أم أحمد في شوارع القاهرة

أم أحمد في شوارع القاهرة

26 يونيو 2015
تفضل أم أحمد الزبائن النساء (العربي الجديد)
+ الخط -

مجالات كثيرة اخترقتها المرأة المصرية في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة معظمها اقتصادي. وتلفت النظر في شوارع القاهرة والمدن الكبرى نساء يعملن سائقات سيارات تاكسي وميكروباص، لينلن أسوة بالرجال لقب "الأسطة".

من هؤلاء الحاجة أم أحمد، أو فوزية عبد الرحمن، السيدة الخمسينية التي تستأجر شقة بسيطة في منطقة بولاق الدكرور، أكثر المناطق الشعبية ازدحاماً. وتعتبر نموذجاً للمرأة المصرية المكافحة، التي واجهت العديد من التحديات لتربية أبنائها الثلاثة بعد وفاة زوجها، معتمدة على عملها كسائقة تاكسي.

تقول أم أحمد: "قبل وفاة زوجي منذ 10 أعوام، كان التاكسي الذي يقوده هو مصدر دخلنا الوحيد. لم يكن موظفاً في القطاع العام أو الخاص، ولا مورد دخل ثابتاً لنا. فإذا مرض زوجي أو تعطل التاكسي، تعطلت حياتنا". وتضيف: "في أحد الأيام، ولكثرة تعب زوجي من التهاب الغضروف، عرضت عليه أن أتعلم القيادة وأباشر العمل بالنيابة عنه عندما تكون ظروفه الصحية سيئة. لكنه غضب بشدة وقال لي إنّ من المعيب أن أعمل في هذه المهنة.. لكنّه رضي بعد أيام عندما شرحت له هدفي بالكامل، وبدأ بتعليمي القيادة".

تتابع أم أحمد بحسرة: "كان القدر ينتظرنا.. فبعد عام من تعلمي القيادة توفي زوجي، وأطفالنا في مراحل تعليمية مختلفة. وبينما طلب مني البعض بيع التاكسي رفضت ذلك، وبدأت العمل عليها".

وعن تلك البداية تقول: "كوننا نعيش في منطقة شعبية كنت بالنسبة للناس شيئاً غريباً أثار دهشتهم واستغرابهم. كذلك، رفض أهلي الفكرة، لكن بعد فترة بدأوا يتقبلونها، وباتوا يضربون بي المثل عن الكد والعمل".

تقول أم أحمد: "أنا أوصل رسالة للجميع أنّ المرأة مثلها مثل الرجل يمكنها العمل في أي مجال ومن الممكن أن تتفوق عليه.. أقف مع الميكانيكي عند التصليح، وأغسل سيارتي بنفسي، ولا أخجل من تغيير الإطار، أو النزول تحت التاكسي لإصلاح الأعطال.. بدأت عملي في شوارع محدودة من القاهرة، والآن أعمل في كافة الأماكن على مدار اليوم".

وتتابع: "الظروف الاقتصادية هي التي تدفع المرأة إلى العمل بدلاً من مد اليد. وهنالك نساء كثيرات يعملن في مهن شريفة كالحلاقة والسباكة وطلاء السيارات وغيرها من المهن الصعبة".

أما في مجال عملها، فتفتخر أم أحمد أنّها لم ترتكب أي مخالفة مرورية حتى اليوم. وعن المواقف الطريفة التي تصادفها تقول: "في إحدى المرات حاول راكب وضع يده على الكرسي الذي أجلس عليه، وكنت أستمع إلى أم كلثوم، وعندما طلبت منه إبعاد يده وجدته يضحك بصوت عالٍ.. فأوقفت التاكسي وأنزلته". وتتابع: "وفي مرة أخرى ركب رجل دين معي، ومع تحركي انتبه أنّي سيدة، فطلب مني إنزاله فوراً". كما تشير إلى أنّ بعض الرجال يرفضون دفع أتعابها، فتحاول إقناعهم بهدوء أنّ هذا العمل الشريف يساعدها على مواجهة أعباء الحياة.

أما عن العلاقة مع السائقين الآخرين من الرجال، فتروي حادثة: "كنت مرة بالقرب من منطقة الحسين، واقترب مني سائق تاكسي يصرخ بي: أنتم تريدون منافستنا في هذه أيضاً!؟ فرددت عليه: أنا أعمل مثلي مثلك، ولا أحد ينافس الآخر، فالرزق مكتوب". كما تشير إلى "تعليقات سخيفة" تجاهها من جانب سائقي الميكروباص والتوك توك. وفي المقابل هناك من يرفعون معنويات أم أحمد بكلمات رقيقة وجميلة.

تقول أم أحمد إنّها تفضل الزبائن النساء، وكثيراً ما يدور حديث بينهن أثناء التوصيلة، وقد يكون حديثاً في الشؤون الحياتية أو السياسية أو المنزلية. وتؤكد أنّ "الحديث مع الرجال فيه حرج، خصوصاً أنّ بعضهم قد يحوّر أي حديث إلى غاية في نفسه، ويظن أنّ الست أمامه فاسدة فيطمع بها".

وعن حياتها المنزلية، تقول أم أحمد: "أنا حريصة على أداء صلاة الفجر وإعداد الطعام اليومي لأولادي، كما أفضل أن أخرج بسيارتي باكراً. وبالرغم من ساعات العمل الطويلة في الزحام أشعر بالراحة لأنني أجد نفسي في ما أقوم به. أعود إلى البيت أحياناً في فترة الظهيرة، أما غير ذلك فبحسب ظروف العمل. ابني الكبير يعمل في القطاع الخاص، ويحاول إقناعي بعدم العمل على التاكسي. أما ابنتي التي نالت الدبلوم في التجارة فتنوب عني في الأعمال المنزلية في غيابي. ابني الأصغر يدرس سنته الثانية في اختصاص السياحة والفنادق".

تختم أم أحمد: "لست إنسانة متعلمة، لكني أعرف من ركاب التاكسي أنّ نسبة الفقر في مصر تتعدى 40 في المائة.. بالنسبة لي أعيش مع عائلتي مستورة، وأتمنى أن أكمل رسالتي بتزويج أبنائي".

اقرأ أيضاً: الحاجة فاطمة تحترف العالم الافتراضي

المساهمون