ترحيل القصّر المغاربة... تحايل إسباني على القوانين والاتفاقيات الدولية

20 فبراير 2022
يصر القصر على الهجرة بحثاً عن مستقبل أفضل لعائلاتهم (Getty)
+ الخط -

تتحايل السلطات الإسبانية على القوانين والاتفاقيات الدولية من أجل ترحيل قصّر مغاربة، دون مراعاة لإرادتهم أو بحث أحوال عائلاتهم، كما لم تنفذ وعودها بمساهمات تنموية اجتماعية واقتصادية في المناطق التي يهاجرون منها.

- يبدي القاصر المغربي عدنان الأيوبي ذو الستة عشر ربيعا، إصراراً كبيراً على تحقيق حلمه، بالعودة إلى مدينة سبتة المحتلة في شمال المغرب، بعدما اضطر إلى مغادرتها منتصف أغسطس/آب الماضي، إثر قرار السلطات الإسبانية ترحيله ضمن العشرات من الأطفال المغاربة، ممن تمكنوا في 17 مايو/أيار الماضي، من اقتحام السياجات الحدودية في حركة تدفّق غير مسبوقة للمهاجرين غير النظاميين. 

بدأت عملية ترحيل الأيوبي بعدما نقلته السلطات الإسبانية إلى مركز سانتا إميليا لإيواء القاصرين بمدينة سبتة، كما يقول لـ"العربي الجديد" مضيفا: "عشت ظروفا صعبة لثلاثة أشهر بالمركز، قبل أن أفاجأ بترحيلي قسرا إلى المغرب رغم تعبيري عن عدم الرغبة في العودة". 

ويتابع: "لن أنسى كيف تم تحميل 15 قاصرا من مركز سانتا إميليا في حافلة، قبل أن يتم تسليمنا إلى السلطات المغربية التي وضعتنا في مركز للرعاية الاجتماعية بمدينة مرتيل بمحافظة المضيق الفنيدق (شمال المغرب)"، مؤكدا أن ذلك لن يثنيه عن تكرار المحاولة للوصول إلى الأراضي الإسبانية. 

حالة الأيوبي لا تختلف كثيرا عن أسامة ذي السبعة عشر عاما والذي طلب عدم الكشف عن هويته إذ يقضي نهاره بمركز سانتا إميليا، في التفكير بسبل تفادي ما يصفه بكابوس الترحيل في أي لحظة، بعد قرار المحكمة الوطنية الإسبانية، في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفض الطعن الذي قدمته في وقت سابق منظمات حقوقية إسبانية لمنع ترحيل القاصرين المغاربة. 

انتظار خطر الترحيل

في الفترة ما بين 17 و20 مايو/أيار الماضي، تمكن نحو 8 آلاف مهاجر غير نظامي من ضمنهم مئات القصر من اقتحام السياجات الحدودية ودخول سبتة، حسب وزارة الداخلية الإسبانية، وبينما تمكنت السلطات من إعادة معظم المهاجرين على الفور إلى المغرب، ظل في المدينة حوالي 1500 قاصر وفقا لما قاله وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا في 18 مايو/أيار الماضي، بينما قدرت منظمة العفو الدولية، أعدادهم في 19 مايو  بـ 2000 قاصر، بحسب تصريحات رئيسة برنامج السياسات الداخلية والباحثة في الفرع الإسباني لمنظمة العفو الدولية فرجينيا ألفاريز.

وباشرت السلطات الإسبانية، في 14 أغسطس/ آب الماضي، ترحيل نحو 800 مهاجر قاصر على شكل مجموعات تضم كل منها 15 طفلا، بناء على اتفاق مع نظيرتها المغربية بالاستناد إلى اتفاقية موقعة بين الرباط ومدريد في 6 مارس/آذار 2007.

لكن العملية توقفت بعدما أمر من أحد قضاة غرفة المنازعات الإدارية رقم 1 بسبتة، في 16 أغسطس، بتعليق إتمام تنفيذ ترحيل 12 مهاجرا قاصرا، بناء على طلب تقدمت به نيابة عنهم المنظمة الحقوقية الإسبانية " Coordinadora de Barrio"، ويبدي القاصر أسامة الذي ترك فصول الدراسة في مايو/أيار، تخوفه على مصيره قائلا، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد": "بعد صدور قرار المحكمة العليا الإسبانية المؤيد للترحيل لا نملك إلا أن نتابع مع الجمعيات الحقوقية الإسبانية". 

وبينما كان أسامة وزملاؤه يعولون على تأييد المحكمة العليا الإسبانية للطعن الذي قدمته المنظمات الحقوقية بشأن عملية ترحيلهم، جاء قرار ذات المحكمة، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بتأييد قرار حكومة بيدرو سانشيز ترحيل القصر المغاربة، ليرخي بظلاله على مصير المئات منهم ويطرح أكثر من علامة استفهام حول أسسه القانونية. 

تقديرات مغربية بوجود نحو 20 ألف قاصر غير مصحوب في إسبانيا

وبلغ العدد الإجمالي للأطفال المغاربة في إسبانيا تسعة آلاف؛ أي ما يعادل 68 في المائة من مجموع القاصرين في مراكز الرعاية والاستقبال بـ"المملكة الإيبيرية" حتى عام 2019 بحسب إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في حين تشير تقديرات جمعيات حقوقية مغربية إلى وجود نحو 20 ألف قاصر غير مصحوب في إسبانيا، بحسب ما أكده لـ"العربي الجديد " رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية)، محمد بن عيسى.

كيف يتم التحايل على الاتفاقيات الدولية؟

ارتكزت مدريد على الاتفاق المغربي الإسباني لترحيل القاصرين من سبتة وإعادتهم الى المغرب رغم رفضهم العودة، وهو ما يصفه جمال الدين ريان، رئيس مرصد التواصل والهجرة، (منظمة غير حكومية في هولندا)، بـ "التحايل" على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية القصر، ويتفق معه الحقوقي الناشط في مجال الهجرة شكيب الخياري قائلا لـ "العربي الجديد ": "إسبانيا تحاول، منذ زمن طويل، التخلص قدر الإمكان من المهاجرين غير النظاميين، ومنهم القصر، مستعملة في ذلك وسائل تحايلية مثل أحكام قانونية لا تمت لحقوق الإنسان بصلة".

ترحيل القصّر

 ويوثق الخياري كيفية التحايل على اتفاق عام 2007 من خلال عدم الأخذ بعين الاعتبار رغبات القصر، والتحري حول وضعية أسرهم الأصلية بالمغرب، رغم أن القانون الإسباني يمنع ترحيلهم إذا ثبت أن الطفل القاصر يتعرض لمعاملة سيئة في وسطه الأصلي، أو أن ذويه لا يستطيعون توفير الشروط الأساسية لتعليمه"، لافتا إلى أن "هذه الشروط لا تراعى خلال البحث عن وضعية الطفل المهاجر، كما لا تشير التحريات إلى الظروف الحقيقية التي عاشها قبل مغادرته المغرب، وذلك قصد التخلص منه".

وتخضع عمليات ترحيل القصر غير المصحوبين في إسبانيا تجاه المغرب لمقتضيات اتفاق 2007 والذي نص على أن السلطات الإسبانية تبت بمبادرة منها أو من الهيئة العمومية التي تمارس الوصاية على القاصر، في أمر عودته إلى بلده، في إطار الاحترام التام للتشريع الإسباني ومبادئ القانون الدولي واتفاقية حقوق الطفل.

تستغل إسبانيا اتفاقاً مع المغرب لترحيل القصر دون مراعاة كافة بنوده

غير أن الترحيل الجماعي للقصر والذي جرى في مايو الماضي، يعد خرقا للقانون الدولي للهجرة ولحقوق الإنسان؛ ولاتفاقية حقوق وحريات المهاجرين وأفراد أسرهم لسنة 1990، كما يوضح المحامي المغربي والخبير في القانون الدولي والهجرة، صبري الحو.

ويضيف: "بغض النظر عن الانتقادات الموجهة لاتفاق 2007، والتي جعلت المغرب لم ينشره أصلا، واشتكت اسبانيا مرارا من عدم تعاون السلطات المغربية لتنفيذه، فإن تأطير الترحيل بناء عليه طاوله أيضا خرق لمقتضيات هذا الاتفاق لأنه يتضمن شروطا دقيقة من قبيل تحديد هوية القاصر والتعرف على مكان إقامة والديه وإعلامهما وتقديم وثائق عن ذلك أثناء عمليات الترحيل، واحترام المصلحة الفضلى للطفل وتحت المراقبة القضائية".

وتبقى عودة هؤلاء القصر، وفق رئيس مرصد التواصل والهجرة، "قسرية"، موضحا أنه في الوقت الذي تنص فيه اتفاقية دبلن، والتي تؤطر كل ما له علاقة بالحماية الدولية في دول الاتحاد الأوروبي، على أن"المصلحة العليا" للطفل هي مبدأ أساسي في أوروبا، نجد أن مدريد " تتحايل على كل القوانين وتضرب بها عرض الحائط". ويردف قائلا: "من حيث المبدأ، لا تمكن إعادة القاصرين قسراً، وإعادتهم إلى بلدهم الأصلي تتحقق بشرطين أساسيين: موافقة القاصر، وأن يضمن القاضي، الذي يقرر، أن حمايته مكفولة في بلده الأصلي. مع الأسف، إسبانيا تخرق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1989".
الصورة
في انتظار خطر الترحيل

تقييم مراكز الاستقبال 

جاء ترحيل القصر المغاربة رغم حكم محكمة العدل الأوروبية بداية العام الجاري، بمنع ترحيل القاصرين غير المصحوبين، إلا في حال تأكدت السلطات من وجود أقارب أو مؤسسة مناسبة ترعاهم في بلدانهم الأصلية، وهو ما يثير التساؤلات حول جاهزية مراكز الاستقبال، إذ تنص الفقرة الثالثة من المادة 5 من اتفاق 2007 على ضرورة أن "تتعاون السلطات المختصة الإسبانية والمغربية من أجل وضع إطار للاستقبال مجهز بموارد مادية وبشرية مؤهلة، عمومية أو خاصة أو صادرة عن منظمات غير حكومية تعمل في مجال حماية وترحيل القاصرين". 

في حين تشير المادة 7 إلى أن الطرف الإسباني يمول عمليات حماية وعودة القاصرين، كما يساهم في تمويل مشترك للعمليات الوقائية، خاصة تلك التي تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق التي تعرف نسبة عالية للهجرة. 

وتشرف على تنفيذ الاتفاق من الجانب المغربي وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأُسرة، وبالنسبة إلى الجانب الإسباني وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، وبالفعل ساهمت إسبانيا في تمويل مركزين عام 2009 في كل من العروي بإقليم الناظور (شمال شرق المغرب) وبني ملال (وسط)، بقيمة 3.35 ملايين يورو كما دفعت الحكومة المغربية 540 ألف يورو، لكن منذ توقيع الاتفاق لم يتم تمويل إجراءات الوقاية مثل تقديم مساهمات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق التي تعرف نسبة عالية للهجرة، وكل ما نفذته إسبانيا يتعلق بالترحيل، كما يورد الخياري.  

وتعتبر محافظات بني ملال وخريبكة (وسط المغرب) والناظور وطنجة (شمال المغرب) في مقدمة المناطق التي تعرف ارتفاعا في نسبة المهاجرين نحو أوروبا، ويزيد الناشط الحقوقي أن "المنظمة الدولية للهجرة، التي أُشركت في المشروع، طالما أكدت أن لا علاقة للمركزين بالقصر المزمع ترحيلهم، فيما صرحت إسبانيا بعد إحداث المركزين بأن الهدف هو استقبالهم، وهو ما يعني أنها تسعى إلى ترحيل هذه الفئة ولو باستعمال وسائل تحايلية". 

لكن المحاولات الإسبانية تصطدم بتصميم الكثير من القصر على تكرار تجربة الهجرة، ومنهم أسامة والذي يقول: "والدي في حاجة إلى المال وأمي مريضة جدا. وأنا أكبر إخوتي وإذا لم أساعد عائلتي فلن يقوم أحد بالأمر. حتى لو تم ترحيلي سأكرر التجربة مرة ثانية وثالثة".