البصرية، وليس إنشاء دائرة معارف. لو كان هناك أي تفاصيل إضافية مهمة لكان أحرى نقلها للجمهور الناطق باللغة الأم كذلك".

يضيف: "بالنسبة للحدود الرقابية لا حدود على الترجمة سوى الأمانة والدقة في النقل. تخضع شروط العمل الفني ومقاييسه لخالق هذا العمل الفني، وأمام المترجم دومًا خيار تجاهل العمل وتجنبه، أما إذا اتخذ قرار الترجمة فهو ملزم أدبيًا بكل التفاصيل الدقيقة".

برأي منذر تلاليني أنه يتوجّب على المترجم أن يوضّح معنى كلمة يستعصي عليه ترجمتها في حدود النص، كما يفعل مترجمو الروايات باستخدام الحاشية. أما الحدود الرقابية فهي خاضعة للحدود الأخلاقية للمترجم: "الشتائم أترجمها كما هي، ولكن بالتقليل من حدّتها دون الإنقاص من المعنى الذي من المفترض بها أن توصله للمشاهد. وبالنسبة للأفكار المتطرفة، أنا شخص مسلم ولكن أراعي مشاهدة مُختلف الأشخاص بمُختلف الديانات لترجماتي، أترجم النص كما هو، أنا مُترجم ولست بمحرّر، ووظيفتي تقتضي ترجمتي وليس إبداء آرائي سواء كانت دينية أم لم تكن".

المساهمون