"7 شتاءات في طهران": قصة مؤثّرة لكنّ القالب تلفزيوني

"7 شتاءات في طهران": قصة مؤثّرة لكنّ القالب تلفزيوني

20 ديسمبر 2023
ريحانة جبّاري: "هذه حقيقتي. هذه كرامتي" (گلاره سجادیان/فرانس برس)
+ الخط -

 

القصة حقيقية: شابّة تبلغ 19 عاماً، تطعن، بسكين مطبخ، مُعتدياً عليها يريد اغتصابها. الشابّة إيرانية، والمعتدي مسؤول في جهاز سرّي رسمي ما. مُتديّن ومتزوّج وله عائلة محافظة. هي ابنة عائلة تختلف، كلّياً، في نمط التفكير والتربية والعلاقات عن عائلة المعتدي المقتول. انفتاحٌ هادئ وعقلانيّ، وتربية قوامها احترام متبادل بين الجميع، وللمرأة حضورٌ يتساوى وحضور الرجل. لها شقيقتان، ووالداها منسجمان مع وضعٍ حياتي واجتماعي وثقافي يرتاحان إليه. كلّ شيء يتبدّل، لحظة انقضاض الشابّة على معتدٍّ جنسيّ، يتمتّع بحمايةٍ ذات أشكال عدّة، بينها قضاء يُسخِّر سلطته لتحصين المعتدي المقتول من كلّ شائبة.

القصة حقيقية: ريحانة جباري (6 نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 ـ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2014)، تُصبح رمزاً لنضال نسائيّ، يجهد في إنقاذ المرأة من اعتداءات شتّى، ومن تغييب مؤذٍ لأبسط الحقوق البشرية والطبيعية. ذات يوم (2007)، يسمعها رجلٌ، يُدعى مرتضى سارَباندي، تتحدّث في الهاتف مع من يريد منها تصميماً هندسياً ليُشارك به في معرضٍ دولي. يسألها عملاً له في عيادته، فهو طبيب تجميل كما يقول. العيادة لن تكون عيادة، بل منزلاً شخصياً، والباب يبقى مفتوحاً قبل إغلاقه بالمفتاح، وريحانة تريد خلاصاً لكنّها تفشل، والسكين على طاولة، والطعنة قاتلة.

هذه لحظة تحوّل تنتهي بإعدامٍ، رغم تظاهرات في مدن غربية، ومطالبات بمحاكمة عادلة. الأم شعله باكروان والشقيقتان شراري وشهرزاد يُغادرن البلد، بعد أشهرٍ طويلة من اشتغال على إنقاذ نساء ورجال من الإعدام، في ظلّ تهديدات مباشرة. الأب "مُعتقلٌ" في مدينته، فلا جواز سفر معه، ولا إمكانية خلاص.

تفاصيل المسألة مُتدَاولة حينها. 7 أعوام تمرّ قبل تنفيذ حكم الإعدام، فجلال، ابن المعتدي المقتول، يبلغ مرتبة من الضياع النفسي والروحي، إذْ يُصرّ على اعتراف ريحانة بغير الحاصل لإنقاذها من الموت، وريحانة تبلغ مرتبة مناقضة لتلك التي يبلغها جلال. كأنّها متصالحةٌ مع نفسها، وذاهبةٌ إلى حتفها من دون أنْ تخضع لكذبٍ، ومن دون مواربة، ومن دون تحايل على حقيقة أو قانون: "هذه حقيقتي. هذه كرامتي. إنّه الشيء الوحيد الذي لديّ"، تقول بإصرار.

7 أعوام، تُصبح "7 شتاءات في طهران" (2023)، للألمانية شْتيفي نيدرزُل (1981)، المشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، في الدورة الـ6 (14 ـ 21 ديسمبر/ كانون الأول 2023) لـ"مهرجان الجونة السينمائي"، بعد أشهرٍ على افتتاحه برنامج السينما الألمانية في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/ شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي". تعقِّب نيدرزُل على قول ريحانة: "إنّها فاقدةٌ كلّ شيء. تريد أنْ تتزوّج، وأنْ تُنجب أطفالاً. تعلم أيضاً التالي: إنْ تخرج من السجن، سيكون كلّ شيء مُختلفاً. لم يبق لها إلّا كرامتها. هذه قوّتها، ولهذا السبب تُصبح بطلة" (مالو هالاسا، The Markaz Review، مقالة/ حوار، 10 إبريل/ نيسان 2023. المجلة أدبية وثقافية إلكترونية، مقرّها مونبيلييه ـ فرنسا، تهتمّ بالأدب والثقافة في الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية).

 

 

فيلمٌ يوثِّق مراحل صعبة في سيرة ريحانة ويوميات عائلتها، بعيداً عن كلّ اشتغالٍ سينمائيّ يُخفِّف من ثقل الحكاية والحالة، أو يُتيح للصُور مساحة تعبيرٍ صامت عن قسوة وقهر وتمزّقات. فرغم أهمية الحكاية ـ الحالة، تكتفي نيدرْزُل بتوثيق تسجيلي أقرب إلى التلفزيوني من أيّ حساسية سينمائية، وتُمعن في إثارة مشاعر وغضبٍ وتعاطفٍ، عبر استخدامٍ غير موفَّق للموسيقى (فليمنغ نوركو) في مواضع غير محتاجةٍ البتّة إليها، إمّا لشدّة بؤسها وألمها، وإمّا لقسوة لحظتها وتأثيراتها. الحكاية بحدّ ذاتها مليئة بقهر وألمٍ وأذية، والحالة مشحونة بانفعالاتٍ لن تظهر كثيراً بشكلٍ مباشر، وهذا حسنٌ ومهمّ. لكنّ هذا كلّه غير محتاج إلى موسيقى.

التلفزيونيّ في "7 شتاءات في طهران" طاغٍ. مقابلات مع الوالدين والشقيقتين، وبعض معارف ريحانة في السجن، والمحامي محمد مصطفى، الوحيد الذي يوافق على استلام قضيّتها، فسابقون عليه رافضون ذلك لأسبابٍ، أبرزها عدم الرغبة في التعرّض لمضايقات وإزعاج. محاولة بصرية لإدخال السينمائيّ في النصّ (دراماتورجيا: سينا أتايان دينا؛ كتابة: شتيفي نيدرزُل) متواضعةٌ للغاية: امرأة تقف أمام مجسّم للغرفة الشاسعة في السجن، مع أسرّة وممرّات؛ استخدام تسجيلات صوتية لاتصالات هاتفية؛ تصوير سرّي لأمكنةٍ يُمنع التصوير فيها؛ لقطات عامة لطرقات مزدحمة، إلخ. لكنّ هذا غير نافع كلّياً، فالفيلم تسجيليٌ تلفزيوني، مدّته (97 دقيقة) أطول من مادته واشتغاله، ونصّه أقلّ من سرده الحكاية ومعاينته الحالة.

الوالدان والشقيقتان يتحدّثون كثيراً أمام الكاميرا (يولْيَا داشْنِر)، بهدوء وأسى وابتسامات، فالدموع قليلة، تلك التي تنهمر بعد تنفيذ الإعدام خاصة. صرخة الأمّ، وحسرة الأب المقهور، وتلك الابتسامة التائهة بين حزنٍ وسخرية وعبثٍ إزاء حياة وبلدٍ واجتماع وسطوة، مسائل حاصلة برويّة ومن دون افتعال، فالنسق المُعتَمَد في حياة آل جباري مبتعدٌ عن كلّ مباشرةٍ واستسلام وخنوع وتسليم، لكنّ المُصاب كبير، والنتيجة انسلاخ شابّة من عائلة مُحبِّة ومتحرّرة.

فيلمٌ "يتتبع الرحلة المأساوية لهذه الشابّة (البطلة)، التي تملك قوةً لدعم زميلاتها السجينات، وتُنظّم حملة لتحسين ظروف الاحتجاز"، تكتب كلاريس فابر في "لو موند" (صحيفة يومية فرنسية)، في 29 مارس/ آذار 2023. هذا يؤكّد أنّ المحتوى أهمّ من الشكل، وأنّ الجانب النضالي أقوى من الاشتغال السينمائي، وهذا الأخير شبه غائبٍ أصلاً.

المساهمون