ذكريات وطرائف: عائدون من الوطن إلى الغربة

ذكريات وطرائف: عائدون من الوطن إلى الغربة

03 ديسمبر 2014
السياح في أهرام مصر (Getty)
+ الخط -
لا يعود المغتربون من إجازاتهم في أوطانهم الأولى أو مقاصدهم السياحية بهدايا ولحظات طالما افتقدوها في غربتهم، بل يحملون معهم تذكارات أخرى قد لا يمكن تجسيدها في صورة أو تذكار مادي يُلمس بالأيدي، لكنّه بالتأكيد يلمس القلوب.

أصرّ عمران (43 عاماً) على أن يصحب أولاده خلال إجازتهم إلى منتجع جبلي في موطنه، المغرب، ليتمتعوا بالهواء النقيّ والحياة الريفية والمأكولات الصحية، لكنه تلقى صدمة كبيرة حين رأى كيف انحسرت المساحات الخضراء في محيط المنتجع، حتى المناخ في تلك المنطقة لم يعد كما كان قبل عقود، حين كان عمران طفلاً، وهو يقول بأسى: "نصدم فجأة بأننا في غربتنا توقّفنا عن العدّ، ولم تعد الأرقام على حقيقتها، السنوات المتعاقبة لا تساهم في تصحّر الأرض فقط بل حتى ذاكرتنا، حين نأتي إلى بلدنا الأمّ ليرى أطفالنا ما تغنينا به أمامهم يندهشون، نعود وحدنا بالخيبة، أما الأجيال الصغيرة فتجد سبيلها لتستمتع بالإجازة، وهذا تعويض لنا كأهل". لكن رحلة عمران لم تخلُ من طرائف، فقد لاقاه رجل بحفاوة وأصرّ على اصطحابه إلى منزله وتناول الشاي المغربي التقليدي، ثم اتضح أنه أخطأ فيه، وأنه يشبه صديقاً له، ولكنّ هذا لم يمنع الرجلين من تناول الشاي معاً.

أمضت منى (27 عاماً) إجازة سعيدة بين أهلها في لبنان، لكنّها لم تخلُ من مفارقات. ففي خلال تنقّلاتها داخل العاصمة بيروت توقّفت عند إشارة المرور التي كانت حمراء، لكن كانت الجهة المقابلة خالية من السيارات. وقد استغربت حين لاحظت أنّ السيّارات التي خلفها تطلق أبواقها بانفعال، طالبة من منى أن تمشي رغم الضوء الأحمر... لكنّها انتظرت الإشارة، في حين أنّ السائق الذي خلفها تخطّاها وهو يشير إليها بيده مؤنّباً، كما لو أنّها ارتكبت خطأ باحترام إشارة السير! "اعتدتُ على احترام إشارات السير في غربتي الأوروبية، يوجد شارع في السويد يخلو من أيّ إشارة، ولكن لا تحدث فيه أي حادثة أو تجاوز أخلاقي"، تقول منى.
موقف آخر لن تنساه منى هو حين انقطع التيّار الكهربائي عن البيت بعد وصولهم بساعة إليه. إذ انفجرت ابنتها، البالغة من العمر 3 سنوات، بالبكاء. فقد شعرت الطفلة بذعر كبير حين حلّ الظلام فجأة، وهذا أمر لم تعتَد عليه، حيث ولدت وعاشت سنواتها الثلاث.

الكهرباء بطلة إجازة كريمة (31 عاماً) أيضاً. فحين وصلت مع أسرتها إلى القاهرة ومعهم 12 حقيبة، كانت الكهرباء مقطوعة، وكان عليها هي وزوجها نقل الحقائب إلى الطابق الخامس. كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل. ومن الصعب طلب المساعدة من الجيران، لكنّ الأزمة الأكبر كانت في شرح الأمر للأطفال، كان صعباً عليهم التأقلم مع انقطاع الكهرباء، حتّى إنّ ابنها علّق ببراءة: "هيّ الكهربا ماتت يا ماما؟".

المضحك المبكي أنّ أطفال كريمة لم يتأقلموا مع بلادهم الأمّ كما تقول، وكانوا يتذمّرون من عدم توفّر الخدمات، ويطالبون بالعودة إلى قطر كلّ يوم، تحديداً حين تنقطع الكهرباء أو الماء وحين يكون الإنترنت ضعيفاً.

أمضى زياد (36 سنة) إجازة قصيرة في عمّان، العاصمة الأردنية، وكان عنوان مفارقاته هو "التاكسيات" كما يسمّيها؛ إذ وجد صعوبة كبيرة في التنقّل، لم يكن سهلاً إيجاد سيّارة أجرة (تاكسي). معظم السائقين يفضّلون نقل السائحين الأجانب: "الذي شكله أردني أو فلسطيني ما بيلاقي تاكسي بهالبلد"، يقول زياد. كذلك عانى مع شركات تأجير السيارات؛ إذ كان من الصعب إيجاد سيارة للإيجار، وإذا توفّرت تكون كلفتها خيالية، السائح يرصد ميزانية خاصة لهذه الأمور، تسبب هذا الغلاء على ابن البلد، وعلى المغترب الذي يكابد لتوفير بعض من "ثمن الغربة" لأجل شراء منزل أو مشروع للمستقبل في بلده الأمّ.


طرفة أخرى حدثت مع زياد وأسرته، وكانت في استراحة "وسط البلد"، يرويها زياد كالتالي: "كنت وأسرتي نتناول المثلّجات وأتت عائلة يابانية تبحث عن طاولة، لكن لم يكن ثمة طاولة متوفرة، فقمت بدعوة اليابانيين إلى طاولتي وتبادلت عائلتانا الأحاديث باللغة الإنجليزية، وكانت طفلتي ذات السنوات الأربع تهمس لي بما تريد قوله للضيوف، فأقوم بالترجمة إلى الإنجليزية والعكس... ثمّ في ختام الجلسة، وقع شجار بين ربّ الأسرة الياباني والنادل، فانطلق الأوّل مشاجراً بالعربية، واتضح أنّه يتقن العربية بطلاقة، ولكن يبدو أنّ عليه أن يتشاجر وينفعل حتّى يتذكّر أنّه يتكلّم العربية، لمت الرجل لأنه تركني أترجم كلام ابنتي ولم يساعدني بما أنه يفهم العربية إلى هذا الحدّ".

تميّزت عودة نجيب (25 عاماً) وزوجته من إجازتهما في تونس إلى باريس بحادثة طريفة، هي إصرار زوجته على إخفاء قوارير زيت زيتون محلي بين الملابس والهدايا. لكنّ إدارة المطار رفضت تحميلها في الطائرة، فوزّعت الزوجة القوارير كهدايا على عمّال المطار، الذين كرّروا الدعوات لها بالصحّة وطول العمر. ورغم أنّها كانت حزينة لفقدان الزيت، إلا أنّها عوّضت نفسها بما سمعته من أدعية صادقة، فمازحها زوجها: "للأسف لا يمكنك استعمال هذه الأدعية في السَّلطة والبريك بدل الزيت".

لا شيء أيضاً عوّض أمل، السورية الجنسية، حرمانها من زيارة بلدها للعام الثالث على التوالي. لكنّها اختارت تركيا للترفيه عن أطفالها. وفي طريق عودة أمل وأسرتها إلى بلد إقامتهم في دولة خليجية، قام موظّف مطار اسطنبول بعمل فريد، إذ نزع أغطية قوارير الماء والعصير البلاستيكية ووضعها في سلّة كبيرة فيها عشرات الأغطية الشبيهة. وحين سألت أمل عن السبب أخبرها عن مبادرة خيرية لاستبدال كلّ طنّ من هذه القوارير بكرسي متحرّك لذوي الاحتياجات الخاصّة. فسعدت أمل بالمبادرة، لكن كان عليها وأولادها أن يشربوا ما في القوارير المفتوحة قبل الصعود إلى الطائرة، وفي خلال مدّة الرحلة أمضوا الوقت في التناوب على "تواليت" الطائرة، فكانت تأخذ طفلاً وحين تعود تصحب الآخر، حتى علّقت ساخرة: "سأحتاج أنا إلى كرسي متحرك!".

دلالات

المساهمون