أفلام مصريّة تعود إلى صالات لندن بعد طول غياب

أفلام مصريّة تعود إلى صالات لندن بعد طول غياب

22 سبتمبر 2014
ملصق فيلم "صنع في مصر" لأحمد حلمي
+ الخط -
التطرّق إلى الفيلم العربي يأخذنا لا محالة إلى السينما المصريّة تلقائياً، إذ أنّها الرائدة عربياً. وأفلامها راسخة في ذكريات غالبية الأجيال العربية، منذ انطلاقها، الذي رافق انطلاق السينما العالمية في ديسمبر/كانون الأول 1895، في العاصمة الفرنسية باريس.

فقد عُرِضَ بعدها بأقل من شهر أوّل فيلم سينمائي في مصر داخل مقهى "زواني" بمدينة الإسكندرية في يناير/كانون الثاني 1896. لكنّ المؤرّخين يختلفون حول تاريخ بدايات السينما المصريّة، ويعيدها البعض منهم إلى 20 يونيو/حزيران 1907، مع تصوير أوّل فيلم تسجيلي صامت قصير.

واستقطبت السينما المصرية اهتمام العالم العربي، كما لفتت أفلامها اهتمام أوروبا، فدُبلجت أفلامها، خلال الخمسينيّات والستينيّات، إلى اللغة الفرنسية والإيطالية والألمانية. وعُرضت على محطّات تلفزة أوروبية، خصوصاً أفلام فاتن حمامة وعمر الشريف وليلى مراد. ويُعتَبَر فيلم "أرض النيل" أوّل فيلم مصري يُصوَّر بالنسختين الإنكليزية والفرنسية.

أمّا لندن، التي سجّل لها التاريخ أحداثاً مهمّة مع المصريين، وأبرزها وفاة سندريلا الشّاشة العربية سعاد حسني بوقوعها من إحدى شققها، فلم تبخل باستقبال مبنى السينما المصرية المتواضع على أراضيها في شارع "إدجوارد روود"، الذي أدارته عائلة النحّاس لسنوات مديدة. وعُرضت في صالاته حياة المصريين بأفراحهم وأتراحهم وتقاليدهم، من خلال الأفلام جسّدت واقع المواطن المصري. بيد أنّها تحوّلت منذ مدّة إلى مقهى ومطعم "شيشاوي"، وتركت الباب مفتوحاً على تساؤلات عن السبب الحقيقي وراء اندثارها.

أطالت السينما المصرية الغياب عن صالات لندن، غير أنّها فرضت ذاتها من جديد وبصورة مختلفة، ولّدتها جرأة ما بعد الثورة الأخيرة والأحداث التي مرّت بها البلاد والطائفية التي خيّمت ولا تزال تخيّم على المنطقة.

أطلّت علينا من جديد، ورسمت ابتسامة على وجوهنا مع الممثل أحمد حلمي بدور بطولة مع ياسمين رئيس، عبر شاشات سينما "الأوديون"، وذلك من خلال الفيلم الكوميدي "صُنِعَ في مصر"، من إخراج عمرو سلامة.

تدور أحداث الفيلم حول شاب (أحمد حلمي) يمتلك محل ألعاب، ويمثّل دور الإنسان المستهتر، الذي يتأرجح مادياً، كبقية شباب العالم العربي، ممّن تُغتصب أحلامهم في مهدها. ويُظهِر الشاب لا مبالاة أو إحباط من كلّ ما يدور حوله، باستثناء اهتمامه بالفتاة (ياسمين رئيس) التي تعمل في محل مقابل لمكان عمله.  

بيد أنّها ترى فيه مثال الإنسان الفاشل ولا تكثرث بمغازلاته. وفي ما بعد، تُغرم به، من دون أن تدرك أنّه الجسد دون الروح، إذ تُعجب بشخصية دبدوب تتقمّص في جسد الشاب، بعد أن تتحقّق أمنية أخته الصغرى، الشغوفة بالمسرح والمفعمة بالأمل في زمن حُرم حتّى أطفاله من براءة الفرحة. الأخت التي أفلتت من يد اليأس.

يلجأ الكاتب إلى الخرافات والسّحر، التي باتت تراود مخيّلة غالبية الشباب، للتخلّص من هموم الحياة. ويتطرّق الفيلم إلى حكم وأمثلة شعبية مألوفة، تحثّ الإنسان على العمل، ولم يبقَ لها أي قيمة في وقتنا الحاضر. بل أصبحت محط سخرية، مثل: "مَن جدّ وَجَدَ، ومَن زَرَعَ حَصَدَ".

بأسلوب ساخر وطريف، يلفت الكاتب إلى قدرة الإنسان على التقدّم والتطوّر لو أراد ذلك، حتّى لو كان غريباً عن عالم البشر وبريئاً لا يميّز شرّهم من خيرهم. كما يشير إلى صعوبة التعايش معهم، إذ يتمنّى الدبدوب أن يعود دمية، جرّاء ما يواجهه من أسى وصدمات كهربائية في مستشفى المجانين، حيث يتحوّل العاقل إلى مجنون.

لا يخفى على أحد مكانة الفيلم المصري العالمية، وحضوره الدائم في أهمّ المهرجانات الدولية، ولذلك يتهيّأ فيلم "ديكور" للمخرج أحمد عبد الله السيد، إلى العرض العالمي الأوّل في مهرجان لندن السينمائي، بدورته الـ58، التابع لمعهد السينما البريطاني. وسيُفتَتَح في الثامن من أكتوبر/تشرين الأوّل، ولغاية 19 منه. وهو يصنّف من ضمن أهم المهرجانات الأوروبية.

أيضاً تدور أحداث الفيلم حول خلق عوالم خيالية، ما يُظهر مجدّداً الرغبة في الهروب من الواقع. وقرّر فريق عمل "ديكور" أن يكون عرض الفيلم الأوّل في مهرجان لندن، على أن يُمثِّل مصر في المسابقة الرسمية ويُعرَض في 12 و13 أكتوبر/تشرين الأوّل في دور سينما بلندن.

أمّا فيلم "لا مؤاخذة"، الجريء، للمخرج عمرو سلامة، فيشارك أيضاً في المهرجان. وتتمحور الفكرة حول نبذ المختلف في عالمنا العربي، الذي لا يزال يعاني من مرض العنصرية والطائفية. إذ يضطرّ طالب مسيحي إلى إنكار ديانته خوفاً من الاضطهاد، بعد وفاة والده وعجز والدته عن دفع أقساط المدرسة الخاصّة. ما يجبرها على نقل ابنها إلى مدرسة حكومية.

يتميّز الفيلم بمحاكاته الواقع وتناول قضية الدين، التي تكاد تكون من المحرّمات في مصر. وقد تعرّض المخرج إلى انتقادات لاذعة واتُّهِمَ بإثارة الطائفية، إلاّ أنّ الفيلم لَقِيَ رواجاً وإقبالاً جماهيرياً لدى إصداره في يناير/كانون الثاني 2014.

ويُنظّم مهرجان لندن السينمائي سنوياً منذ العام 1953، ويُعرض خلاله ما يفوق 300 فيلماً من حول العالم. ويقدّم المهرجان إلى العامّة في لندن فرصة مشاهدة أفلام قد لا تُعرَض على شاشات السينما في لندن. ومن يدري ربّما تفوز السينما المصرية بجائزة المهرجان!

المساهمون