أساسيات ومقاصد التعليم الإلكتروني

15 ابريل 2015
التوجّه نحو برامج التعليم عن بُعد (فرانس برس)
+ الخط -
يعرف العالم ثورة تكنولوجية واسعة لها أثر بالغ على جميع نواحي الحياة، وعلى رأسها التعليم الذي أصبح مُطالباً بتجديد أساليبه ومقدّراته، وتحديث نماذجه لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة والتنافس الاقتصادي، وكذلك تطوير مناهجه بما يساهم في بناء إنسان الغد القادر على التعامل مع الكم المعلوماتي الهائل وتوظيف المعارف عبر اتخاذ القرارات الفعالة.

نسق معرفي جديد
على هذا الأساس، ظهر التعليم الإلكتروني كنسقٍ معرفي جديد متكامل الأركان يصب في خدمة العلم والمعرفة عبر نموذج تعليمي حديث من حيث المحتوى والمستوى، وذلك عبر تقديم وسائط متعددة في نقل المعارف وصقل المهارات التعليمية معتمدة على الوسائل التكنولوجية، كالحاسوب، الإنترنت، الأقمار الاصطناعية، الأقراص المدمجة ومؤتمرات الفيديو.

يدخل التعليم الإلكتروني في إطار منظومة شاملة ترتبط ببناء مجتمع معرفي يسعى إلى توظيف العلم لاتخاذ كافة القرارات وتحقيق الغايات عبر تعزيز الابتكار والإنتاج، ويحسن تطوير كفاءات الفاعل البشري في سبيل التنمية الإنسانية الشاملة.

إنه المجتمع الذي يشحذ القوة ويملك كل المقومات لمواجهة العقبات الناجمة عن الإرث التاريخي والواقع الجغرافي. بالإضافة إلى ذلك، يعمل مجتمع المعرفة على تعزيز الديناميكية الاقتصادية، حيث إن المؤسسات البحثية، المعاهد الفكرية والأقطاب التكنولوجية، تستخدم المعلومة كأساس لإقامة نظام للابتكار الوطني وسياسة تكنولوجية تنافسية، ما جعل المنتجات والخدمات المعرفية تتجاوز نسبة 80% من الناتج الداخلي الخام العالمي وتخلق ثلثي فرص العمل في كل أنحاء المعمور. وبالتالي، تؤهل المعرفة القدرات البشرية وتمكّن الإنسان من التحكّم في زمام التطوير والرخاء. وفي النطاق ذاته، يرتبط مجتمع المعرفة بالثقافة في ما يخص إطلاق العنان للمواهب الإبداعية والاهتمام بالعامل التكنولوجي لنشر الوعي وصناعة الفكر، كي يسود العلم في المجتمع ويصبح مرجعاً في التكوين الشعبي مهما تفاوتت الطبقات الاجتماعية.

وبناءً على ما تقدم، فالتعليم الإلكتروني هو سبيل جديد لإيصال المعارف وخدمة المجتمع بالتثقيف والتوعية، ونجد أن هناك نوعين من التعليم الإلكتروني، الأول مباشر يستند إلى تقنيات التعلّم على الإنترنت لإلقاء الدروس وتبادل الخبرات والمعارف وكذلك نشر الأبحاث، مستغلاً فرصة التفاعل التي يمنحها الإنترنت لإقامة محاكاة فعلية ودراسة حالات واقعية، بينما الثاني هو التعليم الإلكتروني المعتمد على الحاسوب، ويظل هذا النوع تقليدياً مقارنة بنظيره الأول، حيث يستعمل تقنيات الفيديو والأقراص المدمجة لإيصال الدروس.

تنمية الاعتماد على النفس
على هذا النحو، تتجلّى أنشطة التعليم الإلكتروني في أشكال متعددة تغذي قيم المرونة والاعتماد على النفس، كالفصول الافتراضية، الندوات التعليمية، التعليم الذاتي، المواقع التعليمية الرقمية، وكذلك التعليم المرفّه في شكل برامج وثائقية للثقافة العامة والتواصل بين الحضارات. وبذلك، يمنح التعليم الإلكتروني إيجابيات كثيرة تتمثّل في توطيد جسور التواصل والتعاون بين طلبة من مختلف الجنسيات، إتاحة الفرصة للطلاب لكي يعبّروا عن آرائهم ومناقشة أفكارهم من خلال المنتديات الرقمية وغرف الحوار الإلكترونية، تسهيل العملية التدريسية عبر التغلّب على المسافات الجغرافية لحضور الدروس، بما يسهّل العملية التعليمية على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ملاءمة أساليب التعليم عبر مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب، وكذلك توفير المناهج والدروس حسب الوقت الذي يناسب الطالب.

وتختلف أساليب التعليم الإلكتروني بين تعليم عن بُعد يسعى إلى تقريب المسافات بين المدرّس والمتعلّم، تعليم ممزوج فيه دمج استراتيجيات التعلّم المباشر في الفصول التقليدية مع أدوات التعليم الإلكتروني عبر الإنترنت، تعليم متنقل عبر الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية، تعليم تزامني بين المدرّس والمتلقي من خلال الفصول الافتراضية والمحادثات الفورية، وآخر غير تزامني عبر أدوات متعددة كالمنتديات التعليمية، شبكات التواصل الاجتماعي، المدونات الرقمية، الموسوعات الخاصة والبريد الالكتروني.

وصفوة القول، لقد صار التعليم الإلكتروني ركيزة هامة في تقوية مجتمع المعرفة المنشود الذي يضمن مواصلة الركب الحضاري وإنجاز الغايات الثقافية والاقتصادية للأوطان. ولا بد من الإشارة إلى أن مصير الأمم من حيث وجودها أو اندثارها، رهن بدعم اللبنات الأساسية لمجتمع المعرفة، كالتعليم الإلكتروني وغيره لمواجهة التحديات الاقتصادية والعراقيل الاجتماعية.

(باحث وأكاديمي مغربي)

إقرأ أيضا: سياحة التقشف.. حين يختار الأجانب الاستمتاع بأقل تكلفة
المساهمون