موسم الهجرة في الإعلام التونسي.. مع من يدفع أكثر

موسم الهجرة في الإعلام التونسي.. مع من يدفع أكثر

20 ابريل 2014
+ الخط -

من الطبيعي أن ترُوج في الصّحف المحليّة والأخبار الوطنيّة تنقلات اللاعبين من وإلى نوادٍ رياضية مختلفة. لكنْ ما ليس عاديّا في تونس، وما بات يُعدّ ظاهرة جديدة، هو تنقّلات الإعلاميين والمذيعين التونسيين من إذاعة إلى قناة ومن قناة إلى أخرى، كأن لا عقود هنالك يلتزم بها أيّ طرف. وعلى ما يبدو فإنّ الالتزام القانوني والأخلاقي الوحيد، في الإعلام المتفجّر بعد الثورة، هو الانتماء إلى "مـَنْ يدفع أكثر".

لا يمرّ أسبوع واحد إلا ونسمع عن مغادرة أحد الإعلاميين برنامجاً اشتهر بتقديمه على شاشة تونسية، بعد أن يكون قد حقّق شعبية كبيرة، ليحطّ الرحال في قناة أخرى بطرح جديد يختلف عن موقفه السابق. والمعيار الجديد هو الأجر لا السياسة.
سفيان بن فرحات، مقدّم برنامج "حوار خاصّ" على قناة "التونسية في بداية مشواره التلفزيوني، هجره واتجه نحو قناة "نسمة" الأكثر شراسة في منافسة "التونسية". أمر لم تستسغه إدارة القناة فأوقفت برنامجه، ليتّجه نحو قناة "تونسنا" ببرنامج جديد هو "rétroviseur". وهو يعمل في الوقت نفسه مقدّما في إذاعة "شمس إف إم". هناك اختلف مع الإدارة وقام بإضراب قاس ٍ عن الطعام للإبقاء على عقده. وبعد الملحمة النضالية وتضامن الصحافيين معه، تركها واتجه نحو إذاعة "كاب إف إم".

بعد هذه المسيرة الضّروس في ظرف لا يتجاوز عامين، يواصل سفيان بن فرحات عمله الأساسي كصحافي في صحيفة "الصحافة" ومذيع في راديو "كاب إف إم" ومقدّم في قناة خاصّة. ساعدته تحليلاته السياسية المتميّزة، وقدرته على إحراج الضيف بحجج دامغة، واستغلاله علاقاته الواسعة، في تحقيق سلاسل من السبق الصّحافي، مما دفع قنوات تلفزيونية وإذاعات كثيرة إلى التهافت على "اصطياده".

مثال آخر هو حمزة البلومي، مقدّم برامج آخر برز بعد الثورة، يقدم حاليا برنامجه "اليوم الثامن" على "التونسية". وقد انطلقت مسيرته التلفزيونية على شاشة "نسمة"، حيث اتسم بالرصانة والأسئلة الذكية وحسن توزيع النقاش بين الضيوف. ومنها توجّه إلى قناة "تلفزة تي في" قبل أن يحطّ الرحال أخيرا في "التونسية".

برنامج حمزة بلومي شبيه تماما ببرنامج "التاسعة مساء" لمعزّ بن غربية، البرنامج السياسي الأكثر نجاحا بحسب "الموقع الوطني لرصد عدد المشاهدين". بعد مشاكل معزّ مع الإدارة، كان اسم البلومي مطروحا بقوّة لاستبداله. فاستقال الأخير من قناة "تونسنا" حاملا معه طاقمه الصّحافي وتوجّه نحو "التونسية". كما استقال معزّ من "التونسية" في ظل موجة شائعات يومية عن تعاقده مع هذه القناة أو تلك. والبلومي، إضافة إلى كونه مقدّم برامج، فهو أيضا مذيع في "شمس إف إم".

مثالنا الثالث هو سمير الوافي، الذي أحدثت نقلته ضجّة في الصّحف والإذاعات. فهو متّهم بقربه من السلطات الحاكمة، وأسلوبه الاستفزازي يميّزه. يقدّم حاليا برنامج "لمن يجرؤ فقط" على "التونسية". وقد لاقى صدى واسعا بلغ في واحدة من الحلقات نسبة 60 في المائة  من عدد المشاهدين التونسيين، بحسب "موقع رصد المشاهدين". قبلها قدّم برنامج "الصراحة راحة" على قناة "حنّبعل". وقد حاولت إدارة قناة "المتوسّط" انتدابه وعرضت عليه راتبا مغريا إلا أنّه أرسى في مرفأ "التونسية".

عالم التلفزيون لم يقتصر على الصحافيين ومقدمي البرامج، فقد اقتحم الممثّلون والمسرحيّون هذا العالم، وبدل أن يكونوا ضيوفا فقط صاروا مسيّري النّقاشات والحوارات. منهم المسرحي الكوميدي جعفر القاسمي. فبعد إنتاجه مسرحيّتين أصبح مقدّم برنامج "فز تسمع العز" على راديو "إي إف إم"، وقدّم برنامج "شريك العمر" على "القناة الوطنية"، وهو برنامج هزلي اجتماعي. وهناك المسرحي معز التومي، بطل مسرحية "فركة صابون"، الذي يقدّم دور بطل المسرحية نفسه في الإذاعة. وكان قد قدّم برنامج "الصندوق" المنقول عن ""من سيربح المليون؟".

ومن المتنقّلين الإعلاميين بين القنوات، نذكر صلاح الدّين الجورشي، الذي عُرف بتحليلاته السياسية الموضوعية والمنطقية، وسفيان بن حميدة، الأستاذ الجامعي في معهد "الصّحافة" الذي، بعد الثّورة، بات المحلّل السياسي الرسمي لـ"نسمة"، قبل أن ينتقل إلى "تونسنا"، ورفقة جمال العرفاوي التي تعدّ أشهر المحلّلين في المشهد الإعلامي التونسي.

كلّ هذا يدلّ على التطوّر الكمّي في الإعلام التونسي، والنوعي أيضًا. وهذه التنقلات تعتبر جزءًا من "الخارطة الإعلامية" التونسية المتحرّكة بعد الثورة. ويدلّ على صراع الإعلاميين كامتداد لصراع القنوات التلفزيونية.

لكنّ تعدّد المؤسسات الإعلامية وتعدّد الإعلاميين لا يعني بالضرورة تحرّر الإعلام كليّا. هي جرعة من الحريّات مقبولة مقارنة بما كان يعانيه القطاع سابقا. والمشهد السّمعي البصري في تطوّر مستمر يُحسَب  بالتأكيد في إيجابيات الثورة التونسية.

 

 

 


 

 

 

المساهمون