دودة الاستيطان تنخر أراضي الدولة الفلسطينية - ملحق فلسطين
22 مايو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- في السابع من أكتوبر، اعترفت النرويج وإسبانيا وإيرلندا بدولة فلسطين، رداً على معركة أحبطت محاولات التطبيع بين أميركا وإسرائيل والدول العربية دون الاعتراف بحقوق الفلسطينيين.
- المعركة تسببت في مذبحة شهدت مستويات غير مسبوقة من العنف والحرمان، مما يعكس تاريخ الاستعمار الغربي في استخدام القوة المفرطة ضد الشعوب المحتلة.
- يُشاد بدور المقاومة في تحقيق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، مع التأكيد على ضرورة بناء على هذه الاعترافات لضمان تمثيل حقيقي للشعب الفلسطيني والعمل نحو تحقيق دولة فلسطينية فعلية.

من دون السابع من أكتوبر وما جرى فيه، لم تكن النرويج وإسبانيا وإيرلندا لتتخذ قرارا بالاعتراف بدولة فلسطين، وهو إنجاز يحسب لتلك المعركة التي أسفرت مع أول طلقة رصاص عن وقف مشاريع وأد القضية نهائيا، عبر تحقيق أحلام أميركا وإسرائيل في التطبيع مقابل بيع خدمات أمنية وشراكات تجارية للدول العربية، وليس في مقابل الأرض، أي قيام دولة فلسطينية كما كان يروج من قبل.

الثمن بالتأكيد هائل، آلاف الأطفال والنساء والشيوخ والشباب قتلى ومصابون وتدمير كامل، فما يجري ليس حربا في الواقع بل مذبحة تبث على الهواء أمام أعين العالم، على عكس المذابح الشبيهة التي قامت بها الدول الغربية منذ القرن السابع عشر، والتي كانت بالمناسبة ترد بالطريقة ذاتها على أي محاولة للمقاومة من الشعوب المحتلة، كما يقول أستاذ القانون في جامعة هارفارد دونكان كيندي في دراسة عن أنشطة الشرطة الاستعمارية، إذ استهدفت تلك الشعوب بـ "مستويات غير مسبوقة من الموت والحرمان (لاحظ القتل والجوع في غزة)"، من أجل إقناع السكان الأصليين بالتوقف عن أي محاولة للمقاومة، والأسوأ من ذلك أن بني جلدتنا يريدون إقناعنا بذلك، تحت ذرائع أثبت سلوك الاحتلال التكتيكي والاستراتيجي خطأها بالكلية.

تستحق المقاومة الثناء على دورها في الوصول إلى ذلك الاعتراف الذي بالمناسبة رحبت به السلطة الفلسطينية كذلك، رغم مهاجمة مسؤوليها المتجدد للسابع من أكتوبر، ومن ذلك هجوم الرئيس محمود عباس على حركة حماس بينما يقاتل أفرادها كل يوم من أجل دولة فلسطين، لكن الرجل وبدلا من أن يكتفي بالتصويب على الاحتلال خلال كلمة ألقاها، الخميس الماضي، في القمة العربية الثالثة والثلاثين، اتهم الحركة بتوفير ذرائع لإسرائيل كي تهاجم قطاع غزة وكأن دولة الاحتلال لم تحاصره وتهاجمه قبلها عدة مرات حتى مع فعاليات مدنية شعبية غير عسكرية، ولم تقضم أراضي الضفة الغربية التي يقيم فيها وتمنحها للمستوطنين، لكن بالتأكيد لا يلقي المقاومون بالا لتلك الانتقادات، إذ غسلوا أياديهم من السلطة أو رموا طوبتها كما يقول المصريون، بسبب دورها منذ بداية الحرب والذي ينافس الجامعة العربية بؤسا، وتبحث الشعوب عنها بملقاط في كومة دول تراجع تأثيرها إلى درجة إشراف غزيين على الهلاك جوعا كل يوم وإجهاض أجنة متواتر بسبب هزال أمهاتهم.

والمهم أن يجري البناء على تلك الاعترافات الدبلوماسية، لا أن تتحول إلى امتيازات للسلطة التي لديها تاريخ من توريث المناصب في سفاراتها، وهو ما يقتضي اختيار مممثلين حقيقيين للشعب الفلسطيني، بعد تبادل التمثيل مع تلك الدول التي تحتاج إلى عمل دؤوب للحفاظ على الرأي العام فيها مؤيدا للقضية، وداعما لها بكل السبل ومناضلا من أجلها داخل بلاده وخارجها، لا أن يتحول الإنجاز الذي دفع أطفال فلسطين ثمنه، إلى تنفيعات لفئات محددة.

من أجل ذلك لا بد من التفكير في اليوم التالي لتلك الاعترافات وكيف يمكن زيادتها والاستفادة منها وصولا إلى الدولة فعلا، وألا يظل الأمر شعارا مرفوعا على الطريقة الأميركية بحل خيالي، في حين أن المحتلين يسرقون كل يوم المزيد من الأراضي ولم يبق من الضفة إلا النزر اليسير، أي أن تلك الاعترافات يجب أن تفعل في سياق الضغط لوقف الحرب وإعادة الإعمار ومساهمة شعوب تلك الدول في ذلك، ما يقتضي إنهاء الانقسام وإجراء انتخابات حقيقية في السلطة الفلسطينية على كل المستويات القاعدية من أجل خلق جيل شاب يقوم بالقضية ومن أجلها ولها، لديه إمكانيات الإقناع والعمل الجاد داخليا وخارجيا ويستوعب كل أطياف شعبه وهو متوفر، لكنّ السلطة وأداءها الوظيفي، يحجبانه عن تنظيم نفسه.