التحايل على شركات التأمين... تلاعب يسفر عن هدر مليارات في أميركا
التحايل على شركات التأمين... تلاعب يسفر عن هدر مليارات في أميركا
تحتل حوادث التحايل على شركات التأمين المركز الثاني لأكثر أشكال الجرائم تكلفة في أميركا، بقيمة 308 مليارات دولار، وتؤدي لزيادة الضرائب ورفع التضخم، إذ يستغل محامون وأطباء وحتى تجار سيارات ثغرات للتلاعب بالمنظومة.
- يشتري الأميركي من أصل باكستاني أرشد خان سيارات مستعملة بأسعار زهيدة من أصحابها، الذين ينحدرون غالباً من أصول مهاجرة، من أجل تفكيكها وبيع قطعها خارج أميركا، وغالباً ما يصرّ الزبائن على أن يفكك السيارات أمامهم داخل ورشته شمال ولاية فيرجينيا جنوبي البلاد، حتى يبلغوا شركة التأمين عن سرقتها من أجل تحصيل قيمتها السوقية والتي تكون في الغالب أعلى من القيمة الفعلية، خصوصاً إذا كانت فيها أية عيوب ميكانيكية أو ضربات قوية، بحسب ما تنص عليه بوليصة التأمين.
وتعد الحيلة السابقة واحدة من بين طرق أخرى تستهدف خداع شركات التأمين، بحسب ما يكشفه تقرير بعنوان (منع الاحتيال والسرقة) نشر على الموقع الإلكتروني للمكتب الوطني لجرائم التأمين (NICB - منظمة غير ربحية) والذي يؤكد أن الاحتيال في مجال التأمين هو ثاني أكثر أشكال الجرائم تكلفة في أميركا بعد التهرب الضريبي، كون 10% أو أكثر من مطالبات التأمين ضد حوادث الممتلكات تكون احتيالية.
ويكلف التحايل الشركات والمستهلكين 308.6 مليارات دولار سنوياً، ولا يتسبب بهدر المليارات سنوياً فحسب بل كذلك رفع أقساط التأمين بالنسبة للعملاء نتيجة خسائر الشركات، وزيادة الضرائب وتضخيم أسعار السلع الاستهلاكية، بحسب بيانات الرابطة الوطنية لمفوضي التأمين (تهدف لتنظيم قطاع التأمين وحماية المستهلكين)، والتي جرى تحديثها في 13 يونيو/حزيران 2023، بينما يقدر مكتب التحقيقات الفيدرالي أن الاحتيال يكلف الأسرة متوسطة عدد الأفراد (تضم 4 أو 5 أشخاص) بين 400 و700 دولار سنوياً بسبب زيادة قيمة أقساط التأمين ودفع شركات التأمين تعويضات أكبر.
أنواع التحايل الأكثر شيوعاً
يتصدر التأمين على الحياة أكثر الأنواع التي تشهد تحايلاً، إذ بلغت كلفة عمليات الخداع 74.7 مليار دولار، يليه تأمين ميديكير (برنامج فيدرالي) بـ 60 مليار دولار، بينما بلغ التحايل على التأمين على الممتلكات والتأمين ضد الحوادث 45 مليار دولار، أما الاحتيال عبر ادعاء سرقة السيارات المؤمن عليها فوصل إلى 7.4 مليارات دولار، والتحايل على التأمين الصحي 36.3 مليار دولار، وفي نوع تعويضات العمال 34 مليار دولار، وفقاً لتقرير عام 2021 الصادر عن الرابطة الوطنية لمفوضي التأمين.
%10 نسبة التحايل في مطالبات التأمين ضد حوادث الممتلكات
ويبين التقرير ذاته أن الاحتيال فئتان، أولاهما الاحتيال الشديد الذي يحدث عندما يقوم المؤمَن عليه بتدمير الممتلكات عمداً بقصد تحصيل تعويضات، كما هو الحال عند افتعال حادث بالسيارة كما يقول المهاجر جيمس أونوكا، والذي قال لـ"العربي الجديد"، مشترطاً تعريفه بهذا الاسم، إنه يتحايل على شركات التأمين عبر شراء سيارات أجرة (تاكسي) قطعت آلاف الكيلومترات، ما يجعل سعرها منخفضاً، ويغير طلاءها ويؤمن عليها تأميناً كاملاً، ثم يتفق مع شخص آخر لافتعال حادث داخل أي مرآب للسيارات، ثم يبلغا شركة التأمين الخاصة بهما، ويرسلا صوراً للمركبات المتضررة، وغالباً ما تقرر شركة التأمين أنه من الأفضل عدم إصلاح السيارة لارتفاع الكلفة، وتدفع قيمتها بدلاً من ذلك، وفقاً لأونوكا الذي يكرر الأمر كل عدة أشهر، مع الأخذ بعين الاعتبار تغيير شركة التأمين، ويبلغ معدل ما يحصل عليه من تعويضات 5 آلاف دولار في كل مرة.
ولا تتدخل الشرطة في مثل الواقعة السابقة لأنه في حال لم يخلف الحادث إصابات بشرية يمكن للطرفين التوافق على الاتصال بشركة التأمين الخاصة بكل منهما من أجل تقييم الأضرار وإصلاحها، كما يوضح الضابط إي بوسروف من شرطة فيرفاكس، مشيراً إلى أن قوى الأمن تسجل أقوال كل طرف فقط في حال عدم وقوع مخالفة وشركات التأمين تراجع الأمر وتتخذ إجراءاتها.
وتقع الفئة الثانية من الاحتيال الذي تصفه المنظمة بـ"الناعم"، وهو الأكثر شيوعاً، عندما يبالغ الشخص في مطالبة مشروعة، أو يكذب عن قصد لتعظيم التعويضات، وهو ما لاحظه الثلاثيني من أصل سوداني حاتم التوم، والذي أصيب بحادث دهس في إبريل/ نيسان 2022 أثناء توجهه إلى منزله في حي مونت فيرنون بولاية فيرجينا، إذ صدمته سيارة واندفع عدة مترات في الهواء قبل أن يسقط فاقداً للوعي، وأصيب بخلع في الكتف وكسور في عدة أضلاع، وجرى نقله إلى مستشفى فيرفاكس وأُسعف على حساب التأمين الصحي الذي يؤمنه عمله، ويغطي جميع تكاليف الحوادث وزياره قسم الطوارئ في أي مستشفى، لكن عندما زار التوم طبيباً للعظام من أجل متابعة حالته أخبره بأمر غريب مفاده أن "الحادث الذي وقع له جيد من الناحية المادية وأنه سوف يحصل على تعويض كبير إن استعان بمحامٍ متخصص في قضايا تعويضات حوادث السيارات، وطلب منه أن يجري فحوصات وصور أشعة ثم يرسل جميع الفواتير الطبية إلى المحامي الذي سيتكفل بتحصيل التعويض مرشحاً له أحدهم".
ويوضح المحامي ديك بولز الذي يعمل في مكتبه بمقاطعة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، الآلية التي يتبعها محامون بمساعدة أطباء للتحايل على شركات التأمين قائلاً: "إن المهم بالنسبة للمحامي هو رفع قيمة الفواتير الطبية والتي تحدد قيمتها ومقدار أتعاب المحامي مبلغ التعويض النهائي عن الألم والمعاناة جراء الحادث، بالتالي يطلب الطبيب العديد من الفحوصات والأشعة باهظة الثمن ويرسل المريض إلى العلاج الطبيعي لفترات طويلة ثم يحصل على تقرير طبي لتسوية دعوى التعويض أو مساعدته في المحكمة إذا ما دعت الضرورة".
8 مليارات دولار تعويضات لسيارات مسروقة
يتزايد عدد السيارات المبلغ عن سرقتها في أميركا سنوياً، إذ بلغ مليون سيارة عام 2022 حصل أصحابها على 8.9 مليارات دولار، وتصدرت ولايتا كاليفورنيا وتكساس البلاد، وفقاً للبيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للمكتب الوطني لجرائم التأمين (NICB) والذي لفت إلى أن هذه هي المرة الأولى الذي يتخطى العدد فيها حاجز المليون منذ عام 2008، بزيادة مقدارها 7% عن عام 2021 الذي بلغ فيه عدد السيارات المسروقة 937 ألفاً، في حين كانت 888 ألف سيارة في عام 2020.
ونُقلت معظم هذه السيارات إلى بلدان مثل المكسيك وغواتيمالا، أو تم تفكيكها وإرسالها إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط والدول الأفريقية أو الصين، كما يشرح لـ"العربي الجديد" الأميركي من أصول مصرية وليد رمضان، والذي يعمل في تصدير قطع غيار السيارات المستعملة إلى القاهرة، ما عدا المحركات التي تشترط الحكومة المصرية مستندات ملكيتها، إذ يستأجر ورشة في واشنطن ويصل إلى من يريد بيع سيارته عبر إعلانات يضعها على أعمدة الإنارة، موضحاً أنه يشتري ما يقارب من 30 سيارة شهرياً بمبلغ لا يتعدى 500 دولار في مقابل الواحدة، وحينها يمكن للملاك إبلاغ شركات التأمين باختفاء سيارتهم من أجل تحصيل قيمة التأمين.
ثغرات تسهل التحايل
توضح وكيلة التأمين مارجا مونتويا، الأميركية من أصل مكسيكي، والتي تدير مكتباً لخدمات التأمين في مدينة روكفل في ولاية ميرلاند، أن التأمين على السيارات نوعان، الأول شامل يغطي قيمة السيارة في حال ضياعها أو تعرضها لحادث، وهناك التأمين الذي يغطي إصابات الركاب في حدود معينة، أو تأمين فقط ضد الغير مع وجود تأمين طبي يغطي أي إصابات قد تحدث للركاب، مشيرة إلى أن رصدت تأمين عملاء على السيارات المستعملة منخفضة القيمة تأميناً شاملاً، إذ يشترون سيارات تعرضت لحوادث مختلفة وبعد فترة وجيزة من إصدار بوليصة التأمين يتصلون بها للإبلاغ عن ضربات بالسيارة من شخص مجهول، وبالتالي عليها وفقا للقانون أن ترفع تقريراً إلى شركة التأمين المعنية لصرف كلفة التصليح، أو قيمة السيارة للمؤمن عليه إذا كان سعر السيارة أقل من تكلفة الصيانة، وتقول مونتويا "يوجد خلل في طريقة التأمين على السيارات، إذ لا يتم تقييم حالة السيارة بدقة من قبل شركات التأمين قبل إصدار البوليصة ولا تعرف الشركة إن كانت السيارة سليمة أم لا قبل التأمين عليها، كما أن طريقة تقييم تكاليف إصلاح السيارة تتم عن طريق إحضار تقرير من مركز مختص ويمكن أن يقوم العملاء بإحضار تقرير من الوكيل الخاص بنوع سياراتهم وهو الأعلى قيمة وإرساله إلى شركة التأمين التي تقوم بدفع القيمة للمؤمن عليه أو التفاوض في حال كانت غير متناسبة مع سعر السوق لسيارة مستعملة، مؤكدة أن العديد من العملاء اعتادوا هذا الأسلوب ويكررونه كل عدة أشهر".
ويمنح وضاح إبراهيم (اسم مستعار بناء على طلبه) والذي يدير مركزاً لصيانة السيارات في حي شمال شرقي العاصمة، زبائنه العرب تقارير بكلفة صيانة يطلبونها حتى يقدموها إلى شركات التأمين، إذ يضيف أضراراً أو ضربات حوادث في جوانب السيارة عند الأبواب أو حتى أن الهيكل القاعدي (شاسيه) للسيارة فيه اعوجاج ويرسل صورا إلى شركة التأمين، ما يدفعها إلى اللجوء للخيار الثاني وهو دفع القيمة السوقية للسيارة طالما أن كلفة الصيانة ستكون أكبر، وفي حال اختارت الصيانة فإنها ترسل الكلفة إلى مركز الصيانة ويقتسم المبلغ مع المؤمن عليه وتصلح السيارة بأقل قيمة ممكنة، ويذكر إبراهيم واحدة من قصص زبائنه، إذ أحضر له شاب مصري سيارته من موديل BMW والتي تعرضت لحادث بسيط من الخلف، بينما أدرج في التقرير الذي سيقدمه لشركة التأمين بأن السيارة تحتاج إلى تغير الصدام وغطاء صندوق السيارة بتكلفة إجمالية تتعدى 12000 دولار، ووافقت شركة التأمين عليها وأرسلت المبلغ إليه واقتسمه مع صاحب السيارة الذي لم يقم بأي صيانة لأن الأضرار بسيطة جداً ويمكن إصلاحها.
