موسيقيون أوكرانيون على عتبات الحرب... هجر روسيا ولغتها

موسيقيون أوكرانيون على عتبات الحرب... هجر روسيا ولغتها

24 فبراير 2022
عام 2019 منعت ماروف من تمثيل أوكرانيا في "يوروفيجن" (بافلو غونشار/Getty)
+ الخط -

لعقود طويلة، ارتبطت الموسيقى الأوكرانية بشكل مباشر بروسيا. هناك، في موسكو، حيث الجمهور الكبير، والمردود المالي المغري، والحفلات التي لا تنتهي، كان الموسيقيون الأوكرانيون يحيون حفلاتهم بشكل متواصل، مغنين باللغة الروسية، المحكية والمتداولة داخل أوكرانيا، إلى جانب لغة البلاد.
لكن عام 2014، كل شيء تغير. مع غزو روسيا لشبه جزيرة القرم وضمها، ثمّ تشجيع الانفصاليين في إقليم دونباس شرقي البلاد، خطا الموسيقيون الأوكرانيون خطوة إلى الخلف، معلنين وقف رحلاتهم وأعمالهم في روسيا، وتأسيس ما يشبه جبهة للمقاطعة الثقافية والفنية.

طبعاً لم تشمل الجبهة كل الموسيقيين أو الفنانين، لكن قسماً كبيراً من العاملين في المجال الفني أعلنوا مقاطعتهم النهائية لموسكو.

بدت الخطوة أشبه بالالتفاف حول هوية وطنية موحدة، بعدما كانت الهوية الأوكرانية نفسها مرتبطة بالروسية، سواء من ناحية اللغة، أو الموسيقى أو حتى الإعلام. فاللغة الأوكرانية على سبيل المثال كانت تعتبر لغة شعبية أو "لغة الفلاحين" خلال سنوات الاتحاد السوفييتي، بينما كانت اللغة الروسية هي لغة "المثقفين". واستمر هذا التنميط حتى سنوات قريبة. فمع غزو القرم، وتصاعد التهديدات الروسية وتراجعها بشكل مستمر خلال الأعوام الثمانية الماضية، أصدرت السلطات في كييف قوانين مختلفة تهدف إلى إعطاء الأولوية للغة الأوكرانية على حساب اللغة الروسية التي يتداولها الأوكرانيون بشكل تلقائي في يومياتهم.

عام 2016، صدر قانون يفرض على الإذاعات بث 35 في المائة من الأغاني باللغة الأوكرانية، و65 في المائة باللغات الأخرى. ثمّ في يناير/كانون الثاني الماضي، صدر قانون آخر يفرض على جميع وسائل الإعلام المطبوعة أن تنشر نسخات باللغة الأوكرانية، وطاول القانون بشكل خاص المطبوعات الصادرة بالروسية والإنكليزية.

في مقابلة مع موقع npr يتحدّث الموسيقي الأوكراني أنطون سليباكوف عن مقاطعة روسيا التي بدأها مع غيره من الفنانين عام 2014، "كان ذلك بمثابة رد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ادعى منذ فترة طويلة أن أوكرانيا ليست لها هوية وطنية منفصلة خاصة بها". لكن هذا الردّ وهذه المقاطعة، لم تأتِ من دون مخاطر وتهديدات. إذ يكشف الموسيقي الشهير أنه تجنب أخيراً رحلة إلى فنلندا لإحياء حفل هناك "لأن رحلة الطيران كانت تتضمن توقفاً في روسيا، خفت أن تحتجزني السلطات الأمنية الروسية في المطار".

عام 2016، صدر قانون يفرض على الإذاعات بث 35 في المائة من الأغاني باللغة الأوكرانية

مقاطعة الحفلات في روسيا لم تكن الخطوة الوحيدة التي اتخذها سليباكوف، بل تخلى كذلك عن كتابة الأغاني باللغة الروسية، بحسب ما يوضح لـnpr، "أكتب اليوم حصراً باللغة الأوكرانية" يقول، فحملت أولى أغنياته بلغته الأم عنوان "من أين أنت" التي عالجت قضية بحث الأوكرانيين عن هويتهم في ظل العلاقة التاريخية مع روسيا.

فرقة Okean Elzy، أكثر فرق الروك شهرة في أوكرانيا، اختارت هي الأخرى بعد 2014 تأدية أغانيها باللغة الأوكرانية بشكل حصري، رغم أنها قبل ذلك كانت تجول بشكل شهري في روسيا، وتردد أغانيها بالروسية.

موقف الفنانين الذي ترجم بهجر اللغة الروسية، تعبّر عنه قائدة الأوركسترا الأوكرانية الشهيرة أوكسانا لينيف، بشكل أكثر وضوحاً، ومباشرة، قائلة إنّ "الوجه الحقيقي لفلاديمير بوتين قد ظهر أخيراً، فهو يحاول أن يقدّم نفسه كعراب للفنون والثقافة (...) لكنه في الحقيقة ديكتاتور (...) يريد تدمير دولة مستقلة، أمة لها ثقافتها الخاصة، وأبجديتها الخاصة، ولغتها وتاريخها، وفنانيها وهويتها الخاصة". وفي حديث مع "دويتشه فيله"، تشير لينيف إلى أن الرئيس الروسي يسعى إلى تدمر 3 عقود من التطور الأوكراني بعيداً عن الحضن الروسي.

المواقف السابقة لأنطون سليباكوف، وOkean Elzy، وأوكسانا لينيف تأتي في سياق متواصل من محاولة الانفصال الموسيقي الأوكراني عن روسيا. ولعلّ الساحة الأوضح لمحاولة خلق هوية موسيقية أوكرانية خالصة، كانت مسرح "يوروفيجن". عرفت المسابقة الموسيقية الأشهر والأهم في أوروبا، أحداثاً مختلفة مرتبطة بأوكرانيا، وسعيها للانفصال الفني عن روسيا.

فرقة Okean Elzy اختارت بعد 2014 تأدية أغانيها باللغة الأوكرانية بشكل حصري

فعلى الرغم من أن "يوروفيجن" تسعى إلى تقديم نفسها كفعالية فنية بعيدة عن السياسة، إلا أنها كل عام تعكس التوترات السياسية الموجودة في أوروبا. نستعيد على سبيل المثال، حفل عام 2009 إبان التوتر بين روسيا وجورجيا، وقتها انسحب الفريق الجورجي، بعدما مُنع من أداء أغنيته التي اعتبرت "سياسية"، خصوصاً في عنوانها We Don't Wanna Put In الذي "حمل إشارة إلى رئيس الوزراء الروسي (وقتها) فلاديمير بوتين"، بحسب اللجنة المشرفة على المسابقة.

التجربة الأوكرانية في المسابقة حملت هي الأخرى تعقيداتها. عام 2016 فاز الفريق الأوكراني بالمسابقة، بعد تقديم أغنية النهائيات باللغة الإنكليزية مع مقاطع بلغة تتار شبه جزيرة القرم. اعتبر ذلك الفوز رسالة أوروبية إلى روسيا، بعد عامين من ضم القرم.

في العام اللاحق، أقيمت المسابقة في أوكرانيا (البلد الفائز)، وشهدت سلسلة من الأحداث الفنية بقالب سياسي بحت: منعت المتسابقة الروسية يوليا سامويلوفا من دخول كييف، بعدما تبيّن أنها أحيت حفلاً في القرم، بعد ضمها إلى روسيا، وهو ما يعتبر مخالفاً للقوانين الأوكرانية. احتجاجاً على هذا القرار، امتنعت القناة الروسية الأولى عن نقل المسابقة، لتعود سامويلوفا وتؤدي نفس الأغنية التي كان يفترض أن تغنيها في "يوروفيجن" في شبه جزية القرم في 9 مايو/أيار من ذاك العام، أي في عيد النصر السوفييتي على النازية.

دورة عام 2019 حملت معها أيضاً تطورات سياسية ــ موسيقية، بعدما أبعدت أوكرانيا الفنانة ماروف التي فازت بحق تمثيل بلادها في "يوروفيجن"، وذلك إثر رفضها التوقيع على وثيقة تمنعها من الغناء بالروسية. ليحذو حذوها الفائزان بالمرتبة الثانية والثالثة، ما اضطر أوكرانيا إلى الانسحاب من دورة 2019.

المساهمون