خارطة جهاديي سيناء... من مرحلة "الدعوة" إلى حمل السلاح

18 اغسطس 2015
القوات المصرية تفشل في التصدّي للمتطرّفين (بوريس هورفات/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من الانقطاع الجيلي لما يسمى "التيار الجهادي في مصر"، عبر هجرة غالبية قياداته إلى خارج مصر، لكن التطورات الإقليمية مهّدت لظهور بدائل وجماعات أخرى. وبحسب قيادات "جهادية" خرجت من السجن عقب ثورة يناير، فإن الوضع في مصر هو "مرحلة دعوة وليس حمل السلاح"، لكن هذا لا يمنع الاستعداد لتأزم الوضع والتحول نحو الحراك المسلّح، خصوصاً عند عودة شباب التيار "الجهادي" من سورية والعراق، بعد أن يكونوا قد اكتسبوا خبرات قتالية.


اقرأ أيضاً: خارطة الدم والثأر في سيناء: قصة القبائل والترانسفير و"الجهادية"

تتصدر الساحة في مصر، أربع جماعات وتنظيمات تصف نفسها بـ"الجهادية"، أبرزها تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، وأحدثها جماعة "المرابطون" ويبدو أنها أقرب إلى تنظيم "القاعدة".

ولاية سيناء

عقب ثورة 25 يناير، نفذ مجهولون تفجيرات عدة لخطوط الغاز إلى إسرائيل أو الأردن، تجاوزت الـ20 تفجيراً، واصطلح الجميع على تسمية من يقف وراء تلك التفجيرات بـ"الملثم".

لكن بمرور الوقت، ظهرت جماعة تدعى جماعة "أنصار بيت المقدس"، تبنّت في عملياتها استهداف الكيان الصهيوني، بصواريخ 107 وغراد، وتحديداً في فترات العدوان على قطاع غزة.

ولم تشأ الجماعة الجديدة الدخول في صدام مع الجيش والأجهزة الأمنية، وتدخلت لحل أزمة الجنود المختطفين في فترة حكم مرسي ونجحت في إطلاق سراحهم، في مقابل الإفراج عن معتقلين سيناويين، وفي المقدّمة حمادة أبو شيتة.

مع اتجاه المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية إلى قمع المعارضين للانقلاب العسكري وارتكاب مجازر بحقهم، بدّلت "أنصار المقدس" من استراتيجيتها، وأطلقت سلسلة عمليات ضد الجيش والشرطة، ردًّا على "دماء المسلمين" التي سالت، على حدّ قولها.

وفي ذلك الوقت، زادت قدرات الجماعة. وعلى الرغم مما كان يتردد عن أنها أقرب لتنظيم "القاعدة"، أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، مبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية" وزعيمها أبوبكر البغدادي، وتعديل الاسم إلى "ولاية سيناء".

كبَّد التنظيم الجيشَ والشرطة خسائر فادحة، ونفّذ عمليات كبيرة على مديريات أمن، فضلاً عن استهداف موكب وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، بيد أن التنظيم بدأ يركز على مواجهة قوات الجيش في سيناء.

"أجناد مصر"

في غمار عمليات التنظيم ضدّ الجيش والشرطة، أعلنت جماعة جديدة عن نفسها تدعى "أجناد مصر". تمكنت الجماعة، التي يبدو من عملياتها أنها قليلة الخبرة والقدرة، مقارنة بـ"ولاية سيناء"، من اختراق تجمعات للشرطة في نفس المنطقة عدة مرات، ولكن اختفت بشكل مفاجئ عقب قتل الشرطة قائدها العام مجد الدين المصري، قبل بضعة شهور.

لم تعلن الجماعة عن تنفيذ عمليات ضد الشرطة، منذ بيان نعي المصري، وتنصيب آخر خلفاً له، وهو ما يطرح تساؤلات حول تفكك الجماعة. لكن يرجح أنها انصرفت لترتيب أوراقها، والاستفادة من خبرات أكبر من العناصر التي سافرت إلى الخارج خلال السنوات القليلة الماضية، وعلى ما يبدو أنها أقرب فكريًّا إلى تنظيم "القاعدة".

فرخٌ لـ"ولاية سيناء"

وخلال الشهر الحالي، أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية"، وجود مجموعة تابعة له مباشرة، تعمل في مصر بخلاف تنظيم "ولاية سيناء"، بيد أنه لم يسمِّها بـ"ولاية"، لأن هذا الأمر مرتبط بالسيطرة على الأرض، وليس مجرد عمليات ضد قوات الجيش والشرطة.

ونفذت تلك المجموعة تفجيرا استهدف القنصلية الإيطالية في قلب العاصمة القاهرة، وسط توقعات بمزيدٍ من العمليات. ويعزّز من فرضية القدرات الكبيرة للمجموعة الجديدة، كمية المتفجرات التي وُضعت داخل سيارة مفخخة تم وضعها أمام القنصلية، وتجاوزت 450 كيلوغراماً، وهو أمر يحتاج لإمكانيات كبيرة، وخبير متفجرات متمرِّس.

"المرابطون"

في آخر تطورات الحالة المسلحة، ظهرت مجموعة جديدة تدعى "المرابطون"، وتزعم أن أميرها ضابط سابق في الصاعقة المصرية، ويدعى هشام عشماوي. ويبدو أن الجماعة الجديدة هي أقرب إلى تنظيم "القاعدة" منه إلى "الدولة الإسلامية"، إذ إنها بدأت أولى إصداراتها بكلمات سابقة لزعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري.

ويثار حول هذه الجماعة الجديدة تساؤلات مرتبطة في الأساس بشخصية أميرها، بحيث ظل اسم عشماوي يتردد ضمن المطلوبين أمنيّاً بالانضمام لـ"أنصار بيت المقدس"، وظل مختفياً عن الأنظار من دون أن يعرف أحد مكان تواجده سواء في سيناء أو خارجها؛ في الوقت الذي يشكك فيه خبير أمني، تحدث لـ"العربي الجديد"، في بقاء عشماوي حياً، ويذهب إلى القول إنه "إذا كان حياً، فالأغلب أنه لدى جهات أمنية، والتسجيل المزعوم له فيه من الخلل والتناقض والسذاجة ما يشي بأنه أجبر على تسجيله، لنشره على نطاق واسع، من قبل جهة من مصلحتها زيادة الحديث عن وجود الحركات الإرهابية في مصر".

ولم تعلن الجماعة عن عمليات لها خلال الفترة الماضية، أو رؤيتها للتعامل مع النظام الحالي، بيد أن الرجل اكتفى في المقطع المسجل المثير للشكوك، بالدعوة إلى الجهاد وحمل السلاح ضدّ رجال الجيش والشرطة.

"القاعدة وداعش"

من خلال خارطة الحركات المسلحة في مصر خلال الفترة الحالية، يمكن تصنيف وجود تنظيمين تابعين لـ"الدولة الإسلامية"، واثنين آخرين أقرب إلى "القاعدة". وفي ظل هذا الوضع يمكن التنبؤ بحدوث صدام محتمل بين الطرفين، وإن لم يكن في المستقبل القريب.

والخلافات كبيرة بين قيادات التنظيمين، وقد انعكست على التنظيمات الأصغر التابعة لها، بل تحولت من مجرد خلاف فكري تنظيمي، إلى صراع وجود واتهامات بالتخوين والعمالة والتكفير والغلو.

 لكنّ خبيرا في التيارات المتطرفة، يستبعد في حديث لـ"العربي الجديد"، أن  أن تنشب نزاعات بين أفرع "القاعدة" و"داعش" في مصر. ويقول إن الوضع في مصر مختلف عن العراق وسورية؛ فمصر لا تزال غير مستقرة بالنسبة لتلك الجماعات، نظراً لتماسك الجيش والأجهزة الأمنية إلى حد كبير.

ويضيف الخبير نفسه، مفضلاً عدم نشر اسمه، أنّ "الخلافات بين الطرفين وصلت إلى درجة كبيرة بعد السيطرة على مناطق، وبات لكل منهما نفوذ؛ أما في مصر فالوضع غير مستتب لهما". بل رجح أن يكون هناك تعاون بينهما وليس تنافرا خلال الفترة الحالية أو المستقبل القريب.

من جهة ثانية، تنظر حسابات تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، إلى إعلان تأسيس جماعة "المرابطون"، وهي في الغالب تابعة لـ"القاعدة"، بأنه أمر محمود في ضوء توحيد كل الجهود لمواجهة النظام الحالي والجيش والشرطة. وتقول إن هؤلاء "إخوة في الإسلام والعمل الجهادي ضد نظام السيسي".

انشقاقات "ولاية سيناء"

ما أن أعلن عشماوي تأسيس جماعته "المرابطون"، إلا وخرجت أحاديث عن انشقاق الرجل عن "داعش" والانضمام إلى "القاعدة"، بيد أنّه لا توجد معلومة حول علاقته في الأساس بـ"ولاية سيناء"، حتى مع الاسم السابق "أنصار بيت المقدس"، إلا من خلال اتهامات الأجهزة الأمنية.

وتثار تساؤلات كثيرة حول الرجل وجماعته الجديدة، لجهة إلى أي حد له صلة بـ"القاعدة"؟ وهل مبايعة أم الاتفاق على النهج الفكري؟ هل كان عشماوي فعلياً جزءاً من أنصار بيت المقدس قبل مبايعة "داعش"؟ هل حدثت انشقاقات داخل "ولاية سيناء" أم لا؟

وتظل الإجابات على هذه التساؤلات مفتوحة، نظراً إلى أن السرية هي من أهم السمات المميزة للجماعات المسلحة في تاريخها منذ بدايتها في الحالة المصرية.

ولكن يستبعد حدوث انشقاق داخل "ولاية سيناء"، وما يعزّز ذلك فعالية عملياتها ضدّ قوات الجيش والشرطة في سيناء، فضلاً عن انضمام مقاتلين جدد، هذا بخلاف العمليات النوعية، وحتي لو حدث انشقاق وخلاف فهو غير مؤثر تماما على التنظيم.

جماعات جديدة

وينذر الواقع في مصر من خلال سيطرة سلطة عسكرية وأمنية على مقاليد الحكم في مصر، وعودة نظام حسني مبارك مجددا في التعامل مع التيار الإسلامي والشباب، فضلا عن القبضة الأمنية المفروضة، وإطلاق اليد في القتل والتعذيب واغتصاب الفتيات داخل السجون، بظهور جماعات مسلحة جديدة خلال الفترة المقبلة.

ويرجح أن تخلق عودة بضعة آلاف من مناطق الصراع، وتحديداً في العراق وسورية، إلى مصر، حالة من الفوضى الكبيرة، قد تمتد لسنوات، في ظل انسداد الأفق السياسي لحلّ الأزمة الحالية.

ويساعد من تزايد وتيرة العنف بشكل عام في المجتمع، عدم رغبة النظام الحالي في البحث عن حلول سياسية، بخلاف التركيز على الحل الأمني في المقام الأول، وهو ما يواجه بعنف مضاد.

وتقول مصادر مصرية على صلة بهذا الملف إنّ "الوضع في مصر ليس معدّاً تماماً كي يتحوّل إلى صراع كما في سورية أو العراق، لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، يمكن رسم مسار الدخول في صدام مسلح خلال عامين تقريباً".

وتضيف المصادر، التي طلبت عدم نشر اسمها، لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحاضنة الشعبية ليست مهيأة" في الوقت الحالي لهذا التحوّل. قبل أن تشير إلى أنّ الأوضاع في طريقها نحو التصعيد، مع عودة الشباب المصري من أماكن القتال للمشاركة في العمليات ضد النظام المصري.

ولم تذكر المصادر، كيفية عودة بعض الشباب إلى مصر، سواء بشكل رسمي أم لا، ولكن تلفت إلى أن العودة صعبة ولكن ليست مستحيلة.

 ضعف المواجهة الأمنية

ولجأ نظام السيسي إلى إجراء تعديلات واسعة داخل وزارة الداخلية، توصف بأنها الأضخم في تاريخها، إذ تم تغيير 21 مساعداً للوزير و23 مديراً للأمن، في أعقاب العمليات التي تستهدف الشرطة والمؤسسات العامة في المحافظات.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، أقدم السيسي على تغيير عدد كبير من وكلاء جهاز الاستخبارات العامة للتقاعد، في اعتراف صريح بالفشل الأمني وعدم الثقة في المعلومات والتقارير المقدمة إليه.

وفي محاولة لضبط الوضع في سيناء، أقدم السيسي على تشكيل قيادة موحدة للجيشين الثاني والثالث في منطقة شرق القناة، معنية بمواجهة الجماعات المسلحة في سيناء، وسط تعديل في قيادة الجيش الثاني والاستخبارات الحربية. لكن كل هذه الأمور لم تنجح في وقف خطورة مسلحي سيناء.

ويزيد من تعقيد الأزمة سواء في سيناء أو خارجها في التعامل مع الجماعات المسلحة، هو عدم القدرة على اختراقها من قبل الأجهزة الأمنية، نظراً لأن تأسيس الجماعات بات الآن أكثر تعقيداً وسط تواجد خبرات كبيرة في عمليات تكوين المجموعات.

ويرى مراقبون أن الأزمة تكمن في استمرار تعامل الأجهزة الأمنية مع الجماعات المسلحة، بنفس منطق الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، في الوقت الذي تطورت فيه أساليب وتكتيكات الجماعات التي تسمي نفسها "جهادية" في العالم، وباتت تنظيمات عابرة للقارات في ظل إمكانيات مالية وعسكرية هائلة.

ويشير مراقبون إلى ضروة تغيير العقلية والاستراتيجية الأمنية بالكامل وليس مجرد أفراد وقيادات، فضلاً عن مشكلة أساسية تتمثل في ضعف المعلومات المتوفرة حول أفراد وأعضاء تلك التنظيمات.

اقرأ أيضاً: اختطاف الكرواتي لإحراج السيسي