"وحدة سورية مهددة"... اعتراف أميركي يفضح الفشل

31 يوليو 2016
برينان غير متفائل بشأن مستقبل سورية (صامويل كروم/الأناضول)
+ الخط -
ما كان يدور في أروقة السياسة الدولية، وداخل الغرف المغلقة سراً عن تقسيم سورية بعد سنوات من الحرب المفتوحة التي شنّها النظام على السوريين المطالبين بإسقاطه، بات علناً، ويُعبّر عنه مسؤولون أميركيون كبار. فقد قال رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جون برينان، أمس الأول الجمعة، إنه "غير متفائل بشأن مستقبل وحدة سورية"، مضيفاً في منتدى أسبين الأمني السنوي: "لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سورية موحدة مرة أخرى"، مردفاً: "سورية أكثر قضية واجهتني في مسيرتي تعقيداً، لأن هناك الكثير من العوامل الداخلية والخارجية والكثير من الأهداف المتضاربة مع بعضها".
وكان مسؤولون أميركيون ألمحوا خلال العامين الأخيرين إلى أن سورية باتت معرّضة للتقسيم، إلا أن تصريحات برينان تُعدّ بحسب وكالة "رويترز"، اعترافاً علنياً نادراً من قِبل مسؤول أميركي كبير، بأن سورية ربما لا تبقى على وضعها الحالي بعد الحرب التي بدأها نظام بشار الأسد على السوريين في منتصف مارس/آذار 2011، الذي شهد ولادة ثورة غير مسبوقة في تاريخ سورية المعاصر.
ويرى أغلب المراقبين للشأن السوري أن البلاد التي تبلغ مساحتها نحو 185 ألف كيلومتر مربع، باتت مقسمة على أرض الواقع بين العديد من القوى، بحيث بات النظام لا يسيطر فعلياً إلا على ربعها، فيما يسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مساحات كبيرة، خصوصاً في شرق البلاد الغني بالبترول، كما تسيطر الوحدات الكردية على أجزاء في شمال وشمال شرقي البلاد، وتعمل جاهدة على اقتطاع الشريط الحدودي مع تركيا لإنشاء دولة كردية. كما يسيطر حزب الله ومليشيات طائفية متعددة الجنسيات مدعومة من إيران، على مناطق في سورية، خصوصاً في دمشق وريفها، وفي شمال البلاد، حيث يفرض حزب الله سيطرة كاملة على منطقة القصير غرب حمص، ومساحات من منطقة القلمون الفاصلة بين حمص والعاصمة دمشق، إضافة إلى أنه يتقاسم السيطرة مع مليشيات عراقية على منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، وعلى بلدتي نبل والزهراء شمال حلب، وقريتي كفريا والفوعة بالقرب من مدينة إدلب شمال غرب سورية، وله نفوذ كبير داخل مدينة دمشق، خصوصاً في أحيائها القديمة.
فيما تفرض المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على مساحات من الجغرافية السورية في الوسط والجنوب والشمال الغربي، لكنها خسرت منذ بدء التدخّل الروسي أواخر شهر سبتمبر/أيلول الماضي العديد من المناطق التي كانت تحت سيطرتها خصوصاً في الساحل السوري، وفي ريف حلب الشمالي.


وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حذر أوائل الشهر الحالي، من أن الأوضاع في سورية تتجه نحو محوها من الخريطة والتاريخ، بسبب الحرب المستمرة فيها منذ نحو ستة أعوام، مضيفاً: "من غير الممكن غض الطرف عن إزالة بلد مثل سورية له تاريخه وموقعه".
وتوقف سوريون عند تصريحات برينان، مؤكدين أنهم مؤمنون بوحدة بلادهم، وأنهم لم يخرجوا بثورة قُتل خلالها مئات الآلاف وشُرد الملايين كي يعرضوا بلادهم للتقسيم، والتشظي خدمة لمشروعات غربية تسعى نحو تفتيت الشرق الأوسط برمته. وفي هذا الصدد، يقول السفير السوري السابق في بيلاروسيا المنشق عن النظام فاروق طه، إن "المسؤولين الأميركيين يتحفوننا من فترة لأخرى بتصريحات لئيمة من هذا القبيل، وهي تصريحات مثبطة، وتحاول تغطية التخلي الأميركي لهذه الإدارة السخيفة". ويضيف طه في حديث مع "العربي الجديد": "ها همُ يخسرون (الأميركيون) المواقع، والحلفاء الواحد تلو الآخر، تركيا مثالاً، وكذلك السعودية والخليج". ويعرب طه عن قناعته بأن الشعب السوري "مؤمن بوحدة ترابه وكيانه، وسيبقى وفياً لهذا المبدأ مهما تعاظم التآمر عليه"، معتبراً أن "مصيبة الأميركيين أن قوتهم، وإن كانت لا تزال المهيمنة، عارية من الحكمة، ولا يكتنفها وازع أخلاقي، أو أدنى حد من ضمير".

ورفضت مصادر في الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، التعليق على تصريحات برينان، مكتفية بالإشارة إلى أن "التصريحات الصادرة عن مسؤولين في الإدارة الأميركية حول القضية السورية متناقضة، وفي كل يوم هناك تصريح يخالف ما سبقه".
ومنذ انطلاق الثورة السورية واتّباع نظام الأسد لسياسة "الفتك" بالسوريين، صدرت عن الإدارة الأميركية العديد من التصريحات المتناقضة التي لم تؤدِ دوراً في ردع النظام، أبرزها تصريح الرئيس الأميركي باراك أوباما الشهير الذي صدر بعد أشهر من انطلاق الثورة ودعا فيه الأسد إلى التنحي، لتكتفي الإدارة الأميركية بـ"الفرجة"، وإصدار تصريحات تدين ما يقوم به النظام من مجازر. كما عقدت صفقة مع الروس في عام 2013، سلّم بموجبها نظام الأسد ما لديه من ترسانة أسلحة كيماوية إثر ارتكابه مجزرة أودت بحياة آلاف المدنيين، أغلبهم من الأطفال في ريف دمشق.

المساهمون