سيناء تتذكر آلامها في متابعة العدوان على غزة

سيناء تتذكر آلامها في متابعة العدوان على غزة

14 نوفمبر 2018
القصف دمر عدداً من الأبنية (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يتابع سكان محافظة شمال سيناء المصرية، عن كثب التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، إذ تربطهم علاقة وجدانية بجيرانهم الفلسطينيين، عدا عن علاقات القرابة والنسب التي تربط عائلات كثيرة في سيناء بأخرى فلسطينية. كذلك تذكرهم مشاهد القصف الإسرائيلي والدمار الذي طاول منازل المواطنين في غزة بما حصل لممتلكاتهم في سيناء لكن على يد الجيش المصري.
ولأهالي سيناء مواقف لا تنسى تجاه أشقائهم الفلسطينيين خلال أكثر من عدوان إسرائيلي على غزة خلال العقد الماضي، إلا أن سيناء في هذه المرة لم تتمكن من الوقوف إلى جانب غزة بسبب ترحيل الجيش المصري لسكان مدينة رفح بشكل كامل، بعد تجريف منازلهم ومزارعهم، بحجة إنشاء منطقة عازلة، وصلت لمسافة أكثر من أربعة كيلومترات على الحدود بين مصر وقطاع غزة. واليوم بات أهالي سيناء يتابعون الأحداث عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة التلفاز، بدلاً من مشاهدة الأحداث بشكل مباشر من فوق أسطح المنازل الملاصقة للحدود مع غزة.



يقول زهدي أبو النور، وهو من سكان مدينة رفح سابقاً قبل ترحيلهم قسرياً لمدينة بئر العبد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قلوبنا مع أهلنا في غزة. في كل حرب بين غزة وإسرائيل كنا نتابع الأحداث كل لحظة من فوق البيت، ونعمل اللي نقدر عليه من إرسال أدوية وأطعمة، اليوم ما بنقدر ندعمهم إلا بالدعاء". ويلفت إلى أن مشاهد قصف المنازل من قبل طيران الاحتلال الإسرائيلي أعادتهم بالذاكرة إلى تدمير منازلهم من قبل الجيش المصري أمام أعينهم دون قدرتهم على فعل شيء، لاستخدام الجيش القوة العسكرية في إجبار المواطنين على ترك منازلهم.

وفي مفارقة عجيبة وفي أتون القصف الإسرائيلي على مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، كانت الانفجارات تدوي في مدينة رفح المصرية على أثر حملة عسكرية واسعة يشنها الجيش المصري على مناطق دوار التنك وحي القراشين وشارع السطل تخللها إطلاق كثيف لقذائف المدفعية المصرية، حتى أن الأصوات اختلطت على السكان الفلسطينيين ووسائل الإعلام الفلسطينية التي أشارت إلى أن الانفجارات في الجانب المصري من الحدود، ليمثل هذا الواقع شاهداً على تشابه الوضع الأمني في كلا الجانبين من الحدود.

بدوره، يقول يوسف حسين، أحد سكان مدينة العريش: "إن المصريين يعتبرون أن لا فرق بين الدم الفلسطيني والمصري، فما يؤلم الفلسطينيين يؤلمنا كمصريين، والعكس صحيح. نحن في سيناء نعرف من هم الفلسطينيون أكثر من غيرنا، ونعرف من هم أهل غزة أيضاً، فالعلاقة التي تربطنا بهم تسمح لنا بهذه الثقة في الحديث عن العلاقة بيننا". وبالنسبة إليه فإنه لا يمكن لهذه العلاقة أن تتراجع مهما حاولت بعض الأطراف، بإحداث شرخ في العلاقة بين الفلسطينيين والمصريين، والذي لن يخدم أحد سوى الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لتخلي العرب وفي مقدمتهم المصريين عن أشقائهم الفلسطينيين الذين يعانون من الحصار والعدوان منذ عقود، دون أي تحرك عربي أو إسلامي.
يشار إلى أن سكان مدينة رفح المصرية لطالما دعموا صمود الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال المساعدة في وصول المواد التموينية والأدوية والأطباء من مصر لقطاع غزة، خصوصاً في فترات العدوان الإسرائيلي على غزة، وكذلك على طول فترة الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عام 2006، في مقابل أن الفلسطينيين ردوا هذا الجميل في فترة حصار الجيش المصري لمدينة رفح خلال العامين الماضيين، من خلال إدخال المواد التموينية للمواطنين المصريين، عبر بعض الأنفاق المهجورة على الحدود المصرية الفلسطينية والتي كانت تستخدم خلال فترة الحصار الإسرائيلي لإدخال البضائع والأدوية.
ويروي الدكتور يوسف، وهو أحد أطباء مدينة العريش، في حديث مع "العربي الجديد"، كيف أنه شارك في إسعاف المواطنين الفلسطينيين المصابين في عدوان عام 2012، بعد وصوله إلى مستشفيات قطاع غزة، ومشاركته المباشرة في إسعاف المواطنين، فيما تابع بعض الحالات بعد وصولها إلى مستشفى العريش العام. ويضيف: "كانت لدي رغبة جامحة في خدمة أهلنا في غزة، من خلال دعم الطواقم الطبية هناك. ذهبت فور سماعي بخبر العدوان على غزة، أسعفت عشرات المواطنين وشاركت في عمليات جراحية للمصابين في أكثر من مستشفى بغزة". ويشير إلى أنه على استعداد للانتقال فوراً وبرفقته مجموعة من الأطباء من أجل المشاركة في مداواة الجرحى الفلسطينيين، في حال تطلب الأمر وتصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة خلال الأيام المقبلة، وكذلك على استعداد لاستقبال الجرحى في مستشفى العريش، أو إرسال الأدوية لغزة، قائلاً: "هؤلاء أهلنا وأبناؤنا لا فرق بين المصري والفلسطيني، ومهما حاول الإعلام المصري التفريق بيننا، خصوصا في ملف سيناء، إلا أننا نعرف الحقيقة، ونعرف من هم أهل غزة، علاقتنا بهم ممتدة منذ عقود".
يشار إلى أنه خلال عدوان عام 2012 سمح الرئيس المصري محمد مرسي بإدخال الوفود الطبية وقوافل الأدوية والمواد التموينية عبر معبر رفح الذي كان يعمل بشكل دائم على مدار اليوم، كما أرسلت الوفود السياسية برئاسة رئيس الوزراء المصري هشام قنديل آنذاك، بينما كان عدوان إسرائيل على غزة صيف عام 2014 كاشفاً لاختلاف الواقع السياسي في مصر، وهو ما انعكس على العلاقة مع غزة، وهذا ما يظهر جليا اليوم في العدوان الجديد، إذ لم تكلف مصر نفسها بإرسال أي وفد طبي أو سياسي لمتابعة التصعيد، أو حتى قوافل دعم للفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
وفي التعقيب على ذلك، يقول رئيس اتحاد قبائل سيناء، الشيخ إبراهيم المنيعي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن أكثر العرب انتباهاً لما يحدث في غزة هم أهالي سيناء، يشعرون بما يحصل لهم بصورة حقيقية، ويعرفون حجم الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي، فهم أيضا عاشوا الظلم الإسرائيلي مسبقاً خلال فترة الاحتلال، ولا يزالون تحت ظلم الجيش المصري، ويتعرضون لأشكال التدمير والعدوان الذي يتعرض له الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي ولكن على يد الجيش المصري، فيما يأملون أن ينتهى مسلسل العدوان عليهم وعلى أشقائهم الفلسطينيين في أقرب فرصة.
ويرى المنيعي أن العدوان على غزة يمثل عدواناً على سيناء، فالأمن القومي المصري مرتبط بغزة بشكل مباشر، وكذلك تأثيراته ممتدة، هذا من الناحية السياسية، ومن الناحية الاجتماعية أيضاً يشعر المواطن في سيناء أن القصف الذي يستهدف أشقاءه الفلسطينيين يستهدفه هو أيضاً، ويتأثر بمشاهد التدمير والشهداء بصورة لافتة. وهذا ما يظهر على الواقع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، إذ يشترك أبناء سيناء بصفحات فلسطينية من غزة لمتابعة الأحداث، وكذلك الصفحات المختصة بالشؤون السيناوية تنشر أخبار الأحداث في قطاع غزة بصورة مباشرة، وبأدق التفاصيل.
يشار إلى أن مناطق سيناء القريبة من الأراضي الفلسطينية باتت مناطق أشباح بعد تجريف الجيش المصري لآلاف المنازل والدونمات الزراعية، بعدما شن الجيش المصري حملات عسكرية على مدار الأعوام الخمسة الماضية التي تبعت الانقلاب العسكري عام 2013. وقلل هذا الأمر من إمكانية دعم المصريين في سيناء لأشقائهم في قطاع غزة، بسبب اعتبار المناطق المتاخمة للقطاع مناطق عسكرية مغلقة تحظر الحركة فيها بشكل كامل.

المساهمون