يوم اهتزّت الأرض تحتنا

يوم اهتزّت الأرض تحتنا

03 مايو 2015
كانت وجوه الناس كافية لوصف المأساة (Getty)
+ الخط -

عندما قصد رضا المولى (لبناني) وأصدقاؤه الأربعة نيبال، كانوا يرغبون باكتشاف طبيعتها. فعلوا وقد شهدوا الكارثة الطبيعية التي ضربتها. هنا، يروي الشاب ما خبِره.

صباح الأربعاء 22 إبريل/نيسان المنصرم، وصلنا إلى كاتمندو (عاصمة نيبال). كنا في إجازة، وهدفنا جبال نيبال.

كنا حائرين. لم نعرف كم من الوقت تستلزم زيارة العاصمة، قبل الانطلاق إلى الجبال. لكننا عدنا لنعمل بنصيحة أصدقاء لنا سبق وقصدوا البلاد. قضينا ليلة واحدة هناك، وتوجهنا في اليوم التالي إلى بوكرا. استمرّت الرحلة ست ساعات، مع إن المسافة بين المدينتَين لا تتعدى 200 كيلومتر.

وصلنا بوكرا وقد حل الليل، فقررنا النوم باكراً إذ إن رحلتنا تبدأ عند الفجر. انطلقنا صباح الجمعة، وتسلقنا نحو ألف متر حتى وصلنا إلى قرية سارانغوت. أذهلنا لطف وبساطة الناس. راحوا يرحبون بنا. الكلّ يحيّيك قائلاً: "نماستيه".

سارانغوت قرية صغيرة في أعالي الجبال، قبالة جبال هملايا. قصدناها خصوصاً لمشاهدة شروق الشمس من وراء تلك الجبال. كان المنظر مذهلاً بحق. وهناك عند أعلى التلة، كان السياح كثيرين.

صباح السبت 25 إبريل/نيسان، لم تسمح لنا الأحوال الجوية بالانطلاق في رحلتنا التالية مشياً على الأقدام. فرحنا في جولة بالسيارة للتعرف إلى بعض قرى الجبل.

كانت الطريق وعرة، وكانت السيارة ترتجّ. أحسسنا بأنها ستنقلب بنا. عند الظهر، تلقى مرشدنا السياحي ساندو اتصالاً من كاتمندو. ضرب زلزال البلاد.

توقفنا. ما أحسسنا به في السيارة كان الزلزال. جلسنا لبضع دقائق. فجأة، بدأنا نسمع الحيوانات تصيح من كل أنحاء الغابة حولنا. هي مجرّد ثوانٍ، وراحت الأرض تهتز بنا من جديد. كانت تلك أول هزّة ارتدادية. الإحساس غريب جداً. الحيوانات تصيح وسكان القرية يهرعون إلى خارج بيوتهم، والأرض تتمايل تحت أرجلنا. لم نستوعب حجم الكارثة، فأكملنا طريقنا وتفقدنا قريتَين يسكنهما لاجئون من التيبت. شاهدنا في طريقنا بعض البيوت وهي تنهار. لكننا لم نكن ندري بعد حجم الكارثة في كاتمندو.

عدنا إلى بوكرا، ليلاً. كان المنظر هناك غريباً. كل الناس خارج بيوتهم. حتى صاحب الفندق ترك بيته وقرر النوم على الأرض خارجاً. وقرابة الساعة الخامسة من فجر اليوم التالي، اهتزت الأرض بنا. هرعنا إلى خارج الفندق. المشهد نفسه. أهل المدينة كلهم في الطرقات، ويصرخون ويحاولون الاطمئنان إلى بعضهم بعضاً، في حين كانت الحيوانات تصيح. أما نحن، فكنا نراقب من على الهضبة حيث يقع الفندق. كانت تلك الهزّة الارتدادية الثانية.

جاءت الهزة الارتدادية الثالثة عند الظهر. كانت قوية جداً (6.9 على مقياس ريختر). خفنا جداً وأحسسنا بأن الفندق سيقع على رؤوسنا هذه المرة. رحنا نرتجف من الخوف. حالة غريبة وإحساس غريب. كأنما الأدرينالين يتدفّق في داخلك وينذرك بالخطر. نادر، بدأت رجلاه ترتجفان. رمزي، يداه. من جهتي أحسست بخوف يلتقطني بمعدتي، حثني على الركض. لا أنسى مشهد خزانات المياه وهي تتمايل يميناً ويساراً على الأبنية أمامنا، ولا صوت الحديد وهو يحتك بالباطون من تحتها.

بعد هذه الهزة، اتخذنا قرارنا بالعودة إلى كاتمندو.

لكن الأمر كان مستحيلاً. الوضع هناك مأساوي، بحسب الأخبار الواردة. أمضينا تلك الليلة نُطمئن ذوينا من خلال موقع "فيسبوك" ونحاول الاطمئنان إلى أصدقاء لنا كانوا في العاصمة في أثناء الزلزال. هؤلاء الأخيرون أخبرونا أنهم اضطروا إلى النوم في حديقة الفندق، وأن المناطق السياحية التي زرناها في يومنا الأول تهدمت كلياً.

انتظرنا في بوكرا فتح الطريق. عاد ساندو إلى قريته، وعلمنا لاحقاً أن بيته تهدم بالكامل، وأنه خسر أحد أفراد عائلته في كاتمندو. أما خميس، دليلنا السياحي في كاتمندو، فهو أيضاً خسر بيته. لكنه اتصل بنا ليؤمن عودتنا إلى ديارنا.

صباح الإثنين 27 إبريل/نيسان، انطلقنا إلى العاصمة. استمرت رحلتنا تسع ساعات بسبب ضيق الطرقات، واضطررنا إلى التوقف لثلاث ساعات بسبب انهيار جبل.

وكانت المفاجأة الكبرى في كاتمندو. كان المشهد الذي طالعنا مأساوياً بكل ما للكلمة من معنى.. دمار في كل مكان، وخيم نصبت في الطرقات. كانت وجوه الناس كافية لوصف المأساة. مررنا بجنازة لضحايا سقطوا في الزلزال. كان ذلك مؤثراً جداً.

حاولت التحدّث مع الناس هناك، هؤلاء الذين خسروا بيوتهم وذويهم. روى لي أحدهم أن الزلزال قذف به إلى خارج الحمام واضطر إلى الاختباء تحت طاولة. أما سائحة أسترالية، فوصفت "الإحساس بأنه شبيه بما نشعر به عندما ينعطف قطار فجأة ويقذف بنا من جهة إلى أخرى. الزلزال كان أشبه بخمسة عشر منعطفاً متتالية في خلال دقيقة واحدة".

أمضينا ليلة الإثنين في فندق على مقربة من مطار كاتمندو. قرابة الساعة الخامسة صباحاً، هرعنا خارجاً. هزّة ارتدادية أخرى. لم تكن قوية جداً، لكننا شعرنا بها. أنا شخصياً ذعرت.
وفي صباح اليوم التالي، توجهنا إلى المطار. كان المشهد مأساوياً أيضاً. الآلاف ينتظرون خارجه. الهند وعدت رعاياها بإجلائهم، فقصدوا كلهم المطار. مرّ اليوم الثالث، وكانوا لا يزالون ينتظرون وفاء سلطات بلادهم بوعدها.