قضاة الجزائر يردّون على قائد الجيش: العدالة لا تتلقى الأوامر من أحد

11 مايو 2019
يخضع القضاء للسلطة التنفيذية بالجزائر (العربي الجديد)
+ الخط -

ردت نقابة القضاة في الجزائر اليوم السبت، على تصريحات سابقة لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، مؤكدة أن حماية استقلالية العدالة والقضاء لا تتأتى من أي جهة خارجة عن دائرة السلطة القضائية، ومعلنة رفضها أي ضغوط تمارس على القضاة من أي جهة كانت.


وأعلن قضاة الجزائر التمرد على ما يصفونها بـ"القرارات الفوقية"، وحمل بيان أصدرته نقابة القضاة لهجة غاضبة ضد ما وصفته بمحاولة "التعامل معهم كجهاز يتحرك بالأوامر تارة وبالاستدعاء تارة أخرى"، معلنين "التمسك بحقهم الدستوري المطالب به شعبياً بأنهم سلطة مستقلة تباشر مهامّها وفقاً لشرعية التجرد والإنصاف".

وكان قائد أركان الجيش قد دعا قبل أيام إلى العدالة لفتح ملفات فساد سمّى بعضاً منها كقضية "بنك الخليفة"، وقضية "تهريب 701 كيلو غرام من الكوكايين"، وقضية شركة النفط سوناطراك، وهي القضايا التي تورط فيها مسؤولون كبار في الدولة ووزراء، يعتقد أنهم أفلتوا من العقاب بحماية من محيط الرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة.

وفي الإطار نفسه، رفض القضاة أي وصاية سياسية أو مزاعم حماية للعدالة والقضاة من أي مؤسسة في الدولة. واعتبر بيان النقابة أن "الضمانة والحماية الوحيدة لاستقلالية العدالة والقضاء لا تتأتى من أي جهة خارجة عن دائرة السلطة القضائية، بل تتجسد في جملة من الإجراءات التي تكرس الاستقلالية التامة للقضاة، انطلاقاً من مراجعة القوانين وإعادة النظر في الهياكل التي تنظم عمل القاضي ومساره المهني". وكان القضاة بصدد الرد على تصريحات سابقة أطلقها قايد صالح، قال فيها إن "قيادة الجيش قدمت الضمانات الكافية وتعهدت بمرافقة جهاز العدالة في أداء مهامّها النبيلة والحسّاسة".

ومنذ بدء التوقيفات التي شملت عدداً من رجال الأعمال المقربين من محيط بوتفليقة، وبدء ملاحقة شخصيات سياسية بينها رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى، ووزيرا التضامن السابقان السعيد بركات وجمال ولد عباس، ثار جدل في الجزائر بشأن إمكانية تدخل الجيش في الضغط على العدالة لملاحقة هؤلاء وإعادة فتح ملفات قضائية محددة، وسط مخاوف من أن تكون هذه المسارات القضائية متصلة بتصفية حسابات بين قائد الجيش والمقربين من بوتفليقة ورجالات القصر وأذرعه المالية.



وهدد القضاة بملاحقة أي طرف يحاول ممارسة ضغوط على القضاة، وتعهدت النقابة "بتقديم السند المادي والمعنوي للقضاة، بالوقوف في وجه كل من يحاول المساس باستقلاليتهم؛ سواء تصريحاً أو تلميحاً أو بأي تصرف مادّي آخر"، مشيرة في بيانها أن "القضاة يقفون على مسافة واحدة من جميع أطياف المجتمع ويدعون الجميع إلى وضع الثقة فيهم دون وصاية أو ضغط".

وشدد بيان النقابة الذي يعدّ الأول، بعد نجاح كتلة القضاة الأحرار في السيطرة على قيادة النقابة، وإبعاد هيئة إدارة النقابة التي كانت موالية للسلطة، على أنه "لا يمكن الكلام عن عدالة مستقلة تتمتع بالحماية في ظل القوانين والهياكل الحالية، التي تنظم المسار المهني للقاضي والتي أثبتت عدم جدواها". وأشار إلى أن "النداء بحرية الجزائر الجديدة يوجب لزاماً المناداة بحرية واستقلالية العدالة والقضاء، وتخليصه من كل المعوقات المادية والبشرية، وهو ما نصبو إليه بالمساهمة الفعّالة في إخراج البلاد من أزمتها، بمعية الشعب صاحب السيادة وبصحبة مؤسساته الدستورية التي تعبّر عن إرادته الحرة".



ويعاني القضاة في الجزائر من ضغوط سياسية، إذ يخضع القضاء للسلطة التنفيذية، وتعدّ الجزائر من الدول التي لا يوجد فيها فصل بين السلطات، حيث يعتبر الدستور الجزائري رئيس الجمهورية رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء وينوبه أيضاً في نفس المنصب وزير العدل.

ويتولى المجلس معالجة وتحديد المسار المهني للقضاة، وملفاتهم التأديبية ونقلهم ومعاقبتهم في حالات الإخلال. واشتكى القضاة خلال فترة حكم بوتفليقة من تدخل مباشر لمحيطه والحكومة، في سير بعض القضايا الموجهة ضد أطراف سياسية أو نقابات أو رجال أعمال تغضب عليهم السلطة.

وفي الثالث من مارس/ آذار الماضي، نظم القضاة أول تحرك لافت بعدما أعلنوا التمرد على السلطة السياسية، ورفض تنفيذ أي تعليمات من السلطات تخصّ سير القضايا في المحاكم. وعزز هذا الموقف حينها من موقف الحراك الشعبي، وزاد من زخمه، وخاصة بعدما أعلن القضاة في السابع من مارس/ آذار الماضي رفضهم الإشراف على الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 إبريل/ نيسان الماضي، قبل أن يقرر بوتفليقة إلغاءها في 11 مارس/ آذار الماضي بسبب الرفض الشعبي وزخم التظاهرات المناوئة لترشحه وللانتخابات.