حرب السيسي على "ثعالب الاستخبارات الصغيرة": الخلفيات المباشرة والبعيدة

20 يناير 2018
يرغب السيسي بالإمساك الكامل بالاستخبارات (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بات البحث عن تفسيرات للانقلاب المفاجئ من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودائرته، على مدير الاستخبارات العامة المعزول خالد فوزي، منذ أيام، الحديث الأبرز المتداول في الأوساط السياسية والإعلامية المصرية، لا سيما أن قرار السيسي الأخير بعزله وتكليف مدير مكتبه اللواء عباس كامل، بإدارة الاستخبارات العامة كأول مسؤول على رأس هذا الجهاز إلى جانب عمله الإداري برئاسة الجمهورية. وكل ذلك بالتزامن مع بدء حملة الدعاية الانتخابية للسيسي لولاية رئاسية ثانية، وقبل ساعات من فتح باب الترشح رسمياً. كامل رفض الإدلاء بأي معلومات عن سبب الإطاحة بخالد فوزي، لكنه أشار للمسؤولين والإعلاميين المقرّبين منه الذين سألوه عن مستقبل الجهاز، إلى أن "فترة إشرافه عليه ستكون مؤقتة"، موضحاً أنه "يجري البحث عن شخصية قوية من أبناء الجهاز لقيادته الفترة المقبلة، ولكن بعد معالجة بعض السلبيات التي شابت أداءه خلال العام الماضي"، والتي أدت تراكماتها إلى انقلاب السيسي على خالد فوزي، الذي كان على مدار 3 سنوات من المقربين الموثوقين له.

وفي خلفية البحث عن الأسباب شواهد عدة على أن قرار السيسي مرتبط بالاستعدادات الجارية للانتخابات الرئاسية (في 26 مارس/ آذار المقبل)، والأحداث السياسية الداخلية التي شهدتها مصر في الأشهر الثلاثة الأخيرة، ومنها خروج رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق للعلن وإعلان رغبته في الترشح للرئاسة، ثم ترحيله من الإمارات لمصر، واحتجازه في فندق تحت رقابة مشتركة من الاستخبارات الحربية والعامة، ثم إعلان تراجعه عن الانتخابات، إلى ظهور رئيس أركان الجيش السابق سامي عنان، وإعلان رغبته في الترشح الرئاسي.

مصادر حكومية وسياسية واسعة الاطلاع كشفت لـ"العربي الجديد"، أن "خالد فوزي لم يُبلّغ من قبل السيسي بقرار إقالته، بل إن عباس كامل أرسل ضابطاً بالاستخبارات الحربية منتدباً برئاسة الجمهورية إلى مقر جهاز الاستخبارات بجوار قصر القبة الرئاسي، يوم الثلاثاء الماضي، فأمر هذا الضابط صغير الرتبة خالد فوزي بجمع متعلقاته ومغادرة مقر الجهاز فوراً. وحاول فوزي الاتصال بكامل والسيسي للتعرف على الأسباب، لكنه لم يُمكَّن من الوصول لأي ّمنهما، ليغادر متجهاً لمنزله بصحبة عدد من وكلاء الجهاز، ولم يخرج منه حتى الآن".

وأضافت المصادر أن "آخر زيارة لفوزي إلى قصر الاتحادية للقاء السيسي في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، بصورة سرية غير معلنة، حين استدعاه السيسي لإبلاغه بأن أمامه أسبوع واحد فقط كمهلة لتحديد وكلاء الاستخبارات الذين يتواصلون مع عنان لدفعه لإعلان ترشحه للرئاسة، محاولين تكدير الوضع السياسي المستقر والانتخابات غير التنافسية المرتقبة. وهي الاتصالات التي رصدتها الاستخبارات الحربية التي أصبحت منذ تولي السيسي الرئاسة، متقدّمة على الاستخبارات العامة من ناحية القرب من مؤسسة الرئاسة، بل ومُنحت بعض الأدوار الإشرافية عليها في بعض الأحيان".



وبحسب المصادر، فإن "السيسي علم بأمر هذه الاتصالات قبل إعلان الأمين العام لحزب عنان (مصر العروبة الديمقراطي) ترشيحه للرئاسة بعد أيام عدة، لكن عنان علم من وكلاء الاستخبارات الذين يتعامل معهم أن السيسي رصد الاتصالات، ما جعله يختار طريقة الإعلان التدريجي والتجريبي لرغبته في الترشح، ليس على لسانه أو لسان نجله سمير الذي يعتبر الذراع اليمنى له في العمل العام، ولكن على لسان قيادات الحزب الأقل قدراً والذين لن تتعامل معهم السلطة أو الإعلام بالجدية اللازمة".

وأفادت المصادر بأن "الاتصالات بعنان لم تكن الأولى التي يقوم بها ضباط بالاستخبارات العامة مع مرشحين محتملين ضد السيسي، فقائمة وقائع التسرّب والعمل السرّي لأجنحة في الجهاز مع منافسين للسيسي ومعارضين له طويلة وممتدة، تشمل وفق المصادر، اتصالات بشفيق خلال إقامته بالإمارات من دون العودة للرئاسة أو إدارة الجهاز، وكذلك اتصالات مباشرة وغير مباشرة بمعارضي التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية من نواب وحقوقيين وإعلاميين وقضاة، فضلاً عن استغلال بعض الأجنحة داخل الجهاز لنفوذهم كوكلاء بالاستخبارات العامة لتوجيه الصحف وبرامج التوك شو التابعة أو القريبة للجهاز لتناول مواضيع غير مستحبة للسيسي ودائرته".

هذا الاستغلال الإعلامي الذي وصفه أحد المصادر الحكومية بـ"الخرق الداخلي في نسيج النظام"، تسبب في ظهور تناقض بين الخطاب الرسمي وتناول الإعلام الموالي للسلطة له في بعض المناسبات كتضخيم معلومات تعثر مفاوضات سد النهضة في غير الأوقات التي يرغب فيها السيسي بذلك، والمعارضة الحادة في بعض الأحيان لقرار نقل السفارة الأميركية بإسرائيل إلى القدس المحتلة والاحتفاء بالتظاهرات الرافضة، والحديث عن ضرورة وجود منافس للسيسي في الانتخابات وإفساح المجال لبعض المعارضين للحديث في الفضائيات المملوكة أو القريبة لأجهزة النظام.

وأضاف المصدر الحكومي أن "السيسي انزعج بشكل كبير من هذا التضارب المناقض لجهوده لتوحيد الخيوط المتحكمة في كل الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في يده، وكان يرغب في أن يتولى فوزي بمزيد من الحسم مهمة إخماد تلك المظاهر، خصوصاً بعدما دخلت منطقة يعتبرها السيسي محظورة تماماً وهي العبث معه بالتعامل مع خصميه اللدودين شفيق وعنان".

وكشف أن "مسألة تغيير إدارات وسائل الإعلام القريبة من الاستخبارات، سواء التابعة لمجموعة (إيجل كابيتال) أو (فالكون) لم يكن لها صلة على الإطلاق بما حدث على مستوى الخسائر المالية والمشاكل الإدارية، لأن المجموعتين ليستا تابعتين إدارياً للاستخبارات، بل تساهم في إدارتهما جهات رسمية أخرى على رأسها الجيش، فضلاً عن رجال أعمال محل ثقة. لكن التغيير كشف للسيسي أيضاً وجود مشاكل على المستوى التوجيهي، تمثلت في عدم السيطرة على المعلومات والتوجيهات الصادرة من الجهاز لوسائل الإعلام التابعة للمجموعتين".



قلق السيسي من "ثعالب الاستخبارات الصغيرة" ليس وليد اللحظة، بل لازمه منذ ترشح مدير الاستخبارات ونائب رئيس الجمهورية الأسبق عمر سليمان للرئاسة عام 2012، بغير رضا المجلس العسكري الحاكم آنذاك، بسبب الخلافات التاريخية بين سليمان والمشير حسين طنطاوي، الأب الروحي للسيسي. كما أن فترة ترشح سليمان وما تلاها من استبعاده، ثم تعاون بعض أجنحة الجهاز مع نظام حكم الإخوان المسلمين، أثبتت للسيسي وغيره، أن النواة الصلبة للجهاز ما زالت تدين بالولاء لسليمان ولن تقبل الانضواء تحت إدارة الجيش.

وكان أول قراراته بعد عزل رئيس الجمهورية محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013، الإطاحة بمدير الاستخبارات رأفت شحاتة، الذي كان ابناً لجهاز الأمن القومي وصاحب باع طويل في متابعة الملف الفلسطيني تحديداً، وعيّن بدلاً منه اللواء محمد فريد التهامي الذي كان قد عمل من قبل في الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية، لكنه قضى معظم مشواره المهني في الاستخبارات الحربية وكان رئيساً للسيسي نفسه وأحد معلميه، وذلك بهدف إحكام الرقابة على الجهاز، كما نقل ابنه محمود من الاستخبارات الحربية للعمل بالمكتب المعاون للتهامي.

أما اختيار خالد فوزي قائماً بأعمال مدير الجهاز في ديسمبر/ كانون الأول 2014، فكان أفضل المتاح بالنسبة للسيسي في ذلك التوقيت نظراً لمرض التهامي الشديد الذي أعجزه عن متابعة عمله. وكان اختيار فوزي تحديداً من بين قيادات الجهاز لأنه لم يكن محسوباً على عمر سليمان، بل اعتُبر مستقلاً عن الأجنحة المتصارعة ولم تكن له مجموعة خاصة به، فضلاً عن أنه يعتبر من أبناء الاستخبارات الحربية القدامى أيضاً، علماً أن الجيش هو الرافد الأساسي لتزويد الاستخبارات العامة بالضباط.

ومنذ تولي فوزي المسؤولية، وضع السيسي على عاتقه مهمة تطهير الجهاز من فلول عمر سليمان المشكوك في ولائهم له شخصياً، وليس للنظام. فأصدر 18 قراراً جمهورياً بإحالة أكثر من 200 ضابط وموظف كبير للمعاش أو للعمل الإداري بجهات أخرى، من بينهم المسؤولون عن ملفات الحركات الإسلامية وجماعة الإخوان والتواصل مع حركة حماس والشؤون السودانية والإثيوبية. لذلك سادت توقعات بقرب إصدار السيسي قراراً واحداً على الأقل قبل انتخابات الرئاسة، بعزل العشرات من وكلاء الاستخبارات المتورطين في الاتصال بمنافسي السيسي وتمرير معلومات غير مرغوب فيها لوسائل الإعلام، فضلاً عن المشتبه في عدم ولائهم له، وذلك قبل اختيار شخصية مناسبة لتولي إدارة الجهاز تحت الإشراف المباشر لرئاسة الجمهورية. تماماً كما هي حال إدارة الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية تحت الإشراف المباشر لمستشار السيسي للشؤون الأمنية أحمد جمال الدين، وإدارة الأجهزة الرقابية تحت إشراف الوزير محمد عرفان المقرب من السيسي ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، بهدف إحكام السيطرة على جميع الأجهزة الحيوية.