4 ملاحظات إيطالية أفشلت الرواية المصرية بقضية ريجيني

4 ملاحظات إيطالية أفشلت الرواية المصرية بقضية ريجيني

10 ابريل 2016
أحاديث بين محققَين إيطالي ومصري بروما(ريكاردو دي لوتشا/فرانس برس)
+ الخط -
من الواضح أن ملف قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بات يؤرق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. فبعد يوم طويل من مراسم المباحثات وتوقيع الاتفاقيات مع العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز والوفد الضخم المرافق له، نزل على السيسي خبر استدعاء الحكومة الإيطالية لسفيرها بالقاهرة، وإعلان القضاء الإيطالي قطع المحادثات مع الفريق القضائي الشرطي المصري حول قضية خطف وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، ليعود الفريق المصري إلى القاهرة في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول.

ووفقاً لمصادر دبلوماسية مطلعة، فإن السيسي عقد اجتماعاً سرياً مع وزيرَي الخارجية سامح شكري، والداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، ومدير جهاز المخابرات خالد فوزي عقب إعلان استدعاء السفير الإيطالي ماوريستو ماساري، استمر حتى الساعات الأولى من صباح أمس السبت. وتمّ خلال الاجتماع، تقييم الموقف الإيطالي وكيفية الخروج من الأزمة الدبلوماسية التي تضعف علاقة السيسي بواحد من أقوى حلفائه الأوروبيين، بحسب ما يتصوّر السيسي، وهو رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي.

وكان رينزي الزعيم السياسي الأوروبي الأول الذي يزور مصر في عهد السيسي. وكان الأخير يؤكد دائماً في بياناته وخطاباته على صداقته به، إذ قامت العلاقات بين مصر وإيطاليا عقب انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 على أرضية من المصالح الاقتصادية المشتركة بتسهيل وتضخيم الاستثمارات الإيطالية في مصر، مقابل تعاون القاهرة استخباراتياً مع روما، خصوصاً في ملف ليبيا ومشكلة الهجرة غير الشرعية. وكان السيسي يروج لصورته كشرطي لمنطقة شمال أفريقيا بين عامي 2014 و2015.

وترى المصادر الدبلوماسية أن العلاقات مع إيطاليا حيوية لنظام السيسي أكثر من أي نظام مصري سابق، باعتبار أن رينزي شخصياً كان أحد عرابي التقارب المصري الأوروبي. وساهم رئيس وزراء إيطاليا بتحسين صورة مصر في العواصم الأوروبية، وتسهيل إجراء السيسي زيارات رسمية لعاصمتَين مهمّتَين كانتا ترفضانه في وقت سابق، هما برلين ولندن. وتضيف المصادر الدبلوماسية ذاتها أنّ "اجتماع السيسي السري لم ينته إلى قرارات واضحة، عدا إيفاد السفير المصري في روما إلى وزارة الخارجية الإيطالية لجلب معلومات عن مسألة استدعاء السفير"، مرجحة أن "يتواصل السيسي هاتفياً برينزي لمحاولة تخفيف صدمة الإيطاليين من أداء الفريق المصري"، وفقاً للمصادر.

ويبدو أن توقُّع السيسي بأن أداء الفريق الأمني في روما سيجلب له المتاعب، كان صائباً، غير أنّ الحل الذي لجأ إليه بإرسال النائب العام المساعد مصطفى سليمان وأحد وكلاء النيابة مع الفريق، لم يكن مفيداً. فالإيطاليون رأوا أن "الوفد المصري يضيّع الوقت، ولم يعبّر عن رغبة حقيقية في وضع نهاية لهذه القضية بتقديم الحقائق كاملة"، وفقاً لتصريحاتهم.

ويقول مصدر قضائي مصري مقرّب من الوفد لـ"العربي الجديد"، عقب عودة الوفد بساعات، إنّ "الإيطاليين سجّلوا 4 ملاحظات أساسية على ملف التحقيقات المصرية الذي كان عبارة عن صورة ضوئية من 2000 صفحة من التحقيقات، والتحريات، وتقارير الطب الشرعي، وملخّص للقضية من 30 صفحة". ويسرد المصدر القضائي الملاحظات مشيراً إلى أنّ الأولى كانت "عدم تقديم ما يفيد بتفريغ كاميرات محطة مترو الدقي القريبة من منزل ريجيني، والتي كان يستقلها دائماً للتوجه إلى ميدان التحرير أو غيره من الأماكن، وذلك لبيان ما إذا كان قد استقلها يوم اختفائه أم لا، علماً أنه كان على موعد مع صديق سيتوجه إليه عبر مترو الأنفاق".

ويضيف المصدر أنّ أحد ضباط الوفد المصري ردّ على هذه الملاحظة قائلاً إن "شرطة المترو سترسل التسجيلات قريباً إلى ألمانيا لاستخراج تسجيلات الفترة الزمنية المطلوبة"، فتهكّم عليه أحد المحققين الإيطاليين بقوله "وماذا كنتم تعملون طوال شهرين؟"، وفقاً للمصدر القضائي.

أمّا الملاحظة الثانية، فهي تكمن في عدم تقديم تسجيلات شبكات الهاتف المحمول للمكالمات التي تمت في فترة اختفاء ريجيني بمحيط منزله في حي الدقي، والمكالمات التي تمت في فترة العثور على جثمانه بمحيط مكتب محاسبات حازم حسن بطريق مصر ـ اسكندرية الصحراوي. واعتبر الإيطاليون أن هذه التسجيلات "ضرورية لفهم ما كان يحدث".

غير أن النائب العام المساعد المصري رفض بشدة هذا الأمر، واعتبر أن "تقديم التسجيلات المطلوبة بمثابة تجسس على المواطنين، وخرق للمادة 57 من الدستور التي تنص على أنه "للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، وللمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حُرمة، وسريّتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفي الأحوال التي يبيّنها القانون". وردّ الإيطاليون على هذا الحديث بأنه "من واجب السلطة القضائية إصدار قرار بكشف سرية هذه المحادثات طالما كان ذلك في مصلحة التحقيقات". وهو ما اعتبره المصريون "تدخلاً في شؤون القضاء المصري"، وأكدوا اكتفاءهم بالتسجيلات الخاصة بمحادثات ريجيني بأصدقائه الإيطاليين في القاهرة، على حدّ قول المصدر.


والملاحظة الثالثة كانت غياب الدلائل القاطعة على علاقة التشكيل العصابي المقتول في ضاحية التجمع الخامس في القاهرة بواقعة خطف وقتل ريجيني، وذلك لوجود المتعلقات كاملة وفي مقدّمتها الأموال وبطاقات التعريف الأكاديمية وبطاقات السحب النقدي. وردّ المصريون على ذلك بأن "هناك اعترافاً مسجّلاً من شقيقة أحد أعضاء التشكيل العصابي يفيد بأنّ هذه المتعلقات قد جلبها هو إليها بغرض الإخفاء في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي"، وهو ما لم يقتنع به الإيطاليون، وفقاً للمصدر القضائي.

أخيراً، تكمن الملاحظة الرابعة في عدم وجود أي معلومات معمّقة من مصر عن الاجتماع الذي حضره ريجيني مع بعض القيادات النقابية المستقلة في مركز حقوقي بالقاهرة في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2015. وهو ما يرجح الإيطاليون أنه كان سبباً في اختطاف ريجيني وتعذيبه حتى لفظ أنفاسه. علماً أن هذا الاجتماع رصده المحققون الإيطاليون وحدهم، ولم تشر إليه التحريات المصرية من قريب أو بعيد. ويضيف المصدر القضائي أنّ "الطريقة التي أنهت بها السلطات الإيطالية اللقاء مع الوفد المصري، كانت مهينة جداً"، إذ تمّ إعلامهم رسمياً بقطع التعامل معهم بعدما رفضوا تحديد مواعيد لتقديم إجابات شافية محققة على هذه الملاحظات.

المشكلة الأكبر أمام السيسي، بناءً على هذه المعلومات، أنه لا تبدو هناك طرق عديدة لإعادة الثقة للعلاقة مع إيطاليا، فكما قال رينزي، "هم لا يريدون إلّا الحقيقة". بينما أدخل نظام السيسي نفسه في متاهة بعد اصطناع سيناريوهات يراها الإيطاليون محض أكاذيب، كتورط عصابة متخصصة في قتل وخطف الأجانب، وأن قتل الطالب الإيطالي كان بدافع سرقة أمواله ومتعلقاته التي عرضتها الشرطة المصرية كاملة الشهر الماضي. وهو ما يتنافى مع سلوك العصابات اﻹجرامية التي تتعمّد دائماً إزالة أي متعلقات تخص ضحاياها هروباً من المسؤولية، وخصوصاً أنّ التخلص من مثل هذه البطاقات أيسر كثيراً من التخلص من جثة عليها آثار تعذيب، وفقاً لمراقبين.

وسبق للشرطة المصرية عبر مصادر مجهولة وأخرى معلنة، أن طرحت في الصحف المصرية روايات متتالية لمقتل ريجيني، باءت جميعها بالفشل. كما رفضتها النيابة والمحققون اﻹيطاليون، ابتداءً من الادعاء أنّه مثلي الجنس، ثم الادعاء أنّه تشاجر قبل اختفائه بقليل مع شاب إيطالي مجهول، ثم أنّ له علاقات نسائية، وأخيراً نسب الاتهام لعصابة تم قتل جميع أفرادها.

وسيكون من الصعب بل من المكلف جداً للنظام المصري أن يغيّر بسرعة السيناريو الذي رسمه للحادث بادعاء تورط العصابة المقتولة، خصوصاً بعدما تطور الأمر لإحالة بعض المتهمين المرتبطين بهذه العصابة للنيابة. ويرى مصدر حكومي ذو خلفية أمنية أن "تغيير السيناريو في الوقت الحالي لن يؤدي لتحسين العلاقة مع إيطاليا، بل لتثبيت صورة المصريين كمخادعين"، مشيراً إلى أن "استدعاء السفير الإيطالي هو اختبار إيطالي لمصر، وقد يكون مقصوداً به الضغط عليها لإظهار الحقيقة"، على حدّ تعبيره. ويرجح المصدر ذاته أن "تمضي التحقيقات المصرية في طريقها لرسم سيناريو أنّ ريجيني قتل بواسطة هذه العصابة المقتولة، ويُدان المرتبطون بها بجريمة إخفاء أشياء متحصلة من جرائم، وبالتالي غلق القضية مصرياً". ويلفت إلى أن "هذا الطريق خطير للغاية، وقد يؤدي لضرر بالغ على العلاقات المصرية الإيطالية".

من جهته، يقول مصدر دبلوماسي في ديوان وزارة الخارجية لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا يمكن التكهن بالخطوة السيئة المقبلة"، مضيفاً أن "المحققين اﻹيطاليين مصمّمون على تورط جهاز أمني مصري في الحادث"، ومتوقعاً "تحولاً سلبياً في السياسة الأوروبية تجاه مصر، لأن المحققين الإيطاليين يضعون هذه الواقعة في إطار واسع من الممارسات القمعية، كعمليات القتل والخطف والاعتقال خارج إطار القانون، ويتهمون السلطات المصرية بممارسته ضد المصريين والأجانب"، على حدّ تعبيره.

ويتخوّف المصدر الدبلوماسي من أن تلقي هذه الأحداث "بظلال سلبية على زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند المرتقبة إلى القاهرة الأسبوع المقبل، والتي يعوّل عليها السيسي كثيراً لاكتساب ثقة أكبر من المجتمع الأوروبي، خصوصاً بعد قرارات البرلمان الأوروبي ضد مصر وتوصياته للحكومات الأوروبية بتجميد مساعداتها العسكرية للقاهرة". وحول تأثير قضية ريجيني على الاستثمارات الإيطالية في مصر باعتبارها الأكبر من دولة أوروبية، يقول المصدر ذاته: "لا أتصور أن يتطور الأمر لسحب الاستثمارات، لأن العلاقات الاقتصادية تحديداً أكثر خصوصية من أن تتأثر بقتل أو تعذيب مواطن"، لكنه لم يستبعد صدور "تحذيرات حكومية إيطالية من السفر والعمل في مصر".

وتُعتبر إيطاليا أكبر دولة مستثمرة في مصر، ولها شركات من كبرى المؤسسات الأجنبية العاملة فيها، وبصفة خاصة شركة "إيني" العملاقة في مجال الطاقة، والتي حصلت خلال العامين الأخيرين على حق التنقيب والاستغلال لنحو 7 حقول نفط وغاز، من بينها حقل شروق الذي تتوقع مصر وإيطاليا أن يكون الأكبر في العالم لإنتاج الغاز الطبيعي بحلول عام 2020.