التشدّد يدفع إلى إبعاد القاصرين عن ذويهم

التشدّد يدفع إلى إبعاد القاصرين عن ذويهم

16 مارس 2015
بعض الممارسات مرتبطة بالخوف من الإرهاب (العربي الجديد)
+ الخط -

تركّز الدنمارك جهودها اليوم، شأنها شأن دول غربيّة عدّة، على مكافحة التشدّد والتطرّف. فبعد الاشتباه ببعض الأفراد، تعمد إلى مراقبتهم وملاحقتهم أمنياً وقضائياً. وإذا تأكّد تورّط أحدهم أو لحظت السلطات المعنيّة تهديداً يطال من حولهم لا سيّما القاصرين، فهي قد تنقل الأخيرين إلى رعاية أخرى.

وقد أقدمت بلدية آرهوس (غرب البلاد) على إبعاد فتى (15 عاماً) دنماركي من أصول عربيّة عن عائلته، بحجة أنه قال في المدرسة: "لا مشكلة في عمليات انتحاريّة ضد اليهود والكفار". وقد نقلت صحيفة "يولاندس بوستن" في عددها الصادر في 28 فبراير/شباط الماضي، أن البلديّة اعتمدت في قراراها على بلاغ مفاده أن الأب يشجّع ابنه على السفر إلى سورية والقتال في صفوف تنظيم "داعش" أيضاً.
لكن من هم على معرفة بالعائلة ومحيطها، لم يصدقوا ذلك. فيقول عبد الصمد لـ "العربي الجديد": "من يصدّق أن فتى يواظب على دروسه يفكّر بذلك؟ وأن أباً يفكّر في إرسال ابنه البالغ من العمر 15 عاماً بينما يحلم بأن يتخرّج ولده من الجامعة؟". ويأتي ذلك، في حين يطالب السياسيّون المواطنين بالحذر والتبليغ عن كل ما يشتبهون به. فالمملكة مهووسة هذه الأيام بالأمن، بعد هجوم كوبنهاغن الأخير في منتصف فبراير/شباط الماضي.

قضيّة هذا الفتى ليست جديدة، بل الكشف عنها هو المستجدّ. ومنذ سبتمبر/أيلول 2014، تعيش عائلته ظروفاً صعبة. وهو ما زال حتى اليوم بعيداً عنها، على الرغم من أن الأب حاول مراراً إقناع الشرطة والبلدية بأن تلك "الوشاية" غير صحيحة. لكن للمعنيّين رأياً آخر.
حاولت "العربي الجديد" سؤال المعنيّين في بلدية آرهوس عن مكان الصبي، لكنها لم تحصل إلا على إجابة مقتضبة مفادها أنه في "مؤسسة مغلقة خاصة بالقاصرين" يُمنع البوح بمكانها. لكن، وبعد محاولات لمعرفة طبيعة تلك المؤسسة، تبيّن أنها واحدة من الإصلاحيات المخصصة للمراهقين الذين يعانون ظروفاً اجتماعية وشخصية صعبة أدت بهم إلى ارتكاب مخالفات قانونية.

وتثير قضيّة إبعاد هذا الفتى الدنماركي من أصول عربيّة عن عائلته، كثيراً من اللغط القانوني والسياسي. وفي التفاصيل أنه وبقرار بلدي وليس بقرار قضائي، قُطعت الصلة ما بين الفتى وأهله. وهو لم ينقل إلى عائلة أخرى لترعاه، بل إلى مؤسسة "مغلقة"، أي سجن للقاصرين يُمنعون من الخروج منه بهدف "إعادة التأهيل". كذلك يُمنع النزيل من التواصل مع ذويه حتى بالبريد الإلكتروني أو الهاتف. وعند سؤال وزير الشؤون الاجتماعية والدمج مانو سارين عن القضيّة، فضّل عدم التعليق مكتفياً بتأييده كل خطوة من شأنها محاربة التطرف والتشدد.

من جهتها، تقول الموظفة في شؤون رعاية الأطفال بيرتا يونسون لـ "العربي الجديد"، إن هذه القضيّة "تنطوي للأسف على مخاطر كثيرة. فإبعاد قاصر عن أهله ووضعه في بيئة جنائيّة ومنعه حتى من لقائهم، سيولّد لديه غضباً شبيهاً بما عانى منه عمر عبد الحميد منفّذ هجوم كوبنهاغن". وتشير إلى عدم اكتراث من قبل المعنيّين لنتيجة تلك الممارسات التي قد ينطلق بعضها من الخوف من الإرهاب ومن الإسلاموفوبيا التي تنتشر. أما الباحثة الاجتماعية بيرغيتا يابيسن فتعبّر لـ"العربي الجديد" عن خشيتها من "تنامي الإسلاموفوبيا".

تقرّ الدنمارك والدول الاسكندنافيّة كافة بإبعاد القاصر عن عائلته، لحماية حقوقه من العنف العائلي وسط عدم تقديم الرعاية الصحيحة له. لكن هذا الإبعاد يكون الحل الأخير بعد استنفاد معظم الخيارات المتاحة الأخرى، كجلسات التأهيل الأسري بمشاركة اختصاصيين اجتماعيين ونفسيين وموجهين تربويين. ونقل القاصر من وسط عائلي ومنزل إلى مؤسسة مغلقة، لا يتمّ إلا إذا كان يعاني من مشكلات تقتضي العزل. والحلّ يكون عادة بإيجاد عائلة أخرى مستقرّة ترعى القاصر المعنيّ لفترة زمنية محددة.

ويبدي بعض الأهالي من العرب والمسلمين قلقهم عند استخدام هذا القانون في مسائل تتعلق بظهور أي ميل لدى أبنائهم لا سيّما المراهقين، نحو التديّن. فعدد كبير من هؤلاء يرون أن المسألة لا تتعلق بالتشدد بقدر ما هي مرتبطة بضبط الميول نحو التديّن الذي يراه كثيرون ممراً عادياً في خلال بحث المراهق أو المراهقة عن هويتهما.