عشائر الأنبار تنضم لجماعة السجون السرّية في العراق

11 مايو 2016
تمتلك العشائر والمليشيات والقوات العسكرية سجوناً سرية (Getty)
+ الخط -
تُستكمل حلقة السجون السرية وغير القانونية بالعراق حلقتها الأخيرة بالكشف عن وجود 11 سجناً غير قانوني تملكها عشائر الأنبار التي تقاتل تنظيم "داعش"، يقبع داخلها المئات من المواطنين الذين اعتقلوا من قوات العشائر خلال أوقات سابقة. وتتنوع مبررات اعتقال هؤلاء بين الاشتباه بالانتماء لـ"داعش"، أو وشاية وشكوك تعاون مع التنظيم، أو حتى حقد تاريخي أو شخصي بين مالك السجن، وهو في العادة من زعماء العشائر أو من قادة الصحوات من جهة، وبين الضحية أو عائلته من جهة ثانية. وبذلك تكون العشائر قد نجحت في الانضمام إلى نادي ملاك السجون السرّية أو غير الرسمية بعد سجون المليشيات المنتشرة بالعشرات وسجون البشمركة وسجون وزارات الدفاع والداخلية غير المرّخصة أو الخاضعة لأحكام القانون ووزارة العدل العراقية.

ويقدر مراقبون عدد السجون غير الرسمية أو السرّية في العراق بالمئات، إلا أن إحصاءً دقيقاً لا يتوفر، حتى الآن، بسبب استمرار عملية فتح تلك السجون بين حين وآخر. وتقع غالبية هذه السجون تحت سطوة مليشيات الحشد الشعبي وقادة وأمراء الأفواج والألوية العسكرية التابعة للجيش العراقي وقادة الشرطة المحلية أو ضباط جهاز مكافحة الإرهاب. وتحولت السجون السرّية إلى مصدر مالي للقائمين عليها أو الراعين لها من خلال ابتزاز المعتقلين وذوي ضحايا للإفراج عنهم. وبشكل يومي يعلن عن وفاة معتقلين جراء التعذيب أو الجوع أو المرض في تلك المعتقلات التي شيّد معظمها مطلع عام 2015.



وقد وجه رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، السبت الماضي، بفتح تحقيق موسع حول التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية وتحدثت فيه عن سجون سرية ومعتقلات في الأنبار تدار بشكل غير قانوني ويقبع المعتقلون فيها ضمن ظروف صحية وإنسانية صعبة ويمارس بحقهم التعذيب.
من جهته، طالب بيان لتحالف القوى العراقية بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لزيارة أحد مراكز الاعتقال في بلدة عامرية الفلوجة في ‍محافظة الأنبار، مؤكداً أنه يضم 700 معتقل.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أعربت في تقريرها، الأسبوع الماضي، عن صدمتها لظروف احتجاز سجناء بتهم الإرهاب، واصفةً إياها بـ"المروعة جداً"، وذلك عقب زيارة وفد من المنظمة لأحد مراكز الاعتقال في البلدة الواقعة جنوب الفلوجة والتي تخضع لسيطرة القوات العراقية ومقاتلي العشائر، فيما تحدثت مصادر لـ"العربي الجديد" عن عزم القائمين على السجون "تبيض جزءاً منها ونقل جزءٍ آخر إلى أماكن أخرى".
ووفقاً لمسؤول في الأمن العراقي، فإن 9 سجون تابعة للعشائر المناهضة لتنظيم "داعش" تنتشر في مناطق جنوب الفلوجة وشرق الرمادي ومدينتي الخالدية وحديثة. كما يوجد سجنان آخران تشترك بهما العشائر مع الشرطة المحلية. ويقبع نحو ألفي معتقل في هذه السجون، جميعهم من أبناء الأنبار غرب العراق ومن عشائرها، واعتقل أغلبهم بعد خروجهم من مناطق "داعش".
ويشير المسؤول العراقي نفسه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن بعض السجون عبارة عن منازل كبيرة أو مباني حكومية سابقة. كما يلفت إلى أن إحداها حقل لتربية المواشي. ويوضح أن هذه السجون باتت مصدر تفاخر بين بعض القائمين عليها. ويقول المسؤول الأمني، "إن إجرام وبشاعة تنظيم داعش معروفان، لكن أن تكون هناك جرائم وضرب للقانون وحقوق الإنسان من قبل من يدعي الحرب على الإرهاب ويريد أن ينشر السلام فهذا شيء يجب فضحه"، على حد قوله. ويوضح أن "مجموعة كبيرة من المعتقلين جرى أخذهم من نقاط تفتيش ومناطق سيطرة العشائر بسبب مزاج المسؤول العشائري أو وجود أحقاد تاريخية وثأر بين هذه العشيرة أو تلك بفعل النظام القبلي في الأنبار قبل أن يجري لصق تهمة الإرهاب بالشخص".

من جهتها تنفي لجنة الأمن والدفاع في حكومة الأنبار المحلية تلك التقارير، مشيرة إلى أن المعتقلين الموجودين يقبعون داخل سجون حكومية ووفق مذكرات قضائية. في السياق ذاته، يقول رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة الأنبار، راجع العيفان، إنه "لا توجد مثل هذه السجون في عموم محافظة الأنبار، وهناك 519 معتقلاً على ذمة التحقيق في مكتب مكافحة الإجرام، و705 معتقلين في شعبة مكافحة الإرهاب الموجودة بمقرها البديل في عامرية الفلوجة". كما يشير إلى أنه "لا يوجد بين هؤلاء نساء وأطفال كما تحدثت تقارير سابقة لمنظمة العفو الدولية". ولم يتردد في القول في تصريحات صحافية إن "جميع المعتقلين في السجون صادرة بحقهم مذكرات قبض"، موضحاً أن "القضاة يزورون المعتقلين ويتم التعامل مع قضاياهم"، ومتهماً عضواً في البرلمان العراقي بإثارة الموضوع للنيل مما وصفه "العشائر الصامدة التي تقاتل "داعش".
غير أن مسؤولاً عراقياً رفيعاً في بغداد، ينتمي لاتحاد القوى، يقول لـ"العربي الجديد" إن "تلك السجون حقيقة فعلية لا يمكن إنكارها"، لافتاً إلى أنه "بالنسبة لعناصر داعش الجرحى يتم إعدامهم ولا يعتقلون. أما الذين يقبعون في السجون الآن فجميعهم تحت خانة (المشتبه بهم) بدون مذكرات قضائية ويحرس السجون أبناء عشائر وصحوات"، على حد قوله. ويشير إلى "دلائل سلمت للجهات المعنية ونأمل أن يكون فضح تلك السجون بداية للقضاء على كل السجون السرية بالعراق غير القانونية". وختم: "يتم الآن تبييض عدد منها من خلال إطلاق سراح بعضهم مقابل مال أو تركه بدون مقابل وآخرين تم نقلهم الى مناطق أخرى لإخفاء الجريمة".

من جهته، يقول المحامي عبدالله علي، عضو نقابة المحامين العراقيين، لـ"العربي الجديد" إن أي عملية اعتقال أو حجز بدون مذكرة اعتقال قضائية تعتبر جريمة يحاسب عليها القانون. ويلفت إلى أن "ظاهرة إنشاء السجون من قبل المليشيات والبشمركة وثكنات ومعسكرات الجيش ومقرات الشرطة واليوم العشائر المناهضة لداعش، كلها لو كان هناك قانون ودستور حقيقي في العراق، فإنه يوجب محاسبة القائمين على تلك السجون. وفي حال تسببت بوفيات فإن العقوبة تصل إلى الإعدام". ويوضح علي أن "عشرات الدعاوى تصل من ذوي معتقلين موجودين في تلك السجون يطالبون القضاء بالتدخل، لكن حتى لو قبلنا تلك الدعاوى فإن القضاء لا ينظر إليها ويعتبر تلك المناطق مناطق حرب وقتال خارجة على سيطرة الدولة حالياً". كما يلفت إلى أن "المعلومات التي ترد بالفعل مرعبة ويجب أن يفتح تحقيق بذلك على أعلى المستويات".

بدوره، يقول عضو الهيئة السياسية لتحالف القوى، النائب أحمد المشهداني، "إننا لم نفاجأ من التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية، بناء على زيارة لها لأحد مراكز الاعتقال الذي يضم 700 معتقل في ناحية عامرية الفلوجة والذي وصفت وضعهم بالمروع". ويشير إلى أنه "على مدار 13 عاماً كانت العشرات من التقارير للمنظمات الدولية تؤكد حجم المعاناة والتعذيب الذي يتعرض له المعتقلون دون أي تجاوب من الحكومات المتعاقبة بل ازداد الوضع سوءاً خلال الأعوام الماضية". وينتقد المشهداني "دور مفوضية حقوق الإنسان في العراق والتي لم نسمع لها أي موقف تجاه الانتهاكات المخالفة لحقوق الإنسان في السجون، والتي كان لزاماً عليها أن تقوم هي بكشف تلك الانتهاكات وتقديم مرتكبيها للعدالة".