اعتاد علي عبد الرحمن (29 عاماً) على لقاء أصدقائه في منطقة الفضل وسط العاصمة بغداد كل يوم جمعة. يجلس معهم في أحد المقاهي أو المنازل. يتحمل علي مشقة الطريق من بيته في حي القاهر المعروف باختلاطه الطائفي. ويواظب على لقاء أصدقائه في المنطقة ذات الغالبية السنية.
يرى علي أنّ "الدين واحد والإسلام واحد، ولا مشكلة شرعية في زواج السنّي من الشيعية أو العكس".
وعلى هذا الأساس، التقى قبل خمس سنوات بزوجته السنّية أمية (27 عاماً)، في منطقة الفضل، وأحبّها منذ ذلك اليوم. لم تمنعه الأحداث الطائفية، والضغوطات التي مارسها عليه أهلها طوال هذه السنوات من الارتباط بها. فقد تكاتف كلّ أصدقائه السنّة معه. وتقدم في يونيو/حزيران الماضي لخطبتها. لكنّ أحداث الموصل التي بدأت في العاشر من الشهر نفسه، دفعت أهل العروس إلى تأجيل الخطبة، وسط تعنّت أحد أشقائها.
لكن، بعد تدخل أصدقاء الطرفين، وافق الأهل. وتم زواجهما في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي.
قبل سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، كان الزواج المختلط بين الطائفتين، أو حتى بين القوميات المختلفة، أمراً شائعاً ومقبولاً في العراق. أما اليوم، فمن الصعب التأكيد على أنّ الأمر ما زال يحافظ على الوتيرة السابقة نفسها. فقد انعكست أحداث الحرب الأهلية بين الجماعات المسلحة من الطائفتين بعد عام 2006، بشكل مأساوي، على العديد من العوائل المختلطة. كما يتحدث بعضهم عن عمليات طلاق تسببت بها الحرب. وغالباً ما يكون دافعها المباشر إحدى عائلتي الزوج والزوجة.
من جهته، يعتبر الباحث في الشؤون الاجتماعية هاني عبد الواحد في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "الطبقة السياسية هي من كانت وراء تأزم الموقف الاجتماعي بين الأسر العراقية، لا سيما بين الطائفتين السنية والشيعية. لكنّ الأحزاب العاملة في الحكومة والبرلمان هي على وجه الخصوص، المسبب الرئيسي لانتشار الصبغة الطائفية".
مصاهرة
ويضيف أنّ "الزواج المختلط لم ينبثق من فتوى دينية أو دعوة سياسية. إنّما جاء عبر التلاقي الاجتماعي الأسري والسكاني. فخلال السنوات الماضية لم يهتم أحد بالطائفة، في التقدم للخطبة. لكنّ السنوات التي سبقت أحداث 2006 وصولاً إلى عام2010 ربما شكلت عائقا أمام الزواج المختلط".
ويتابع: "لكن منذ عام 2010 وحتى يونيو/حزيران الماضي، كان هنالك اندفاع كبير في المصاهرة السنية والشيعية، بهدف تخفيف الاحتقان الطائفي. إلاّ أنّ ظهور داعش وربطه بالطائفة السنية، وقتال ميليشيات شيعية لمناطق سنية، أعاد التفكير مرة أخرى لدى العراقيين في اختيار زوجة من هذه الطائفة أو تلك". ويشير عبد الواحد إلى أنّ الحاصل اليوم "إقبال ضعيف على الزواج من الطائفة الأخرى بحسب إحصاءات القضاء العراقي".
وعلى الصعيد نفسه، يقول القاضي رياض كريم الواسطي لـ "العربي الجديد" إنّ "ازدياد نسبة العنف في البلاد، خاصة بعد أحداث الموصل كان السبب الأهم في عودة التوتر في بناء العائلات العراقية المختلطة".
العنف الطائفي
ويؤكد الواسطي، الذي يعمل في محكمة الأحوال الشخصية في منطقة الكرادة المختلطة طائفياً، أنّ عقود الزواج التي أشرف عليها منذ شهر يونيو/حزيران حتى نهاية أغسطس/آب اختلفت، نوعا ما، عن العقود التي أشرف عليها قبل عامين. ويقول إنّ السبب "هو التناحر والعنف الطائفي اللذين زجت فيهما عوائل من المذهبين".
ويتابع الواسطي أنّ إحصائية، أجرتها وزارة العدل بالتعاون مع وزارتي الداخلية والتخطيط، أثبتت أنّ عامي 2012 و2013 كانا من أكثر الأعوام زيادة في الزواج المختلط. فقد سجلت محاكم الأحوال الشخصية خلالهما تقدم عقود الزواج المختلط بين السنّة والشيعة بنسبة 37 في المائة، أما العقود بين المسيحيين والمسلمين، التي جاء أغلبها من الوسط الجامعي، فوصلت إلى 8 في المائة.
في المقابل، يكشف القاضي رشاد رسول، الذي يعمل في محكمة الأحوال الشخصية في مدينة الصدر ذات الغالبية الشيعية، لـ "العربي الجديد" أنّ عام 2014 شهد حالات طلاق بنسبة أكبر من الأعوام السابقة. ويقول: "لا يمكن أن نعزو ذلك إلى الاحتقان الطائفي بشكل أساسي. فنسبة الطلاق بين أبناء الطائفة الواحدة تفوق بشكل كبير نسبة الزواج المختلط. لكن هذا لا يمنع أن تكون أسباب الطلاق في الزواج المختلط الحرب الطائفية، أو ربما الضغوط التي تمارس على الزوجين من قبل الأهل والشارع".
وتتحدث بعض التقارير من منظمات المجتمع المدني عن وجود أكثر من مليونين ونصف مليون أسرة عراقية قائمة على الزواج المختلط بين السنة والشيعة. وهو ما يمثل نحو ثلث عدد أسر المجتمع العراقي.
احتقان طائفي
يؤكد مختصون في الشأن الديني أن لا شيء يمنع الزواج المختلط. ويرى الشيخ أوس الموسوي، إمام وخطيب جامع أئمة البقيع في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "العنف الطائفي وتعرض الآلاف من الشيعة للقتل على أيدي متشددين من السنة الذين لا يمثلون الطائفة السنية، ربما أثّر نوعا ما على الزواج المختلط، على الأقل في العام الجاري، بعد أحداث الموصل، لكن من الواجب الديني أن يكون هنالك نصح وتوعية للشباب بعدم ترك هذه المصاهرة".
ويضيف: "نعمل بالتعاون مع الحوزة العلمية في النجف، وبتوجيه من المرجعية كي يكون هنالك دفع ودعم للزواج المختلط. وتم تخصيص مبالغ مالية جيدة للراغبين بالزواج، بخاصة من طائفة أخرى، حتى نقلل من الاحتقان الطائفي الذي يريد البعض للعراق أن ينزلق فيه نحو الهاوية بلا عودة".
كما يذهب إمام وخطيب جامع الصدّيقة عائشة، الشيخ فاروق الهيتي، إلى الرأي نفسه. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الدين لم يمنع أن تكون هنالك زيجات بين السنة والشيعة. لكن ما جعل بعض الشبان والشابات ينفرون من الزواج المختلط، هو الفتوى التي تطلق من كلا الطائفتين من مشايخ لا يفقهون في الإسلام شيئاً". ويؤكد الهيتي أنّ هنالك "تنسيقاً عالي المستوى بين مشايخ السنة والشيعة من أجل درء الفتنة ودعم الزواج المختلط".
يرى علي أنّ "الدين واحد والإسلام واحد، ولا مشكلة شرعية في زواج السنّي من الشيعية أو العكس".
وعلى هذا الأساس، التقى قبل خمس سنوات بزوجته السنّية أمية (27 عاماً)، في منطقة الفضل، وأحبّها منذ ذلك اليوم. لم تمنعه الأحداث الطائفية، والضغوطات التي مارسها عليه أهلها طوال هذه السنوات من الارتباط بها. فقد تكاتف كلّ أصدقائه السنّة معه. وتقدم في يونيو/حزيران الماضي لخطبتها. لكنّ أحداث الموصل التي بدأت في العاشر من الشهر نفسه، دفعت أهل العروس إلى تأجيل الخطبة، وسط تعنّت أحد أشقائها.
لكن، بعد تدخل أصدقاء الطرفين، وافق الأهل. وتم زواجهما في الخامس والعشرين من يوليو/تموز الماضي.
قبل سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، كان الزواج المختلط بين الطائفتين، أو حتى بين القوميات المختلفة، أمراً شائعاً ومقبولاً في العراق. أما اليوم، فمن الصعب التأكيد على أنّ الأمر ما زال يحافظ على الوتيرة السابقة نفسها. فقد انعكست أحداث الحرب الأهلية بين الجماعات المسلحة من الطائفتين بعد عام 2006، بشكل مأساوي، على العديد من العوائل المختلطة. كما يتحدث بعضهم عن عمليات طلاق تسببت بها الحرب. وغالباً ما يكون دافعها المباشر إحدى عائلتي الزوج والزوجة.
من جهته، يعتبر الباحث في الشؤون الاجتماعية هاني عبد الواحد في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "الطبقة السياسية هي من كانت وراء تأزم الموقف الاجتماعي بين الأسر العراقية، لا سيما بين الطائفتين السنية والشيعية. لكنّ الأحزاب العاملة في الحكومة والبرلمان هي على وجه الخصوص، المسبب الرئيسي لانتشار الصبغة الطائفية".
مصاهرة
ويضيف أنّ "الزواج المختلط لم ينبثق من فتوى دينية أو دعوة سياسية. إنّما جاء عبر التلاقي الاجتماعي الأسري والسكاني. فخلال السنوات الماضية لم يهتم أحد بالطائفة، في التقدم للخطبة. لكنّ السنوات التي سبقت أحداث 2006 وصولاً إلى عام2010 ربما شكلت عائقا أمام الزواج المختلط".
ويتابع: "لكن منذ عام 2010 وحتى يونيو/حزيران الماضي، كان هنالك اندفاع كبير في المصاهرة السنية والشيعية، بهدف تخفيف الاحتقان الطائفي. إلاّ أنّ ظهور داعش وربطه بالطائفة السنية، وقتال ميليشيات شيعية لمناطق سنية، أعاد التفكير مرة أخرى لدى العراقيين في اختيار زوجة من هذه الطائفة أو تلك". ويشير عبد الواحد إلى أنّ الحاصل اليوم "إقبال ضعيف على الزواج من الطائفة الأخرى بحسب إحصاءات القضاء العراقي".
وعلى الصعيد نفسه، يقول القاضي رياض كريم الواسطي لـ "العربي الجديد" إنّ "ازدياد نسبة العنف في البلاد، خاصة بعد أحداث الموصل كان السبب الأهم في عودة التوتر في بناء العائلات العراقية المختلطة".
العنف الطائفي
ويؤكد الواسطي، الذي يعمل في محكمة الأحوال الشخصية في منطقة الكرادة المختلطة طائفياً، أنّ عقود الزواج التي أشرف عليها منذ شهر يونيو/حزيران حتى نهاية أغسطس/آب اختلفت، نوعا ما، عن العقود التي أشرف عليها قبل عامين. ويقول إنّ السبب "هو التناحر والعنف الطائفي اللذين زجت فيهما عوائل من المذهبين".
ويتابع الواسطي أنّ إحصائية، أجرتها وزارة العدل بالتعاون مع وزارتي الداخلية والتخطيط، أثبتت أنّ عامي 2012 و2013 كانا من أكثر الأعوام زيادة في الزواج المختلط. فقد سجلت محاكم الأحوال الشخصية خلالهما تقدم عقود الزواج المختلط بين السنّة والشيعة بنسبة 37 في المائة، أما العقود بين المسيحيين والمسلمين، التي جاء أغلبها من الوسط الجامعي، فوصلت إلى 8 في المائة.
في المقابل، يكشف القاضي رشاد رسول، الذي يعمل في محكمة الأحوال الشخصية في مدينة الصدر ذات الغالبية الشيعية، لـ "العربي الجديد" أنّ عام 2014 شهد حالات طلاق بنسبة أكبر من الأعوام السابقة. ويقول: "لا يمكن أن نعزو ذلك إلى الاحتقان الطائفي بشكل أساسي. فنسبة الطلاق بين أبناء الطائفة الواحدة تفوق بشكل كبير نسبة الزواج المختلط. لكن هذا لا يمنع أن تكون أسباب الطلاق في الزواج المختلط الحرب الطائفية، أو ربما الضغوط التي تمارس على الزوجين من قبل الأهل والشارع".
وتتحدث بعض التقارير من منظمات المجتمع المدني عن وجود أكثر من مليونين ونصف مليون أسرة عراقية قائمة على الزواج المختلط بين السنة والشيعة. وهو ما يمثل نحو ثلث عدد أسر المجتمع العراقي.
احتقان طائفي
يؤكد مختصون في الشأن الديني أن لا شيء يمنع الزواج المختلط. ويرى الشيخ أوس الموسوي، إمام وخطيب جامع أئمة البقيع في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ "العنف الطائفي وتعرض الآلاف من الشيعة للقتل على أيدي متشددين من السنة الذين لا يمثلون الطائفة السنية، ربما أثّر نوعا ما على الزواج المختلط، على الأقل في العام الجاري، بعد أحداث الموصل، لكن من الواجب الديني أن يكون هنالك نصح وتوعية للشباب بعدم ترك هذه المصاهرة".
ويضيف: "نعمل بالتعاون مع الحوزة العلمية في النجف، وبتوجيه من المرجعية كي يكون هنالك دفع ودعم للزواج المختلط. وتم تخصيص مبالغ مالية جيدة للراغبين بالزواج، بخاصة من طائفة أخرى، حتى نقلل من الاحتقان الطائفي الذي يريد البعض للعراق أن ينزلق فيه نحو الهاوية بلا عودة".
كما يذهب إمام وخطيب جامع الصدّيقة عائشة، الشيخ فاروق الهيتي، إلى الرأي نفسه. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "الدين لم يمنع أن تكون هنالك زيجات بين السنة والشيعة. لكن ما جعل بعض الشبان والشابات ينفرون من الزواج المختلط، هو الفتوى التي تطلق من كلا الطائفتين من مشايخ لا يفقهون في الإسلام شيئاً". ويؤكد الهيتي أنّ هنالك "تنسيقاً عالي المستوى بين مشايخ السنة والشيعة من أجل درء الفتنة ودعم الزواج المختلط".