القضاء السوداني: سلاح النظام لترهيب المعارضة

24 فبراير 2015
يتوقع مراقبون صدور عفو أو حفظ البلاغات(إبراهيم حامد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد قرابة شهرين ونصف الشهر من السجن، بدأت في الخرطوم، أمس، أولى جلسات محاكمة رئيس هيئة تحالف المعارضة السودانية، فاروق أبوعيسى، ورئيس كونفدرالية المنظمات، أمين مكي مدني، بتهم التوقيع على اتفاق مع مجموعات تحارب الدولة، في إشارة إلى اتفاق "نداء السودان"، الذي وقعه الرجلان إلى جانب رئيس حزب "الأمة" المعارض، الصادق المهدي، مع "الجبهة الثورية"، التي تضم "الحركة الشعبية" ـ قطاع الشمال، والحركات المسلّحة الدرافورية، في أديس أبابا أخيراً.
اقرأ أيضاً (إرجاء جلسة محاكمة رئيس هيئة تحالف المعارضة السودانية)
وجدّد انطلاق المحاكمة الجدل حول تسييس القضاء والنيابة، واستخدامهما من قبل النظام الحاكم في الخرطوم لتحقيق مكاسب سياسية أو معاقبة المعارضين. وأجمعت تصريحات السياسيين المعارضين على وصف المحاكمة بالسياسية، مستندين إلى غياب البينات، التي يمكن أن تشكّل أدلة جنائية، في دعم توصيفهم، خصوصاً وأن اتفاق السودان لم يحمل أية إشارة من قريب أو بعيد إلى إسقاط النظام بقوة السلاح.

ويرى مراقبون أنّ محاكمة أبوعيسى ومدني تدخل في إطار المحاكمات والبلاغات السابقة، التي جرت في عهد النظام الحالي، وطالت رموزاً سياسية كبيرة، بينها رئيسُ حزب "الأمة" المعارض، الصادق المهدي، وزعيم حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض، حسن الترابي، واللذان واجها تهماً تصل عقوبتها إلى الإعدام، غير أنّ إجراءات القضية لم تستمر، وأُفرج عنهما بعفو رئاسي وحفظ البلاغات، مع وجود مادة في القانون الجنائي السوداني تخول وزير العدل حفظ البلاغ في أية مرحلة. 

ومنذ وصول النظام الحالي إلى السلطة، عام 1989، أقرّ ما أطلق عليه بـ"محاكمات الثورة"، التي سنّ بموجبها قانون مكافحة الفساد والثراء غير المشروع والمال المشبوه. وكان الهدف من وراء القانون محاكمة رموز القوى السياسية المعارضة، التي حكمت في الفترة التي تلت حكم حزب "الإنقاذ" الحالي. وتمت محاكمة عضو مجلس رأس الدولة  في الديمقراطية الثالثة، إدريس البنا، بموجب هذا القانون، بعدما وُجهت إليه تهمة سرقة وتخزين الإغاثة التي جاءت من الخارج إبان الأزمة التي ضربت البلاد حينها. لكن جرى لاحقاً تبرئة البنا من التهمة، فيما حوكم آخرون من رموز القوى السياسية بموجب القانون نفسه، في محاولة للتشهير بهم وإفقادهم شعبيتهم.

ولم يكن النظام الحالي وحده مَن شرّع المحاكمات السياسية، فقد سبقتة الأنظمة العسكرية التي حكمت البلاد بعد الاستقلال. غير أنّ المحاكمات الفعلية جرت في عهد النظام الحالي، الذي واجه منذ وصوله إلى السلطة محاولة انقلابية في عام 1990، قادها اللواء محمد علي حامد، الذي أفرج عنه لاحقاً قبل أن يُتهم بتدبير محاولة انقلابية أخرى في عام 2007 مع القيادي في حزب "الأمة"، مبارك الفاضل، ونائب رئيس الحزب "الاتحادي الديمقراطي" علي محمود حسين. ووجهت للرجلين اتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام، قبل أن يُطلق سراحهما بموجب عفو رئاسي.

من جهته، واجه القيادي في حزب "الأمة"، عبدالرحمن نقد الله في بداية عهد "الإنقاذ" حكماً بالإعدام بعد اتهامه بتدبير "محاولة تخريبية"، وتم تخفيف الحكم عليه إلى المؤبد، قبل أن يطلق سراحة بعفو عام. واشتهرت الفترة من 1994 إلى 1995 بمحاكمة "خلايا قوات التحالف"، الذين اتهمتهم السلطة حينها بتجنيد عناصر لقوات التحالف برئاسة عبدالعزيز خالد. وصدرت بحقهم أحكام بالمؤبد قبل أن يتم الإفراج عنهم. واعتقلت السلطات بعدها عبدالعزيز خالد بمساعدة "الإنتربول الدولي"، وسلمته إلى دولة الإمارات، قبل أن يتم الإفراج عنه لاحقاً، عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحكومة و"الحركة الشعبية"، بزعامة جون قرنق.

وتعرضت سكرتارية "التجمع"، التي تضم تحالفاً من أحزاب "الأمة"، بقيادة الصادق المهدي، و"الاتحادي الأصل" بقيادة محمد عثمان الميرغني، و"الشيوعي" بزعامة محمد إبراهيم، في عام 2001، إلى محاكمة بتهم تصل عقوبتها للإعدام، من ضمنها التخابر مع دولة أجنبية وتقويض النظام.

وبعد مفاصلة الإسلاميين الشهيرة وانشقاق الترابي وإعلانه حزب "المؤتمر الشعبي"، لاحقت السلطات كوادر "الشعبي" وزعيمه بالبلاغات والمحاكمات بتهم تتصل بتدبير محاولات انقلابية وتقويض النظام. وفي عام 2004، حوكمت كوادر من "الشعبي" في ثلاث قضايا تتصل بمحاولات انقلابية، انتهت بقرارات عفو رئاسية بعد قضاء البعض فترة في السجن.


وفي الآونة الأخيرة، قضت محكمة في الخرطوم بإعدام عدد من كوادر وقيادات حركة "العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم في 2008. لكن السلطة لم تنفذ حتى اللحظة الحكم، في محاولة لإبقائه كورقة ضغط في يدها، في أية مفاوضات سلام مرتقبة مع حركة "العدل والمساواة"، خصوصاً الأخ الأصغر لرئيس الحركة من بين المحكومين. وحاكمت السلطات العام الماضي غيابياً كُلاًّ من رئيس الحركة "الشعبية" ـ قطاع الشمال، مالك عقار، والأمين العام للحركة، ياسر عرمان، وأصدرت حكماً بإعدامهما شنقاً.

ويرى مراقبون أن القوانين السودانية "حمالة أوجه". ويعتبرون أن صعوبة إثبات تهم كتقويض النظام تدفع السلطات نحو حفظ البلاغ أو إعلان عفو رئاسي لتحقيق مكاسب سياسية. ولهذا، يرجح المراقبون أن تُقْدِمَ الحكومة على إطلاق سراح كلٍّ من فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني، رغم بدء المحاكمة، لاعتبارات سياسية، ونتيجة الضغوط الدولية. ويرجّح أن يتم الإفراج عنهما بعد الانتخابات العامة المحددة في أبريل/نيسان المقبل، لتكون الخطوة بمثابة إعلان عن عهد جديد.

ويقول القانوني والقيادي في "المؤتمر الشعبي"، أبوبكر عبدالرازق، إن الحكومة تلجأ عادةً إلى المحاكمات السياسية بدون أن تصل إلى نهايتها. ويوضح "تفتح بلاغات في مواجهة المعارضين، ولكن لا تتم المحاكمات بسبب انعدام الحجة القانونية، ثم تلجأ السلطة إلى عفو رئاسي أو حفظ البلاغ لتحقيق مكاسب سياسية".
غير أنّ أمين الدائرة القانونية في "المؤتمر الوطني" الحاكم الفاضل حاج سليمان، رفض اتهام النظام باستغلال القضاء لتحقيق أية مكاسب، ووصف ذلك "بالكلام الفارغ الذي لايستحق الرد عليه". وقال لـ"العربي الجديد" إن "االقضاء والنيابة العامة مستقلان تماماً، وهما جهازان بعيدان تماماً عن التسييس".