نابولي في الشامبيونزليغ.. كلمات ساري الأخيرة

نابولي في الشامبيونزليغ.. كلمات ساري الأخيرة

08 مارس 2017
ريال مدريد أنهى مغامرة نابولي في التشامبيونز (Getty)
+ الخط -

"حينما كنت طفلا صغيرا في فالدرانو، يشجع كل الأطفال يوفنتوس وميلان وإنتر، وكنت الوحيد الذي أشجع نابولي"، يتحدث ماوريزيو ساري كمشجع قبل أن يكون مدربا لفريق الجنوب الإيطالي، النادي الذي يتمتع بشعبية جماهيرية عملاقة، ويُعرف عن أنصاره التعصب الشديد لكل ما يخص فريقهم. إنها الصدفة الأجمل من ألف ميعاد، التي جعلت الموظف السابق للبنك يحول هوايته إلى واقع، ويحترف مهنة التدريب ثم يحصل على فرصة عمره ويتولى قيادة عشقه الأبدي، هي قصة أشبه بالحلم في أدق تفاصيلها.

كرة ممتعة
يقدم نابولي تحت قيادة ساري كرة قدم ممتعة، جذابة، شيقة، مثيرة للاهتمام والتقدير. صحيح أنهم لم يحققوا بعد أي بطولة تحت قيادته، لكن هناك تحسنا واضحا على مستوى الأداء وطريقة اللعب، لدرجة زيادة شعبية هذا الفريق في أوروبا والعالم، نظرا للعمل التكتيكي الفعال الذي يقدمه المدرب ومعاونوه، لكن في قوانين الكرة الحديثة، من الصعب جدا هزيمة فريق بطل بالكرة الجميلة فقط، لذلك صعد ريال مدريد في النهاية بنتيجة 6-2 وفق مجموع المباراتين.

يلعب ساري في أغلب مبارياته بطريقة لعب 4-3-3، رباعي دفاعي أمامه ثلاثي وسط وثلاثي هجومي متحرك. ويلجأ دائما في خططه إلى الحركة المستمرة بالكرة ومن دونها، عن طريق البناء من الخلف بالمدافعين، وتحرك لاعبي الوسط في كل اتجاه، وتبادل المراكز بين المهاجمين بالثلث الأخير، ليشعر المشاهد بصعوبة بالغة في تحديد مركز كل لاعب بالفريق، هكذا فلسفة الإيطالي في تغطية أكبر قدر ممكن من المساحات بالمستطيل الأخضر.

كرة القدم القائمة على الأسلوب هي من صنعت الشهرة لفريق نابولي الحالي، فالمجموعة تمرر بسرعة وخفة في أضيق الفراغات، ويعتبر ممثل الجنوب من أفضل أندية القارة على مستوى البناء من الخلف، لدرجة تفوقه في هذا السياق على فرق عملاقة مثل برشلونة كمثال، لأن ساري يجرب أفكاره الجريئة في التدريبات يوميا، وحفظ لاعبوه ما يريده مدربهم بالتدريج، ليظهر هذا التوافق في معظم المباريات بالدوري والشامبيونزليغ، مع تسجيل أهداف عديدة بنفس الطريقة تقريبا.

اليسارية الخططية
يطبق الفريق الإيطالي تكتيك الهجوم اليساري داخل الملعب، بوضع عدد كبير من لاعبيه في هذه المنطقة، وضرب الخصم أسفل الأطراف بالتمريرات المتتالية التي تمتزج بالحركة. وأمام ريال مدريد تكرر هذا الأمر كثيرا بالشوط الأول، ليصل نابولي إلى مرمى نافاس في أكثر من محاولة، ويسجل ميرتينز هدف التقدم مع إضاعة عدة فرص من زملائه. ومع كل هذه الهجمات، بقيت الجبهة اليسرى هي الأساس لدرجة أن الجناح الأيسر إنسيني لمس الكرة 66 مرة في أول 45 دقيقة.

يتحرك دياوارا كثيرا حول الدائرة، ويصعد المدافع كوليبالي بالكرة من الخلف إلى نصف ملعب المنافس، وعندما يحاول وسط الريال الضغط من أجل قطع الكرة، يبدأ خط الظهر الإيطالي في لعب عدة تمريرات عرضية متوقعة، ثم يعقبها تمريرة أخرى عمودية إلى الثلث الهجومي مباشرة، في أغلب الأحوال تكون من كوليبالي إلى هامسيك، أو من نفس المدافع إلى إنسيني، مع صعود فوزي غولام على اليسار لحجز الظهير الأيمن المقابل، كارفخال في ريال مدريد.

تتم صناعة المثلث المنشود بواسطة غولام، إنسيني، وهامسيك على اليسار، ويرتبط مباشرة بقلب الدفاع الذي يخرج بالكرة من الخلف، ليصل الفريق إلى مرمى الريال بهذه الخلطة السحرية، خصوصا مع عودة ميرتينز خطوات للخلف، ليربط مع زميله هامسيك كما حدث في الهدف الأول. هكذا يلعب نابولي في معظم مبارياته، بالبناء الذكي من الخلف والتمريرات القصيرة التي ترتبط بقطع مباشر من الوسط الهجومي إلى داخل منطقة الجزاء، كرة قدم مرتبة ومنظمة للغاية.

نواقص ساري
تبقى الفروقات كبيرة للغاية بين فريق بحجم نابولي وخصم بقيمة وخبرات الريال، لكن هذا الأمر ليس عذرا لساري، لأنه رغم تقدمه في النتيجة خلال جولتي الذهاب والإياب، فشل فريقه في الحفاظ على التفوق ليخسر بالثلاثة. وتكررت هذه القصة بحذافيرها في أكثر من مباراة محلية، بمجرد استقبال هدف أو التأخر في النتيجة، يتحول نابولي إلى فريق آخر تماما، فعلها أمام يوفنتوس بالكأس وكررها مرتين ضد الميرينغي بالأبطال.

رغم كل ما قدمه ساري مع نابولي، إلا أن هذه الكرة الجميلة لا تزال منقوصة بسبب الأخطاء الناتجة عن التمركز الدفاعي السيئ، فالفريق دخل مرماه أهداف غزيرة ببطولة الدوري، بسبب ضعف الارتداد بالنسبة للظهيرين غولام والسيد هساي، مع وجود مساحات خلفهما أثناء التحول من الهجوم إلى الدفاع، كذلك سوء الحالة الدفاعية للفريق ككل في ألعاب الهواء، فالإسباني ألبيول ضعيف في هذا الجانب، بينما زميله كوليبالي يركز أكثر على مساندة الوسط في التمرير والبناء.

عاد الريال ذهابا برأسية بنزيما، وسجل راموس هدفي العودة في مباراة الإياب بالسان باولو. ويُحسب أيضا على ساري تاريخيا تأخر تغييراته وقلة تأثيرها عندما يتراجع في النتيجة، كإخراجه لآلان وإشراكه لماركو روغ، وتفضيله لزيلينسكي البديل على حساب جورجينيو الذي ظل حبيسا للدكة طوال المباراة، رغم أنه أفضل في التمرير والصناعة من دياوارا لاعب الارتكاز أمام الدفاع.

لذلك رغم كل إيجابيات ساري خلال مسيرته برفقة نابولي، بقيت هذه السلبيات لتضع علامة استفهام كبيرة حول مردوده بالمباريات الحاسمة. وبالعودة إلى مباريات نابولي بالكالتشيو، سنجد نفس المشاكل تقريبا خصوصا أمام يوفنتوس، مجرد تقدم ثم نهاية سيئة، وفي حالة التأخر بالنتيجة، يتسرع اللاعبون ويبدأ الجهاز الفني في التفاعل متأخرا، لتنتهي النتيجة في أغلب النهايات بالهزيمة أو التعادل كأسوأ خيار ممكن.

روح الفريق
هناك مصطلح معروف في الأوساط الكروية يعرف بروح الفريق، وهذا التعريف لا يرتبط فقط بالغرينتا والحماس وهذه النواحي الجماهيرية، بل يتعلق أكثر بشخصية الفريق الكبير في المواقف الصعبة من المباريات، عندما يتأخر في النتيجة، ينهزم بفارق كبير، يستقبل هدفا غير متوقع، يواجه ظروفا معقدة، وقتها يظهر مدى ترابط المجموعة ذهنيا ونفسيا، حتى ينعكس هذا الأمر بالإيجاب أو السلب على بقية المجريات، وهذا ما يفتقده نابولي ويتواجد في ريال مدريد.

تحتاج عملية صناعة هذه الروح إلى سنوات وسنوات، وبالتالي فإن ساري بريء تماما من هذه النقطة، صحيح أنه مقصر بعض الشيء في بعض الأمور الأخرى كالانضباط الدفاعي والتغييرات، إلا أن عامل التاريخ قال كلمته في النهاية بالمباراتين، فنابولي لعب بشكل رائع لكنه انهار سريعا بعد تأخره في النتيجة، عكس الريال الذي أجاد في العودة لأنه معتاد على مثل هذه المواقف، لتكون النتيجة النهائية شبه متوقعة.

ساري مثله مثل سامباولي وتوخيل وآخرين، مجموعة نجحت في خلق حالة كروية خاصة، تمتاز بالجرأة والمبادرة واللعب الهجومي الفعال، لكن لا يزال ينقصها الكثير لتحقق البطولة المرجوة، لكن المشكلة ليست في الطاقم الفني لهؤلاء، بل في تركيبة الفريق ككل، لأن النادي البطل يحتاج لسنوات من أجل صنع الشخصية وثقل القميص، حتى يستطيع مزج التطور التكتيكي الجديد بالقيمة النفسية التي تضمن التكيف مع الظروف غير المتوقعة.

كما نجح ماوريزيو في ضم ميليك ودياوارا، يحتاج الرجل الإيطالي إلى مدافع قائد في الخلف، يغطي خلف زملائه ويصحح الهفوات السهلة، بالإضافة إلى حارس شاب يزاحم بيبي رينا على الخانة الأساسية، مع ظهير أيمن يحرك الجهة الضعيفة بعض الشيء مقارنة بالعمل الرائع على اليسار، لأن الفريق الذي يلعب على البطولة يحتاج إلى الحفاظ على نظافة شباكه مع التفكير في التسجيل، إنها قواعد اللعبة الآن، وعلى الجميع احترامها إذا أرادوا الوصول إلى منصات التتويج.

المساهمون