كولومبيا: معركة بين اليمين واليسار بالدورة الثانية لانتخابات الرئاسة

28 مايو 2018
كولومبيا بين اليمين واليسار... من ينتصر؟ (لويس أكوستا/فرانس برس)
+ الخط -
ستكون الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة في كولومبيا، بمثابة معركة سياسية، بين مرشح اليمين المتشدد المعارض لاتفاق السلام مع متمردي "فارك"، والذي تصدّر نتائج الدورة الأولى، أمس الأحد، ومرشح اليسار "المعادي" لمؤسسات النظام.

وتقدّم إيفان دوكي (41 عاماً) الحديث على السياسة، بفارق ضئيل على غوستافو بيترو (58 عاماً) رئيس بلدية بوغوتا اليساري السابق، والمنفصل عن الأحزاب التقليدية، في بلد خارج من نزاع مسلح، استمر أكثر من نصف قرن، وحكمه اليمين على الدوام.

ويخوض المرشحان، في 17 يونيو/حزيران المقبل، مواجهة غير مسبوقة في كولومبيا، حيث كان اليسار الذي يشكّل أقلية، يعاني، حتى الآن، من صراع الفصائل المسلحة الدموي على السلطة.

وفي هذا المشهد الجديد، لم ينجح إيفان دوكي، في تكرار نجاح مرشده في السياسة الرئيس السابق ألفارو أوريبي (2002-2010) الذي اُنتخب مرتين منذ الدورة الأولى.

وحصل مرشح اليمين على 39.11% من الأصوات في الدورة الأولى، فيما حصل المتمرد السابق في حركة "إم 19" التي تم حلّها على 25.1%، وبلغت نسبة المشاركة 53% من الناخبين.

وقال بيترو، أول مرشح يساري يصل إلى هذه المرحلة المتقدمة من السباق الرئاسي، "يمكنكم أن تثقوا بأنّنا سنفوز، وبأنّ تاريخ كولومبيا يمكن تغييره". ورأى بيترو، متحدّثاً إلى أنصاره الذين سيطر عليهم الفرح بعد إعلان النتائج، "الآن نعم، التعددية يمكن أن تكون أحد محاور الديمقراطية".

إيفان دوكي مرشح اليمين تصدّر النتائج (غابرييل أبونت/getty) 


مستقبل اتفاق السلام

أما دوكي فقال، في كلمة، إنّه يريد أن يكون "الرئيس الذي يوحّد البلاد"، داعياً إلى قيام "كولومبيا يقترن فيها السلام بالعدالة". وأكد مرة جديدة عزمه على مراجعة اتفاق السلام الموقّع مع "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) بدون الدعوة إلى "تمزيقه"، معتبراً أنّه شديد التساهل حيال المتمردين السابقين الذين أعفاهم من السجن في حال الإقرار بجرائمهم.

وستحدّد هذه الانتخابات الرئاسية التي يحاول فيها اليمين استعادة الرئاسة، مستقبل اتفاق السلام الموقّع عام 2016 مع أقوى حركة تمرّد في الأميركتين، والذي استقطب مجتمعاً عاش أطول حرب أهلية دامية في القارة.

وقال المحلل أندريس ماثياس من جامعة "إكسترنادو"، لوكالة "فرانس برس"، إنّ الدورة الأولى "تظهر الأهمية التي لا يزال يتمتع بها تيار أوريبي". ورأى أنّ "الاستقطاب سيكون واضحاً في الدورة الثانية"، معتبراً أنّه "من الصعب معرفة أين ستصب أصوات" المرشحين الآخرين، وخصوصاً الوسطي سيرجيو فاخاردو الذي حلّ ثالثاً بحصوله على 23.76% من الأصوات.

غوستافو بيترو مرشح اليسار حلّ ثانياً (راؤول أربوليدا/فرانس برس) 


وكان الرئيس المنتهية ولايته خوان مانويل سانتوس (66 عاماً)، قد أعرب، خلال النهار، عن ارتياحه لهذه "الانتخابات الأكثر أماناً" منذ عقود، والتي دعي حوالى 36 مليون ناخب للمشاركة فيها. وقد أعلنت الهيئة الانتخابية أنّ عملية الاقتراع جرت بصورة "طبيعية تماماً".

وأشار سانتوس إلى أنّ عدد المراقبين الأجانب للانتخابات، وصل لأكثر من 300 مراقب. ولم يعد بوسع الرئيس الآتي من يمين الوسط الترشّح، بعد ولايتين رئاسيتين متتاليتين منذ 2010، وبعدما عمد في عهده إلى إحلال السلام، ولو أنّه لا يزال هشاً بسبب التأخير في تطبيق الاتفاق، إلا أنّ ترسيخ هذا السلام سيتوقف على الرئيس المقبل.

الوسطي سيرجيو فاخاردو حل ثالثاً (ديانا سانشيز/فرانس برس) 


وإضافة إلى مراجعة الاتفاق مع "فارك"، وعد دوكي بالقضاء على المخدرات، واستئصال الفساد، وإنعاش رابع اقتصاد في أميركا اللاتينية الذي سجّل تباطؤاً في النمو إلى 1.8%. ويندّد مرشح اليمين المتشدد بفنزويلا المجاورة التي تعاني أزمة اقتصادية خانقة قادتها إلى الإفلاس.

وينتقد كذلك المحامي والخبير الاقتصادي الذي يمثّل ائتلافاً يقوده "المركز الديمقراطي" بزعامة ألفارو أوريبي، الشخصية المثيرة للجدل رغم شعبيتها، المحادثات التي بدأت مع "جيش التحرير الوطني"، آخر حركة تمرّد في البلاد.

بلغت نسبة المشاركة 53% من الناخبين (لويس أكوستا/فرانس برس) 


دعوة للمصالحة

في مواجهته، اجتذب بيترو من حركة "كولومبيا إنسانية" الحشود ببرنامج إصلاحات اقتصادية يراعي الفقراء، غير أنّه يتعرض للانتقادات، بسبب علاقاته بالرئيس الفنزويلي السابق هوغو تشافيز.

وفي بلد متحالف مع الولايات المتحدة، يدافع بيترو عن الاتفاق مع المتمردين السابقين، وعن الحوار مع "جيش التحرير الوطني" الذي علّق عملياته المسلحة بمناسبة الانتخابات. إلا أنّ السلطات شددت التدابير الأمنية، ونشرت حوالي 150 ألف جندي.

وما زال هذا البلد (49 مليون نسمة)، المنتج العالمي الأول للكوكايين، يعاني من عنف المجموعات غير الشرعية التي تتنازع السيطرة على تجارة المخدرات في المعاقل القديمة للقوات المسلحة الثورية الكولومبية، والتي تحوّلت إلى حزب سياسي أبقى على الأحرف الأولى من اسمه "فارك".

عملية الاقتراع جرت بصورة "طبيعية تماماً" (لويس روبايو/فرانس برس) 


وتواجه كولومبيا صعوبة في الخروج من نزاع شاركت فيه حوالى ثلاثين حركة تمرد، وقوات الأمن وقوات شبه عسكرية، وأسفر عن أكثر من ثمانية ملايين ضحية بين قتلى ومفقودين ونازحين.

وبعدما فشلت "فارك"، في مارس/آذار، في محاولتها للفوز بعدد من المقاعد النيابية يفوق العشرة التي يمنحها إياها اتفاق السلام، تخلّت عن خوض الانتخابات الرئاسية.

وأعرب زعيمها رودريغو لوندونيو الذي كان من المفترض أن يكون مرشحاً، لكنّه أُصيب بنوبة قلبية، عن مدى تأثره لدى الإدلاء بصوته "لأول مرة"، الأحد، في بوغوتا، داعياً إلى"المصالحة بين جميع الكولومبيين".




وفرض اليمين المتشدد نفسه في هذه الانتخابات التشريعية. وإذا ما فاز مرشحه دوكي في 7 أغسطس/آب المقبل، فسيكون بوسعه الاعتماد على الكونغرس. لكنّه يعول بصورة خاصة على شعبية أوريبي الذي أعرب عن دعمه له، نافياً في الوقت ذاته أن يكون دوكي دمية يحركها، وأثنى، الأحد، على "برنامجه الأمني" وعلى "حزمه".

(فرانس برس)