80 في المائة من العشائر العراقية مطاردة

80 في المائة من العشائر العراقية مطاردة

25 فبراير 2015
طلب الحماية والدعم من العشيرة (فرانس برس/GETTY)
+ الخط -

كلما ضعفت الدولة وعجزت عن مسك زمام الأمور، برز نفوذ العشيرة في المجتمع، خصوصاً في المجتمعات ذات الطابع القبلي والتي تعاني منذ عقود من الحروب كما هو الحال في العراق. وهنا تبرز العشائر التي تلعب دوراً أساسياً في سياسة البلد واستقراره، حيث يلجأ الأفراد للاحتماء وطلب المؤازرة والحماية من عشائرهم، بعد أن أصبح من غير الممكن طلب ذلك من الدولة.

وتصدر بين الحين والآخر أصوات تطالب بالتعاطي مع العشائر العراقية كواحدة من أهم الوسائل الفاعلة في المجتمع العراقي، والتي لا يمكن إغفال وجودها، حيث إنها تعمل بالتفاعل مع جميع القضايا التي تعصف في البلد، والذي يعيش ضعفاً واضحاً وتلكؤاً في جميع مرافقه لا سيما الأمنية منها.

الشيخ غضنفر المهداوي قال لـ"العربي الجديد" إن اللجوء إلى التنظيم العشائري لفرض سيطرته على المجتمع المنهك، يبدو الخيار الوحيد للأفراد في أوقات الأزمات للحفاظ على حياتهم وممتلكاتهم، إذ إن استعانة الدولة بالعشائر يعبر بلا شك عن ضعفٍ واضح في فرض سلطة القانون.

ولا يمكن القول إن العشائر العربية السنية متماسكة وتقف مع بعضها البعض، خصوصاً في محافظة ديالى، وهذا ينطبق تقريبا على المحافظات التي تعاني من انفلات الوضع الأمني، حيث إن أكثر من 80 في المائة من العشائر "السُنية" أصبحت الآن مطاردة ومُحاربة وتعاني الأمرين من المليشيات المتنفذة وداعش، فكلا الطرفين يعملان على مُحاربة وطرد العشائر، لذا تجد أن أبناء تلك العشائر مُهجرون ولا يملكون الدعم أو السلاح للدفاع عن أراضيهم، بينما تجد عشائر أخرى مدعومة داخلياً وخارجياً وبكافة الوسائل.


وأضاف المهداوي "لا يمكننا السكوت على هذا الأمر وسط الفوضى واغتصاب الأراضي وتهجير الناس من مناطقهم، ولا يمكننا البقاء مكتوفي الأيدي، إما أن نحارب وندافع عن أنفسنا وأراضينا، وبهذا نحتاج إلى الدعم اللوجستي، أو نطالب بإقليم يحفظ لنا أرضنا وكرامتنا".

وأكد أن "تطبيق سلطة القانون يواجه عقبات كبيرة في المدن الرئيسة، فما بالك بالريف العراقي وقراه الواسعة، والاضطراب الأمني المتواصل أكد عجز الحكومات المتعاقبة، منذ الاحتلال الأميركي، عن محاصرة الإرهاب والعنف الطائفي، وعليه وجب اللجوء إلى كل ما يدعم تثبيت سلطة الدولة حتى تقف على قدميها في عملية مجابهة الإرهاب ووقف العنف، وانتشال مناطق كثيرة في العراق من هوة الاحتراب الطائفي لما لهذه العشائر من نفوذ وكلمة مسموعة على أفرادها، لا سيما بعد دخول تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وازدياد عدد المليشيات والاعتراف بها رسميا".

ويرى الشيخ أحمد محمود العكيدي أن المجتمع العراقي مجتمع قبلي وعشائري، والعشائر فيه مترابطة اجتماعياً ومتصاهرة فيما بينها، وهذا ما يجعل لرمز العشيرة رأيا مسموعا ومؤثرا لدى أفراد العشيرة في الأوضاع السياسية والأمنية، كما أن لدى العشائر العراقية دورا في استتباب الأمن من خلال توعية أبنائها وإسناد القوات الأمنية، ومن خلال غرس روح الأخوة في ما بينها وبين القبائل الأخرى، وإشاعة روح المحبة والإخاء بين عموم المجتمع.

الباحث والمستشار الإعلامي عبد الملك الحسيني قال لـ"العربي الجديد" إن العشائر العراقية متجذرة عبر تاريخ طويل، ولا يستطيع أحد القفز أو تجاوز هذا الأمر، حيث إن مجتمعنا العراقي ليس مجتمعاً واحداً لا في السياسة ولا بغير ذلك، بل هو شعب فيه العديد من المكونات والأقليات، ومجتمعات متمايزة ومختلفة، رغم تمتعها جميعها بسمات مشتركة".

ويتابع"العراق مطلع القرن العشرين كان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وما ميّزه بأن الشعب كان موحداً، والدليل على ذلك مشاركته بمواجهة الاحتلال الإنكليزي، وكذلك تماسكه في ثورة العشرين، والتي كانت دليلاً على التضامن الشعبي، حيث برزت من خلاله القيادات العشائرية، ومن أبرز العشائر البو عامر، الجبور، وشمر وغيرها، واستطاعت أن تشكل وحدة متكاملة في مقاومة الإنكليز وحتى في الحرب العراقية الإيرانية".

يبين الحسيني أن "في واقعنا المعاصر، أثبتت العشائر أنها قادرة على حل أزمات عجزت عنها القوة الدولية والدليل على ذلك محاربتها ومن خلال تشكيل الصحوات بزمن قياسي، ومحاربتها تنظيم القاعدة من بعد أن عجز الجيشان العراقي والأميركي عن دحرهم، وقد اضطرت الأحزاب السياسية والشخصيات المرشحة اللجوء لعشائرهم، وظل دور العشيرة ذا تأثير على نتائج الانتخابات وبالتالي على صنع القرار".


واعتبر أن "العشائر اليوم تعاني من مخطط لتفكيكها وإنهاء دورها في المشهد العراقي من خلال الأحزاب والطائفية، هذا الأمر سيسهم بشكل فاعل في تمزيق الشعب العراقي وصناعة أو خلق بؤر الصراعات بالعراق، وبالتالي إضعافه بشكل عام من خلال إضعاف القوة العشائرية، وهذا يتيح للقوى الخارجية تفكيك العراق وتحويله إلى دويلات صغيرة، بعد أن عجزت المؤسسات الحكومية عن توحيده أو المحافظة عليه".

ويرى الحسيني أن تسليح العشائر أو القبائل في المناطق السنية أمر غاية في الصعوبة إن لم يكن غير ممكن، في ظل أزمة ثقة بين الحكومة العراقية والجهة التي يمكن أن تمثل هذا المكون في ظل تعدد القيادات وعدم وجود جهة واحدة تمثلهم، وهذا على الأقل ما تقوله الجهات المعنية بأمر تسليح العشائر في مناطق الصراع.

وأضاف الحسيني أن المجازر التي قام بها "داعش" ضد بعض القبائل مثل البو نمر والبيجات والتكارتة، والمجارز بحق أبناء الشيعة في المناطق السنية لفك الارتباط العشائري هو "الاستهداف المنظم للعشائر"، معتبراً أنه يفترض على أي دولة أن تتجه نحو المدنية والمؤسساتية، إلا أن الواقع الصعب في العراق يحول دون ذلك، فنجد القيادات السياسية تلجأ إلى عقد المؤتمرات العشائرية عند شعورهم بأنهم فشلوا بتحقيق شيء لجماهيرهم.

اقرأ أيضاً:عراقيّون مخطوفون ضحايا الطائفية والابتزاز والمافيات 
اقرأ أيضاً:سماسرة يبيعون عراقيين أراضي مملوكة للدولة