التصور الأميركي لمعالجة أوضاع غزة: دور أساسي للسيسي

11 مارس 2018
يتخوف الاحتلال من انعكاسات تدهور الأوضاع في غزة عليه(Getty)
+ الخط -


كشف المقال الذي نشره يوم الجمعة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بعض أنماط الحراك الأميركي المصري الإسرائيلي الذي يتواصل من وراء الكواليس لبحث سبل التعاطي مع قطاع غزة، وسط كل المؤشرات التي تدل على أن هذه المنطقة مقبلة على انفجار كبير في ظل عدم التحرك لوقف الكارثة الإنسانية الناجمة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية بفعل الحصار المفروض على القطاع منذ 11 عاماً.

وبحسب ما كشفه غرينبلات، فإن "جلسات عصف ذهني" ستُعقد في البيت الأبيض الأسبوع المقبل لمناقشة أفكار بشأن معالجة الأوضاع في غزة، إلى جانب إشارته إلى أنه شارك في القاهرة خلال الأسبوع الماضي في لقاءات مع جهات، لم يسمها، لمناقشة القضية نفسها. وعلى الرغم من أن أحداً ليس بوسعه، على وجه اليقين، تحديد مخرجات الجلسات التي سيحتضنها البيت الأبيض، فان كل المؤشرات تدل على أن الحماسة الأميركية للاهتمام بالأوضاع في غزة ترتبط بشكل أساسي بالمخاوف الإسرائيلية من انعكاسات الأوضاع الاقتصادية المتدهورة على "الأمن القومي الإسرائيلي". فمعظم المستويات الأمنية والسياسية في تل أبيب تنطلق من افتراض مفاده أن تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية في القطاع، سيفضي إلى توفير بيئة تسمح باندلاع مواجهة عسكرية مع حركة "حماس" ليس لإسرائيل مصلحة فيها، لا سيما في ظل وجود حالة من انعدام اليقين بشأن الأوضاع على الجبهة الشمالية لإسرائيل.

إضافة إلى ذلك، واستناداً إلى التسريبات التي نُشرت أخيراً بشأن التصورات الأميركية للتعاطي مع قطاع غزة، يتبيّن أن واشنطن ترى أن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يجب أن يؤدي دوراً رئيسياً في الجهود الهادفة لمنع انفجار مواجهة بين إسرائيل وغزة. وبحسب التسريبات، فإن إحداث تحوّل على الأوضاع الاقتصادية في القطاع بما يخدم المصالح الإسرائيلية، يتطلب بناء ميناء ومطار لخدمة قطاع غزة في مدينة العريش المصرية.


ويعود التوجّه لبناء مرافق البنى التحتية التي يفترض أن تخفف من وطأة الأوضاع المعيشية في قطاع غزة على الأراضي المصرية، إلى الخلاف الإسرائيلي الداخلي بشأن فكرة بناء ميناء ومطار في غزة نفسها. فعلى الرغم من أن جميع الوزراء الأعضاء في المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر لشؤون الأمن، باستثناء وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، يؤيدون المشروع الذي قدّمه وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس، والذي يدعو لتدشين مطار وميناء في غزة، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يبدو غير مستعد لتمرير أي قرار بشأن غزة يمكن أن يؤثر على استقرار حكومته، لا سيما في ظل الاتهامات التي توجّه له بالتورط في قضايا فساد خطيرة.

من جهة ثانية، لا يمكن استبعاد أن ينسجم الحرص الأميركي على تدشين البنى التحتية الرئيسية التي يُفترض أن تخدم الغزيين داخل منطقة شمال سيناء، مع الحديث عن دور هذه المنطقة في الأفكار الأميركية التي تُطرح لحل الصراع في "صفقة القرن"، لا سيما تلك المتعلقة بضم هذه المنطقة إلى قطاع غزة بهدف تدشين دولة فلسطينية عليها. وعلى الرغم من مؤشرات فتور الحماس الأميركي إزاء "صفقة القرن" بسبب الرفض الفلسطيني لها، إلا أن الأميركيين قد يرون في تدشين بنى تحتية يمكن أن تخدم هذه الدولة مقدّمة لتنفيذ هذه الأفكار، في حال أفضت تحولات مستقبلية إلى توفير بيئة تسمح بتطبيقها. في الوقت ذاته، فإن الحماس الأميركي لتدشين البنى التحتية المهمة في شمال سيناء، قد يكون مرتبطاً بالتحوط لإمكانية فشل جهود واشنطن في تحقيق تسوية للصراع، بسبب رفض الفرقاء في الساحة الفلسطينية للأفكار الأميركية.

وقد يهدف تدشين البنى التحتية في شمال سيناء إلى توفير ظروف تسمح بظهور كيان سياسي فلسطيني في قطاع غزة، يمكن التعامل معه كدولة تستفيد من هذه البنى. فمثل هذا السيناريو يضمن تحقيق هدف إسرائيل الاستراتيجي المتمثل في تكريس الفصل السياسي بين القطاع والضفة الغربية، التي تضم خارطة المصالح الاستراتيجية الرئيسية لإسرائيل.
وقد تفترض واشنطن وتل أبيب ونظام السيسي أن حركة "حماس"، المعنية بوضع حد للأوضاع الاقتصادية والمعيشية الخانقة في غزة، يمكن أن تتعاون بشكل غير مباشر في تطبيق هذا السيناريو من خلال إحياء التفاهمات التي توصلت إليها مع القيادي المفصول عن حركة "فتح" محمد دحلان. وقد يعمل الأميركيون والإسرائيليون والمصريون لأن يؤدي دحلان دوراً رئيسياً في إدارة الكيان الجديد بالتعاون غير المباشر مع "حماس".