غضب الشارع اللبناني ينفجر: احتجاجات تلفها التساؤلات السياسية

غضب الشارع اللبناني ينفجر: احتجاجات تلفها التساؤلات السياسية

13 يونيو 2020
شارك مناصرو "حزب الله" و"أمل" في تظاهرات الخميس(حسين بيضون)
+ الخط -

بقدر ما يُجمع اللبنانيون على أن الأوضاع الاقتصادية الخانقة، مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، لا يمكن السكوت عنها، وتشكّل عاملاً دافعاً لانفجار الشارع، كما حصل أمس الأول الخميس بخروج اللبنانيين إلى الشوارع في مختلف المناطق، فإن تساؤلات كثيرة تُطرح في المقابل عن حقيقة أهداف حراك الخميس، وعما إذا كانت أطراف سياسية دفعت إليه لتحقيق أهداف خاصة، خصوصاً مع مشاركة كثيفة لمناصري "حزب الله" وحليفته حركة "أمل" في تظاهرات الخميس، بعد انكفاء عن الشارع منذ انطلاق الانتفاضة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بل ومهاجمة المتظاهرين أكثر من مرة.

وبرز تشكيك كبير بأهداف مشاركة مناصري "حزب الله" في حراك الخميس، مع ربط ذلك باحتمالين، أولهما رفع الحزب غطاءه عن حكومة حسان دياب، والدفع لتصعيد الضغط عليها عبر الشارع وصولاً لإسقاطها، إفساحاً في المجال لتشكيل حكومة "وحدة وطنية" برئاسة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، تؤمن غطاء أكبر في ظل الضغوط الأميركية المتصاعدة على الحزب، وقرب تطبيق قانون "قيصر"، أو محاولة استغلال غضب الناس وصبّه على المصارف، وتحديداً باتجاه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تمهيداً لإقالته، خصوصاً مع الحملة على البنوك وتحطيم فروعها وحرق بعضها في عددٍ من المناطق اللبنانية ليل الخميس.

وأياً تكن القراءات لأهداف هذا التطور، يبقى المحسوم أن ارتفاع سعر صرف الدولار بات عاملاً قد يُشعل الشارع في أي لحظة، ويخرج الأمور عن السيطرة، خصوصاً لما لذلك من انعكاسات على مختلف شرائح المجتمع اللبناني، وفي ظل ارتفاع كبير بمستوى البطالة.

وتستعد مجموعات مدنية، اليوم السبت، لتظاهرة كبيرة في نقاط مختلفة من بيروت، قبل الالتقاء في ساحة الشهداء وسط العاصمة، للمطالبة بحكومة بصلاحيات استثنائية ترسي شرعية الدولة المدنية. وبحسب عدد من الناشطين، الذين شاركوا في "انتفاضة 17 أكتوبر"، وتواصل "العربي الجديد" معهم، فإنّ قرار المنتفضين هو البقاء في الشارع حتى تحقيق المطالب، التي تبدأ بإسقاط حكومة دياب، التي أثبتت أنها تكملة للمنظومة السياسية والفساد في التعيينات والممارسات، كما يقولون. كما يطالبون بقضاء مستقل يحقق الشعارات المرفوعة من محاسبة المسؤولين عن هدر المال العام وسرقته، واستعادة الأموال المنهوبة، ووضع حدّ للسياسة المالية التي دمرت لبنان، اقتصادياً ومعيشياً، ويدفع البلد ثمنها غالياً اليوم.



وقالت رئيسة مجلس المندوبين في حركة "مواطنون ومواطنات في دولة" (حركة سياسية منظمة تسعى لإقامة دولة مدنية) رانية المصري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التطورات التي حصلت في الشارع عفوية، لأن الصرخة الأساسية التي أطلقت في 17 أكتوبر لا تزال هي نفسها، والوجع زاد أيضاً، ليس فقط بالنسبة إلى سعر الصرف، بل نتيجة ارتفاع معدل البطالة والفقر والجوع، مقابل عدم قدرة حكومة دياب على إنتاج أي تقدم ملموس، لا بل أثبتت استمرارية للمنظومة السياسية نفسها، بدليل ما حصل في التعيينات المالية والإدارية وطريقة تقاسم وتوزيع الحصص. ومن الواضح أنها واجهة لأحزاب الطوائف، التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم". وأضافت المصري "نحن كحملة مواطنون ومواطنات في دولة، نعتبر أنّ الائتلاف الطائفي منذ العام 1991 حتى اليوم أوصلنا إلى الدمار الاقتصادي والانهيار الكامل. من هنا فإنّ الخلاص الوحيد يكمن في بناء دولة مدنية، تحمل رؤية واضحة حول كيفية بناء الدولة، وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات استثنائية، تبني الأسس المتينة التي من شأنها أن تحقق المطالب والأهداف المنشودة، وتضع حداً لمنطق المحاصصة والمقايضة".

وفي محاولة لضبط الوضع، بحث مجلس الوزراء اللبناني، أمس الجمعة، بصورة طارئة الأوضاع النقدية في لبنان، وذلك في جلستين متتاليتين، الأولى في السراي الحكومي، والثانية في قصر بعبدا مقر الرئاسة الأولى، برئاسة الرئيس ميشال عون. وخرج رئيس البرلمان نبيه بري، بعد لقاء سبق جلسة الحكومة في قصر بعبدا، للقول إنه تم الاتفاق على العمل لتخفيض سعر صرف الدولار. وفي معرض رده على المطالبة بإقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، واحتمال لجوء الحكومة لإجراء كهذا، قال بري "نحن بحاجة اليوم إلى كلّ الناس، لا الاستغناء عنهم". من جهته، أشار رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري إلى أن التهويل بإقالة سلامة "هو جنون اقتصادي وسياسي ودستوري سيذبح الاقتصاد اللبناني من الوريد إلى الوريد"، مهاجماً خصومه، بالقول إنهم يبحثون عن مخرج لإنقاذ أنفسهم من شرّ قراراتهم وأفعالهم، وليس عن حلّ لإنقاذ الاقتصاد ووقف تدهور الليرة.

أما "حزب الله"، المتهم الأبرز بمحاولة استغلال حراك الشارع وتأجيج التظاهرات لتحقيق أهداف سياسية، فاعتبر أن "الوضع يستدعي تحرك الناس التي ضاقت ذرعاً بارتفاع سعر صرف الدولار، وإخفاء العملة الخضراء من السوق، وانتهاج البنك المركزي سياسة مالية لا تستجيب للطلبات التي توجّه إليه. فإخفاء الدولار هو القائم حالياً، بدلاً من ضخه في السوق من قبل مصرف لبنان"، وفق قول النائب عن الحزب أنور جمعة، لـ"العربي الجديد". ولم يخفِ جمعة غضب الحزب على رياض سلامة، قائلاً "علينا النظر إلى السياسات التي انتهجها سلامة، والوظيفة التي أداها خلال فترة توليه منصبه. والناس هم يقرّرون. وبالنظر إلى مطالب المتظاهرين فهم يدعون لاستقالة سلامة".

ونفى الاتهامات الموجهة لـ"حزب الله" بسحب الدولارات من السوق، واصفاً إياها بـ"الاتهام الساذج"، مضيفاً "علينا توجيه البوصلة بالشكل الصحيح لمعرفة كيفية إخفاء الدولار بدل تحويل العملية إلى حزب الله والمطالبة بسحب سلاحه. فهل إذا حصل هذا الأمر يمكن ضخ الدولارات في السوق اللبناني؟ حتماً لا، ويجب أن توجه الأنظار إلى الولايات المتحدة، التي تريد أن تذهب بلبنان إلى الخراب، والأميركي يمنع تزويد لبنان بسنت واحد، استكمالاً للسياسات القهرية الواضحة جداً التي تمارس على البلاد، وآخرها في قانون قيصر". وتابع "حزب الله هو الذي يأتي بكميات كبيرة من الدولارات لصرفها في السوق، من خلال مؤسساته المدنية ورواتب الموظفين، في عملية تحصل شهرياً. ولولاه لكنا غرقنا منذ زمان. فالحزب هو الوحيد الذي يضخ الدولار في الأسواق، بينما يعمل الآخرون على تهريب العملة الخضراء، وهم الذين حققوا المكاسب والأموال وهربوها إلى الخارج. علماً أنّ طرح الموضوع خاطئ أيضاً، فكيف لحزب الله أن يهرب الدولارات، هل من خلال أرصدته في المصارف؟".

وعن الاتهامات للحزب بالسعي لإسقاط حكومة دياب، قال جمعة إنه "من الغباء الحديث عن استقالة الحكومة في الظروف الراهنة، فالوضع لا يحتمل ذلك، خصوصاً أنه لن يأتي رئيس حكومة جديد بحال استقالتها، والفراغ سيطول. فهل نحن نريد تدمير البلد وإفقاره، أم نحتاج إلى صحوة ضمير وإغراق السفينة بمن فيها؟".

في المقابل، ردّ النائب عن "تيار المستقبل" محمد الحجار، في حديث مع "العربي الجديد"، الغضب في الشارع إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، وعجز الحكومة عن القيام بإصلاحات. لكنه رأى أن سقوط الحكومة يحتاج إلى اتفاق سياسي يمهد لهذه الخطوة، وضوء أخضر من "حزب الله"، وهذا الأمر لن يحصل ما دام مستفيدا من استمرارها، على الرغم من عجزها والتخبط في قراراتها. وحذر الحجار من أن إقالة حاكم مصرف لبنان من شأنها أن تؤدي بالبلد إلى المجهول، مضيفاً "البنك المركزي والمصارف اللبنانية تتحمل مسؤولية الوضع، لكن الجزء الأكبر منها يقع على (عاتق) الحكومات المتعاقبة والطبقة السياسية، وعلى مجلس النواب واللجان النيابية التي أقرّت إنفاقات من دون اعتمادات. ويقع على عاتق كلّ من رفض دعوات الإصلاح، ليحرج فريقاً سياسياً ويخرجه".

وعن إمكان عودة الحريري لترؤس الحكومة، لفت الحجار إلى أنّ رئيس "تيار المستقبل" قالها صراحة، وأكثر من مرة، "أنه لا يهتم بالعودة ولا يريد ذلك. وفي ظلّ وجود رئيسين، رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الظلّ، أي صهره النائب جبران باسيل، فهو لن يعيد التجربة"، مضيفاً "لا يمكن إخراج لبنان من النفق بلغة التعاطي نفسها التي كانت سائدة سابقاً".

وعن هذه التطورات، رأى المحلل السياسي سامي نادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الشعب اللبناني مأزومٌ اليوم وجائع، ومن الطبيعي أن تولد قوّة الدفع الهائل إلى الشارع، في ظلّ غياب الحلّ وانسداد الأفق، وعدم قدرة السلطة على القيام بأي خطوة إنقاذية لوقف نزيف سعر الصرف الحاصل. لكنه استدرك "لا يمكن في الوقت نفسه أن نمرّ عند انضمام قوى سياسية إلى المنتفضين، وهي نفسها التي رفعت يوم السبت الماضي هتافات طائفية، ومطالب تدعو لتنحي رياض سلامة. هذا الأمر يمكن تفسيره أولاً بأنّ هناك محاولة من هذه القوى للدخول على موجة الانتفاضة لتحقيق أهداف سياسية. كما يمكن أن يكون حزب الله يسعى إلى تغيير حكومة دياب، لأنه بحاجة إلى خيمة أوسع في الحكومة لاحتواء قانون قيصر وتداعياته، والضغط الأميركي المتصاعد ضده. ومن الأفضل بالنسبة له أنّ تكون الحكومة هي ما تسمّى حكومة الوحدة الوطنية لا اللون الواحد، كونها تؤمن له غطاء أكثر متانة له".

المساهمون