Drops of God... ليس أكثر من مسابقة مسلية للجمهور

Drops of God... ليس أكثر من مسابقة مسلية للجمهور

19 مايو 2023
تبدو شخصية المنافس الياباني مثالاً على الجمود الياباني الذي يقدّس العمل (IMDb)
+ الخط -

مشهد أول، تظهر فيه طفلة جميلة في الثامنة من عمرها، معصوبة العينين، تتذوق نكهات مختلفة، وتبدو أنها تخضع إلى تدريب صارم. نرى بعدها الوقت الحاضر، والفتاة أصبحت الشابة الآن لا تستطيع شرب الكحول، وقطرة واحدة في فمها كفيلة بإدخالها إلى المشفى.

الصورتان السابقتان تقدمان نموذجاً للإنسان العبقري في المخيلة الشعبية؛ طفولة قاسية ذات خصوصيةٍ ما، وحساسية عالية، أكثر من اللازم، تجاه شيء ما. في هذه الحالة، الكحول. سبق أن قُدّمت شخصية عبقرية أنثى بهذه الطريقة منذ وقت قريب، في مسلسل The Queen's Gambit، ولاقت نجاحاً جعلها نموذجاً للفتاة الغريبة التي ستنقذها عبقريتها من حياتها البائسة. وإن رأينا في The Queen's Gambit قصة بلوغ لطفلة خرجت من الميتم إلى عائلة مفككة واستفادت من عبقريتها لتنجو. كان نموذج الفتاة الصغيرة العبقرية هذا ناجحاً لدرجة تمكننا من الحكم على Drops of God بأنه استخدم هذا النموذج لتسويق العمل، خصوصاً أن العمل مقتبس عن مانغا (كوميكس ياباني) بطلها شاب ياباني. وكما ترى بطلة The Queen's Gambit رقعة شطرنج على السقف، ترى كاميل عوالم من الألوان عندما تشم أو تتذوق. المختلف هو أننا لن نرى كاميل تبلغ، إنما البطلة تعود إلى الوراء إلى طفولتها لتنجو وتتطور.

نعرف منذ البداية، قبل بداية الأحداث، أن كاميل تواجه مشكلة مع الكحول، لديها ماضٍ يشي بموهبة ما، وأيضاً لديها علاقات فاشلة مع الرجال. جاءت كل هذه المعلومات دفعة واحدة للانتقال إلى الحبكة الأساسية: المسابقة.

يأتي اتصال مفاجئ من والد كاميل الذي لم تره منذ سنوات طويلة، يخبرها أنه على وشك الموت، وعليها زيارته فوراً في طوكيو. ويخبرها أنه حجز لها طائرة، فتذهب بسرعة من فرنسا إلى اليابان لتحصل على إجابات منه، لتصل وتجده ميتاً. تُعرض عليها وصية إرثه الذي هو عبارة عن منزل في طوكيو قيمته سبعة ملايين دولار، ومجموعة نبيذ فاخرة. كان والد كاميل خبير نبيذ شهير، واتخذ من أحد طلابه اليابانيين المدعو إيسي ابناً روحياً، وعلى كاميل وإيسي التنافس في مسابقة من عدة مراحل لتحديد أنواع النبيذ المقدمة لهما. الفائز في النهاية يحصل على كامل الإرث.

حاول صنّاع العمل، على الرغم من الإرث الهائل، وضع أهداف أعمق لكلا المتسابقين. فكاميل، من خلال الرحلة التي ستخوضها في التدريب والتعلم، هدفها العميق هو فهم والدها، والتخلص من الرواسب النفسية السيئة التي سببه لها هوسه بالنبيذ. أما الشاب الياباني المنافس، فهو أيضاً ليس بحاجة إلى المال تماماً، كونه الابن الوحيد لعائلة تعمل في الألماس في طوكيو. مع ذلك، يحاول إيسي الخروج عن مسار عائلته التي يجد أفرادها تعساء، ويلحق بشغفه وهو النبيذ، إضافة إلى محاولة إثبات أنه هو ابن ليجي أكثر من ابنته البيولوجية التي لا تفهم شيئاً في الكحول.

مع هذه الإضافات، لم يبد حقاً أن العمل يقدم ما هو أعمق من مسابقة مسلية للجمهور، نتيجتها ستحرر الفائز، أياً كان، من مشكلات تخصه، كما في المسلسل الكوري Squid Game. ففي الحلقة الثالثة فقط، نعرف نتيجة الاختبار الأول، لنعرف أن ما ينتظرنا هو المزيد من الاختبارات، واليأس، ولحظات تضع حياة المتنافسين الشخصية على المحك لتزيد من إثارة المسابقة.

في المانغا الأصلية، تدور الأحداث في اليابان، والشخصيات جميعها يابانية. في المسلسل، صارت البطلة فتاة فرنسية، وهذا مفهوم لنستطيع مقاربة ثقافة والدها التي ستبدو أكثر منطقية إن كان فرنسياً بدلاً من أن يكون يابانياً، كما أن بطلاً أو بطلة من أوروبا سيعطيان المسلسل جماهيرية أعلى. ما لم يكن مفهوماً هو طوكيو، وطقوس حرق الجثة اليابانية، والتجول في طوكيو ومطاعمها، وكذلك صديق الأب الإسباني وابنه.

نعيش جولة بين ثقافات متعددة تزين العمل في البداية، لكن لاحقاً يتضح أنها تُثقل عليه ليس إلا. مع ذلك، قد تساهم النقلات بين الحقول الفرنسية والمباني اليابانية في السيطرة على ملل قد يقع فيه المشاهد بسبب كثير من السرد حول النبيذ وأنواعه. هذا السرد هو بالضبط ما بُني عليه نجاح المانغا، عالم النبيذ الهائل من خلال بطل يستطيع الشم والتذوق بشكل مميز ويشرح لنا عمق هذه الصناعة. أما في مسلسل قصير لجماهير قد لا تهتم بالموضوعة، وأيضاً وسيط بصري لا يمكن استخدامه كمرجع هواية مثل المانغا الورقية التي تحتمل سرد الكثير من المعلومات وطي الصفحات، لا بد من السيطرة على المتعة البصرية كي لا يفقد المشاهد اهتمامه.

يكمن السؤال هنا في ما تقدمه هذه الحالة العالمية أبعد من الحيلولة من دون الوقوع في الملل. هل يحاول صنّاع العمل خلق منافسة بين العبقرية الأوروبية المتمثلة بكاميل ووالدها ومدربيها الفرنسيين وصديق والدها الإسباني، في مقابل الاجتهاد والعمل الجاد الذي تشتهر به دول آسيا الكبرى واليابان تحديداً؟ هذا احتمال وارد بشكل كبير، إذ تبدو شخصية المنافس الياباني وعائلته مثالاً تقليدياً وكليشيه للجمود الياباني الذي يقدّس العمل.

مع تصاعد الاهتمام بالصحة النفسية، فإن وضع المشكلة النفسية بشكل طبي قد يشكل ورقة رابحة للأعمال الدرامية، لكن على العكس من المطلوب كنا أمام حالة مباشرة لا تستفز عقل المشاهد وتلقنه الفكرة تلقيناً. في الحلقة الثانية فقط، تشرح لنا طبيبة مشكلة كاميل مع الكحول، ولماذا تسبب لها ردة الفعل المرضية الحادة هذه.

وبعد أن نعرف بشكل دقيق توصيف الحالة بالصدمة النفسية، تخبرها الطبيبة أن الشفاء من الصدمات النفسية ليس سهلاً، مع ذلك خلال وقت قصير لا يتجاوز الشهر في زمن العمل، تتذكر كاميل فجأة كيف حدث هذا، وكيف أن الذنب لم يكن ذنب والدها، كما تكتشف معلومات أخرى في وقت قياسي، الأمر الذي يسمح لها بالمضي قُدماً في تدريبها على تذوق النبيذ.

يبدو أن اقتباس 44 مجلد مانغا لمسلسل قصير أجبر صناع العمل على تعجيل الحلول، لكن مسألة التروما وعلاجها السريع هذا كانت واحدة من أكبر نقاط ضعف العمل، وسرعة الشفاء أعادت مخيال الصحة النفسية الذي يُقدم في السينما والتلفزيون بشكل غير دقيق غالباً، ما جعل شرح الطبيبة للتروما هنا أمراً لا داعي له ولم يستطع تقديم صورة صحيحة للمشكلات النفسية. بالتأكيد ليس واجب الفن تقديم معلومات ما، لكن السياق هنا جعل من البطلة شخصية كليشيه عليها أن تعاني من خطب ما كثمن لعبقريتها، وما شرح الحالة بالتفصيل سوى محاولة لمواكبة معرفة الجمهور بشكل أكبر في مجال الصحة النفسية.

المساهمون