عادت مليشيا الدعم السريع إلى تجنيد الأطفال بوتيرة متسارعة للزج بهم في أتون حربها مع الجيش السوداني، عبر استغلال عادات قبلية في حاضنتها الشعبية بدارفور، بعدما تراجعت الظاهرة التي ترافقت مع تأسيسها عام 2003.
- تهيمن مشاعر الخوف على الشابة السودانية أم كلثوم محمد، كما طلبت تعريفها لمخاوف أمنية، منذ مغادرة أخيها الأصغر (15 عاما) للانضمام إلى مليشيا الدعم السريع، في يونيو/حزيران 2023، خاصة أنها لا تعرف مصيره حتى الآن، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة بغضب: "جارنا شيخ القبيلة في مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور أقنع والدي بأن طفله فارس عليه المشاركة مع شقيقه في القتال مع قوات الدعم السريع".
وتعمل مليشيا الدعم السريع على تجنيد أطفال دارفور للقتال معها ضد القوات المسلحة السودانية باستغلال عادة "الفزعة" (الإغاثة والنجدة)، وتنتشر بين القبائل السودانية، حسب ما يوضحه الدكتور عبد القادر عبد الله، أمين عام المجلس القومي لرعاية الطفولة (حكومي)، قائلا إن التحشيد لمناصرة مليشيا الدعم السريع زاد من وتيرة تجنيد الأطفال، ويضيف لـ"العربي الجديد" أنه جرى توثيق حالة 200 طفل جندتهم مليشيا الدعم السريع في الخرطوم منذ حربها على الجيش في منتصف إبريل/ نيسان 2023.
وتكشف صور ومقاطع مصورة تنتشر على مواقع التواصل مشاركة أطفال في القتال ضمن صفوف الدعم السريع، وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر حساب المليشيا على موقع "إكس" (تويتر سابقا). لكن نزار سيد أحمد، المسؤول الإعلامي في الدعم السريع، ينفي تجنيد الأطفال، ولدى مواجهة معدة التحقيق له بالفيديوهات المنشورة في حساب مليشيا الدعم السريع على "إكس"، أحالها إلى الدكتور حسيب يونثام حماد كوكو، رئيس وحدة حقوق الإنسان وحماية الطفل بقوات الدعم السريع، والذي تواصلت معه في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لمواجهته بالأمر لكنه لم يرد، وعقب التواصل معه مرة ثانية في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لم يرد كذلك.
أطفال في أتون الحرب
بدأت قوات الدعم السريع في تجنيد الأطفال منذ عام 2003، وقتما كانت تسمى بـ"الجنجويد"، وهو ما يستمر حتى اليوم، إذ تستغل عادات قبلية في ولايات دارفور الخمس وولاية جنوب كردفان، وفق ما رصده الدكتور عبدالله. ويتراوح عدد الأطفال المجندين في صفوف قوات الدعم السريع ما بين 8 و10 آلاف طفل، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد" ضابطان في الاستخبارات العسكرية السودانية (رفضا ذكر اسميهما لكونهما غير مخولين بالحديث مع الإعلام).
جندت قوات الدعم السريع 200 طفل في الخرطوم
ووثق المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام (منظمة حقوقية غير حكومية تنشط في السودان) "حوادث تجنيد 20 طفلاً من قبل قوات الدعم السريع في جنوب دارفور"، بالإضافة إلى إطلاق "القوات المسلحة السودانية سراح 30 طفلاً مجنداً وسلمتهم للجنة الدولية للصليب الأحمر في 15 سبتمبر/ أيلول 2023".
وبمتابعة خط سير نقل الأطفال عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر من مدينة ود مدني وسط السودان إلى معسكر تابع لوزارة التنمية الاجتماعية في منطقة ود شريفي جنوب ولاية كسلا، قابلت معدة التحقيق أربعة أطفال هناك، منهم محمد نواي (17 عاما) من مدينة أبو جبيهة بولاية جنوب كردفان، وأواب عبد الله (17 عاما) من ولاية غرب كردفان، أنكروا أنهم مقاتلون في صفوف مليشيا الدعم السريع.
وبالعودة إلى المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر عدنان حزام، لمعرفة ما إذا قاتل هؤلاء الأطفال مع مليشيا الدعم السريع، قال لـ"العربي الجديد": "عندما استلمنا هؤلاء القصّر أُجريت معهم لقاءات في قسم الحماية باللجنة، لكن أي حوار دار معهم يظل ثنائيا ولا تناقشه اللجنة مع أي طرف ثالث. فقط تناقشه وتشاركه مع طرفي الصراع بالسودان حفاظا على كرامة هؤلاء الأطفال".
لكن "الأطباء في معسكر ود شريفي وجدوا آثار حمل السلاح على أكتاف الأطفال لدى فحصهم سريريا"، حسب الدكتور عبدالله، قائلا: "الأطفال اعترفوا بأنهم عملوا كجنود مع مليشيا الدعم السريع، وتم القبض عليهم كأسرى أثناء مشاركتهم في معارك بمدينتي أم درمان والخرطوم بحري"، ويردف: "كل هذه أدلة على أنهم كانوا مجندين لدى مليشيا الدعم السريع".
من جانبه، نفى أحمد تبعية الأطفال لقوات الدعم السريع، قائلا لـ"العربي الجديد": "هؤلاء الأطفال يتبعون لخلاوي الشيخ محمد مصطفى عبدالقادر في غرب مدينة أم درمان". لكن الشيخ عبد القادر إمام وخطيب مجمع الرشاد الإسلامي، نفى أن يكون أحد طلابه قد تم أسره من قبل الجيش السوداني، ويقول لـ"العربي الجديد": "هذا حديث عار عن الصحة ولا أساس له، لأن أصغر طلاب الخلوة عمره 20 عاماً".
ويعلق المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، العميد ركن نبيل عبد الله، على نفي مليشيا الدعم السريع تبعية الأطفال لها، قائلا: "غير صحيح إطلاقاً. وما مصلحتنا في ذلك"؟ ويضيف لـ"العربي الجديد": "تم القبض على الأطفال أثناء مباشرتهم القتال بين صفوف المتمردين، وغالبا يتم تلقينهم إنكار أنهم مقاتلون".
تزوير وثائق ثبوتية لتجنيد أطفال
كشفت زيارات للمجلس القومي للطفولة ومنظمة اليونيسف لمعسكرات تدريب تابعة للدعم السريع بولايات شمال وجنوب ووسط دارفور وجنوب كردفان في 2019، عن ثلاثين حالة تزوير للوثائق الثبوتية لأطفال جنود تضمنت أعماراً أكبر مقارنة بملامحهم التي تكشف صغر سنهم، وفق تأكيد الدكتورة أميرة أزهري، أمينة أمانة الحماية بالمجلس القومي لرعاية الطفولة.
وجرى التأكد من ذلك عبر فحص شهادات الميلاد وجوازات السفر لبعض أفراد قوة معينة في أحد معسكرات التجنيد، حسبما تقول الدكتورة أزهري لـ"العربي الجديد"، مؤكدة على وجود حالات تزوير في شهادات ميلاد عليها تزوير في شهادة القيد والتي تعرف بالرقم الوطني للمجندين في قوات الدعم السريع وساعد في ذلك وجودهم في مناطق، مثل ولاية دارفور، التي لا يوجد بها أطباء مختصون في إدارات تسجيل المواليد التابعة للجهاز القومي للإحصاء الموجودة في الولايات لتقدير عمر المتقدمين للتجنيد، واعتبرته تحديا ومشكلة ما زالت قائمة.
مليشيا الدعم السريع متورطة في تزوير أوراق ثبوتية لأطفال مجندين
وينفي العميد السابق في الشرطة، الدكتور عصام الدين عباس أحمد، والذي تقلد عدة مناصب في السجل المدني منذ عام 2005 حتى 2021، آخرها مدير دائرة التقانة والمعلومات، وجود تلاعب في وثائق الأرقام الوطنية، بقوله: "بحكم قربي الشديد من السجل المدني لا أعتقد أنه يوجد تهاون في منح الرقم الوطني لأي شخص إلا من خلال تقديم مستندات مزورة، مثل شهادة الميلاد (تزوير في تاريخ الميلاد يسري في كل المستندات)، أو تهاون من ضابط وهذه حالات محدودة"، مضيفا لـ"العربي الجديد": "في حال حدث تهاون من ضابط ما، فإن حالاته محدودة"، ويتابع: "طورنا نظام تحقق إلكترونياً في السجل المدني يمكننا من كشف أي حالة تلاعب، وحقيقة كان معظم مديري السجل المدني حاسمين جدا وصارمين في إنزال أقصى عقوبة على شرطي يتضح أنه وراء التلاعب في البيانات".
إلا أن إسماعيل تيراب عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر (حكومية)، يؤكد قيام قوات الدعم السريع بتزوير الأوراق الثبوتية للأطفال، مستغلين عدم وجود آليات لتحديد العمر بالسودان، ويقول لـ"العربي الجديد": "عند مواجهة الدعم السريع بأنهم يجندون أطفالاً، يتذرعون بأن أوراقهم الثبوتية تؤكد أنهم فوق الثامنة عشرة، وهذا غير صحيح".
مخالفة القوانين والاتفاقيات الدولية
"يقصد بالطفل الجندي الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، والذي يعين أو يقبل أو يُفرض عليه الانضمام لأي قوة عسكرية أو شبه عسكرية سواء كانت منظمة أو غير منظمة"، وفق قانون الطفل لسنة 2010، الذي يحظر في البند الأول من المادة 43 تجنيد أو تعيين أو استخدام الأطفال في القوات المسلحة أو في جماعات مسلحة أو استخدامهم للمشاركة في الأعمال الحربية.
وينص البند الأول من المادة الرابعة من البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، على أنه "لا يجوز أن تقوم المجموعات المسلحة المتميزة عن القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية".
ووفقا للفقرة الثالثة من المادة 27 من الدستور الانتقالي للسودان لعام 2005، فإن "كل الحقوق والحريات المضمنة في الاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان المصادق عليها من قبل جمهورية السودان تُعتبر جزءا لا يتجزأ من هذه الوثيقة". لكن "مليشيات الدعم السريع تضرب بالقوانين والاتفاقيات عرض الحائط"، كما يقول العميد ركن نبيل عبدالله، مضيفا أن التزامها بالقوانين كان ظاهرياً فقط.
وهو ما يتطابق مع شهادة النازح عمر عبد الرحمن، الذي شاهد خلال رحلته بصحبة آخرين على متن باص من الخرطوم إلى الولاية الشمالية في نهاية يوليو/تموز الماضي، أطفالا مجندين في إحدى نقاط الارتكاز التابعة لقوات الدعم السريع، وسمع أحدهم يتحدث مع قائده من أجل قتل أحد النازحين، ويعلق عبد الرحمن أحد سكان حي الكلاكلة القبة جنوب غرب الخرطوم على ذلك بالقول: "لم أر في حياتي أطفالا بكل هذا التعطش للدماء. أثاروا الرعب في نفوس المسافرين، ولولا عناية الله وتدخل ضباط أكبر سناً بتلك النقطة لكانت تمت تصفيتنا جميعاً".
توافقه الستينية السودانية آمال الماحي، التي شاهدت أطفالا مجندين في نقاط الارتكاز التابعة للدعم السريع خلال مغادرتها الخرطوم إلى ولاية نهر النيل شمال السودان في بداية مايو/ أيار الماضي، قائلة لـ"العربي الجديد": "سلاحهم أطول منهم". وتضيف: "أنا مدرسة وأكاد أجزم أن ثلاثة من جنود الدعم السريع الذين صعدوا الباص للتفتيش ما زالوا في مرحلة التعليم الأساسي".
قتلى من الأطفال في صفوف الدعم السريع
"تستهدف قوات الدعم السريع الأطفال من الأسر الفقيرة التي تعيش في ضواحي الخرطوم، وكذلك من القبائل العربية في دارفور وغرب كردفان"، وفق رسالة مكتوبة وجهتها المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بمسألة الاتجار بالأشخاص، سيوبان مولالي في 12 أكتوبر الماضي للسلطات السودانية بشأن مزاعم الاتجار بالأطفال لأغراض التجنيد، مؤكدة على "سقوط 600 ضحية من الأطفال في القتال الذي دار في الخرطوم في أغسطس/آب الماضي، والذين تم تجنيدهم من قبل قوات الدعم السريع واستخدامهم في أدوار قتالية من قبلها".
وتلعب الأسباب الثقافية والاجتماعية المحيطة بالطفل، دورا في ذلك أيضا، حسب الدكتورة إخلاص عباس، مديرة إدارة الإرشاد النفسي بالمؤسسات التعليمية في وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم، والتي تقول لـ"العربي الجديد":" يستخدم الأطفال في قيادة العربات القتالية دون مراعاة لحالتهم النفسية التي تزيد سوءا بهذا التصرف وتؤثر سلبا على نفسية الطفل".
"وتترتب على الأطفال المجندين، آثار نفسية واجتماعية، مثل الخوف وعدم الاحساس بالأمان والقلق والاكتئاب والتهور والسرعة في اتخاذ القرار والنشاط الزائد والإحباط وعدم تقدير الذات وعدم التكيف الاجتماعي، إضافة إلى الجنوح لارتكاب الجرائم كالسرقة وإدمان التدخين وتعاطي المخدرات وصعوبة النوم وضعف الذاكرة والشعور بالغضب والانعزال عن المجتمع وقد يصل إلى مرحلة الانتحار أو ارتكاب الانتهاكات الجسيمة والقتل وتشويه الأعضاء والعنف الجنسي"، حسب الدكتورة عباس.
وعلاوة على توريط هؤلاء الأطفال في الدم، لا يعلم الأهالي مصيرهم منذ مغادرتهم القتال مع قوات الدعم السريع، كما تقول أم كلثوم محمد، مضيفة: "منذ مغادرة أخي للقتال مع الدعم السريع لم يخبرنا أحد عنه، ولا ندري إن كان حيا أم ميتا".