الرواية الجزائرية الجديدة.. مأزق المصطلح وتشظي الأسئلة

الرواية الجزائرية الجديدة.. مأزق المصطلح وتشظي الأسئلة

28 يونيو 2015
مقطع من عمل لـ حمزة بونوا
+ الخط -

لا يمكن الحديث عن الرواية في الجزائر دون الوقوع في مطب التصنيف أو في مزالق المصطلح، لأنّ الرواية الجديدة في حد ذاتها تحيل إلى تيار روائي ظهر في فرنسا خمسينيات القرن العشرين، وهي الرواية التي وصفها النقاد بـ "الشيئية"، التي لم تكن تحتفل بالبطل ولا بأحواله النفسية أو الاجتماعية. بل إنها رواية ضد الدخول في مطبخ السياسة مثلاً. ولكن هل الرواية الجديدة في الجزائر تحمل مثل هذه المواصفات؟

ماذا عن الرواية الشبابية؟ هل يصلح هذا الاصطلاح للإمساك بتلابيب ما ينشر اليوم في الجزائر من أعمال سردية؟ فالمصطلح يحيل أساسا إلى شريحة عمرية (الشباب)، دون أن يكون مؤشراً على جماليات محددة، ولا على خصوصيات فنية تمتّ بصلة إلى هذه التجارب.

صحيح أنّ جيلاً من الشباب دخل مغامرة الكتابة الروائية، وقد نذكر أسماء مثل: علاوة حاجي "في رواية أخرى"، عبد الرزاق بوكبة "جلدة الظل" و"ندبة الهلالي" وشرف الدين شكري "جبل نابليون الحزين" والخير شوار "حروف الضباب"، سعيد خطيبي "كتاب الخطايا"، و"ثقوب زرقاء" محمد جعفر و"هذيان نواقيس القيامة"، إضافة إلى إسماعيل يبرير "وصية المعتوه" و"باردة كأنثى"، وديهية لويز "سأقذف نفسي أمامك"، ونوال جبالي "فنتازيا على فخد الشيطان" وضاويا كربوس "عودة برج أيفل لآية عجيبة"، وكذلك عبد الوهاب عيساوي "سييرا دي مويرتي"، سمير قسيمي "الحالم".

المشترك بين هذه الأسماء هو العمر، وهو مؤشر على أنّ هذه التجارب انطلقت من نفس السياق الزمني وهي تتحرك في نفس النطاق التجاربي (اجتماعياً ولغوياً وثقافياً ونفسياً وسياسياً). كما أن هذه التجارب لم تحظ بالاهتمام الأكاديمي في مجالي النقد والدراسات الأدبية، علماً أنّ تناول العمل الروائي بالبحث الأكاديمي لا يعد مؤشراً دقيقاً على نوعية أو فرادة هذه التجربة أو تلك.

لكن، هل يكفي عامل الجيل أو العمر لبناء تصوّر نظري حول الرواية التي تُكتب اليوم في الجزائر؟ من هذه الجهة، لا يمكن قراءة هذه الأعمال خارج العلاقة مع التجارب السابقة التي مثّلت جيل المخضرمين أو الجيل التسعيني الذي كان هو الآخر موضوعاً لجدل نقدي حول نوعية الرواية التي كتبها، والتي التصقت بها صفتا التسرع والضعف الفني.

ويعتبر هذا الجيل بمثابة جسر يصل بين تجربة المؤسّسين والمخضرمين من كتاب الرواية كعبد الحميد بن هدوقة والطاهر وطار ورشيد بوجدرة وواسيني الاعرج، الجيل الذي أصبح يمثّل اليوم مرجعاً للرواية الجزائرية، واتخذت رواياته صفة الروايات الأبوية التي أحيطت بنوع من الاحترام العام، بغض النظر عن قيمتها الفنية والجمالية.

فالرواية التسعينية كانت رواية التعبير عن مخاض لميلاد أفق روائي من رحم الأزمة الوطنية، التي حملت وجوهاً متعددة: فشل مشروع المجتمع الحداثي التعدّدي ودخول الجزائر في دوامة العنف بكل أشكاله، وهو العنف الذي سوّغ للبعض تسمية ما كتبه جيل تلك المرحلة بـ "الرواية الاستعجالية".

وقد اعتبر البعض أنّ سبب تسمية هذه الرواية بـ"الاستعجالية" أنها لم تمنح نفسها الوقت الكافي للتأمل في أدواتها، بل كانت مهمة الروائي آنذاك طارئة؛ التعبير عن آلام الفرد الجزائري ويومياته مع الموت. وإن كان المصطلح أصبح لصيقاً بتلك الفترة، بل أصبح مصطلحاً مكرساً في الكتابات النقدية وحتى الجامعية.

فما هي أحلام هذا الجيل الجديد اليوم؟ أي جيل ما بعد العشرية الدموية؟ هل طوى صفحة الماضي الدموي؟ كيف هي علاقته بالكتابة؟ ما تصوره لفن الرواية؟ ما هي مرجعياته؟ ما الإضافة الأسلوبية والشكلية التي يمكن أن يضيفها إلى المتون التي سبقته؟ ما علاقته بالتاريخ والسياسة؟

المساهمون