أن يستعيد شخص أعمى النور ليس بالأمر السهل. هذه هي الحال مع مسرحية زياد الرحباني "بالنسبة لبكرا شو؟" التي دخلت دور السينما بعد 38 عاماً على تقديم العرض المسرحي في بيروت. طيلة تلك العقود، كان العمل يدور سمعياً على أشرطة مسجلة وثم اسطوانات مدمجة. المستمعون عميان يستمعون إلى التسجيلات ويتابعون الأحداث، فيكوّنون صوراً في مخيّلاتهم عن هيئات الممثلين وتفاعلاتهم على المسرح. فهم الأحداث لم يكن بالأمر الصعب على اعتبار أنّ للعميان حاسة سمعية جبّارة. الاستماع المتكرر يسهّل عملية الفهم حتى بات كثيرون يحفظون الحوارات ويردّدون جزءاً منها في الحياة اليومية كتعبير عن استهزاء أو شماتة أو كضروب “منغلة” على اقلّ تقدير.
أتى العرض المصوّر ليكشف معظم تفاصيل العمل المسرحي. مفاجأت في الأشكال والأدوار والتركيبة على خشبة المسرح، ولو جاءت كل هذه التفاصيل بشكل رديء. زكريا فعلاً يقف كـ"مومياء" “بلا روح” وراء البار كما كان يردّد “موسيو أنطوان”، والأخير مدير سيئ واستغلالي إلى أقصى الدرجات تماماً مثل ما أوحت لنا التسجيلات السمعية. صوت ثريا يسانده شكلها الخارجي الخارق فتجتذب المشاهدين وروّاد المطعم على حد سواء. أستاذ أسامة، المثقف والشاعر، حاضر بشاله الذي يتحوّل إلى زنّار للرقص حيناً وأداة لمسكه من رقبته حين يتهرّب من تسديد فاتورته. و"معلّم أنور" السكرجي، سمج أيضاً في شكله وثقله. ورامز المزارع يدخل إلى المدينة في محاولة لفهمها واستيعابها بكل البراءة الريفية.
لا داعي لأن يكون المشاهد ناقداً سينمائياً أو متابعاً شرهاً وشرساً للسينما والأفلام ليقول أنّ لا شيء تقنياً ناجحاً يمرّ على شاشة العرض. لا شيء، يعني لا شيء، من الصورة ونوعيتها وعمليات المونتاج الانتحارية وصولاً إلى الحوارات الصوتية غير المفهومة التي دفعت المنتجين إلى ترجمتها من العربي إلى العربي ليتمكّن البعض من متابعتها. شكل المسرحية المصوّرة يدعو إلى غثيان معنوي نتيجة الرداءة والعجز التقني عن معالجة الشوائب، وإلى غثيان فعلي لأي شخص يعاني في الأساس من عوارض مشابهة أياً كانت الأسباب.
لكن كل هذا النقد أيضاً لا يعني شيئاً. فالعمل ليس فيلماً في الأساس ولم يصوّر ليتم عرضه على شاشة عملاقة. الشريط المصوّر وثيقة ثقافية وتاريخية ومعنوية كانت بحاجة إلى هذا الكمّ من العمل التقني ليتم ترميمها كشهادة فعلية على واقع عام، بدءاً من الفن والمسرح ووصولاً إلى الواقع الفعلي المعاش سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وانسانياً. على هذا الأساس يجب التعامل مع العمل المصور، حتى لو جاء التوثيق على يد منتج يبغى الربح أولاً. فالتوثيق وسيلة نفتقدها ونفتقد قيمتها في مجتمعنا، وإلا لما كانت كل هذه النكبات والمآسي والجرائم العامة لتُعاش وتتكرّر من مجتمع إلى آخر ومن مدينة لأخرى، بين المحيط والخليج، دون رادع. فهل يُعقل أن يجمع كل اللبنانيين الذين يعرفون “بالنسبة لبكرا شو؟” على التهليل والتباهي بكون السؤال لا يزال هو نفسه يتكرّر إلى اليوم بعد ما يقارب أربعة عقود على طرحه؟ لا يكمن التفسير في عبقرية الرحباني وحدها، بل في ما تمتلكه هذه المجتمعات من صفات العميان.
اقرأ أيضاً: "بالنسبة لبكرا شو"... تتحوّل لفيلم
أتى العرض المصوّر ليكشف معظم تفاصيل العمل المسرحي. مفاجأت في الأشكال والأدوار والتركيبة على خشبة المسرح، ولو جاءت كل هذه التفاصيل بشكل رديء. زكريا فعلاً يقف كـ"مومياء" “بلا روح” وراء البار كما كان يردّد “موسيو أنطوان”، والأخير مدير سيئ واستغلالي إلى أقصى الدرجات تماماً مثل ما أوحت لنا التسجيلات السمعية. صوت ثريا يسانده شكلها الخارجي الخارق فتجتذب المشاهدين وروّاد المطعم على حد سواء. أستاذ أسامة، المثقف والشاعر، حاضر بشاله الذي يتحوّل إلى زنّار للرقص حيناً وأداة لمسكه من رقبته حين يتهرّب من تسديد فاتورته. و"معلّم أنور" السكرجي، سمج أيضاً في شكله وثقله. ورامز المزارع يدخل إلى المدينة في محاولة لفهمها واستيعابها بكل البراءة الريفية.
لا داعي لأن يكون المشاهد ناقداً سينمائياً أو متابعاً شرهاً وشرساً للسينما والأفلام ليقول أنّ لا شيء تقنياً ناجحاً يمرّ على شاشة العرض. لا شيء، يعني لا شيء، من الصورة ونوعيتها وعمليات المونتاج الانتحارية وصولاً إلى الحوارات الصوتية غير المفهومة التي دفعت المنتجين إلى ترجمتها من العربي إلى العربي ليتمكّن البعض من متابعتها. شكل المسرحية المصوّرة يدعو إلى غثيان معنوي نتيجة الرداءة والعجز التقني عن معالجة الشوائب، وإلى غثيان فعلي لأي شخص يعاني في الأساس من عوارض مشابهة أياً كانت الأسباب.
لكن كل هذا النقد أيضاً لا يعني شيئاً. فالعمل ليس فيلماً في الأساس ولم يصوّر ليتم عرضه على شاشة عملاقة. الشريط المصوّر وثيقة ثقافية وتاريخية ومعنوية كانت بحاجة إلى هذا الكمّ من العمل التقني ليتم ترميمها كشهادة فعلية على واقع عام، بدءاً من الفن والمسرح ووصولاً إلى الواقع الفعلي المعاش سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وانسانياً. على هذا الأساس يجب التعامل مع العمل المصور، حتى لو جاء التوثيق على يد منتج يبغى الربح أولاً. فالتوثيق وسيلة نفتقدها ونفتقد قيمتها في مجتمعنا، وإلا لما كانت كل هذه النكبات والمآسي والجرائم العامة لتُعاش وتتكرّر من مجتمع إلى آخر ومن مدينة لأخرى، بين المحيط والخليج، دون رادع. فهل يُعقل أن يجمع كل اللبنانيين الذين يعرفون “بالنسبة لبكرا شو؟” على التهليل والتباهي بكون السؤال لا يزال هو نفسه يتكرّر إلى اليوم بعد ما يقارب أربعة عقود على طرحه؟ لا يكمن التفسير في عبقرية الرحباني وحدها، بل في ما تمتلكه هذه المجتمعات من صفات العميان.
اقرأ أيضاً: "بالنسبة لبكرا شو"... تتحوّل لفيلم