"من يعتني بي": الروبوت أم الإنسان؟

"من يعتني بي": الروبوت أم الإنسان؟

28 اغسطس 2023
من المعرض (غاليري العلوم)
+ الخط -

تحوّل الذكاء الاصطناعي خلال سنوات قليلة من مفهوم خيالي إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأصبح التعامل معه واعتياد وجوده حتمياً، فيتسلل اليوم إلى مختلف جوانب الحياة من حولنا. ويتوقع الخبراء أنه في غضون سنوات قليلة قد تصبح الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي رفيقة لنا في الحياة، نتحدث معها ونشكو لها همومنا، بل يمكن للروبوت أيضاً أن يعتني بنا في أثناء مرضنا. وعلى قدر ما يثيره هذا التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي من مخاوف، يراه آخرون مؤشراً على ما يمكن أن يقدمه من خدمات في سبيل راحة البشرية ورفاهيتها. 
هذه المخاوف والطموحات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي تثيرها مجموعة الأعمال الفنية التي يستضيفها حالياً غاليري العلوم التابع للكلية الملكية في لندن حتى 20 يناير/ كانون الثاني المقبل. تُعرض هذه الأعمال تحت عنوان "من يعتني بي"، وقد ساهم في تنفيذها فنانون وأطباء ومرضى ومتخصصون في الرعاية الصحية. يدمج المعرض بين التعبير الفني والابتكار التكنولوجي ويُمكّن الزوار من التفاعل مع الذكاء الاصطناعي على المستويين الفكري والعاطفي.
يركز جانب كبير من الأعمال المعروضة على مسألة الرعاية الصحية، وهو جانب مهم، لكنه لا يخلو أيضاً من الإشكاليات. قد لا يرغب البعض في أن يتولى الروبوت القيام بالخدمات الشخصية المتعلقة بالجسد، كالاستحمام مثلاً، بينما يرى آخرون أن الأمر قد يرفع الحرج عن المريض ويحافظ على خصوصيته. 
إشكاليات مثل هذه وغيرها يثيرها المعرض في إطار لا يخلو من المرح والدعابة أحياناً. يستكشف المعرض كذلك التطبيقات الحالية والمحتملة للذكاء الاصطناعي وكيف يمكن أن يغير الطريقة التي نتعامل بها مع الرعاية الصحية. يرى مدير الغاليري، سيدهارث خاجوريا، أن معظم التخوفات الحالية متعلقة باحتمال تنامي هذا التداخل في المستقبل القريب، وهو ما حرصت الأعمال على تسليط الضوء عليه بشكل حيادي كما يقول.
يجمع المعرض 12 عملاً فنياً، بينها سبعة مشاريع فنية نُفذت بتكليفات مباشرة من قبل الغاليري. بين هذه المشاريع يبرز عمل الفنان ويسلي غواتلي "التقنيات المنسية"، وهو يحمل رسالة تحذير من المستقبل القريب غير المحدد. في هذا العمل يخبّئ الفنان عدداً من مكبرات الصوت الذكية المهملة داخل مكبّ للنفايات الإلكترونية. عند المرور عبر هذه النفايات يمكن للزائر سماع أصوات هذه العناصر الإلكترونية وهي تروي قصصاً مختلفة حول كيفية التخلص منها وسبب ذلك. 
وفي عملها "المستقبل هنا" تتعمق الفنانة ميمي أونوها في ما وراء الذكاء الاصطناعي، وتسلط الضوء على هؤلاء الأشخاص الذين يقفون خلف هذه البرمجيات الذكية وتشغيلها. ترى الفنانة أن البعض يظنون أن هذه الروبوتات تعمل باستقلالية عن البشر، إلا أن هذه البرمجيات تتطلب في الغالب عدداً كبيراً من العاملين في مجال التكنولوجيا. تبحث أونوها عن أماكن عمل هؤلاء المبرمجين الذين يعملون غالباً عن بعد عبر غرف النوم والمقاهي في الدول الفقيرة، ويحصلون على مقابل زهيد. تلتقط الفنانة صوراً لحجرات النوم والأماكن الفوضوية التي يعمل فيها هؤلاء المبرمجون. في مقابل هذه الصور، تُعرَض مشاهد أخرى للآلات والتجهيزات المنمقة التي تظهر في النهاية للمستخدم دون معرفة بالجهد الذي بذل من ورائها.  
بينما تركز معظم المشاريع على العلاقات الإنسانية مع الذكاء الاصطناعي، يسلط العمل الجماعي الذي تقدمه مجموعة Blast Theory على نوع ثالث لهذه الاستخدامات، المتمثل بعلاقة الذكاء الاصطناعي بالحيوانات. أقدمت المجموعة المؤلفة من فنانين وخبراء السلوك الحيواني ومسؤولي الرعاية الاجتماعية على القيام بتجربة على مدار ثلاثة أيام. 
تقدم هذه التجربة في شريط فيديو مدته خمس دقائق تحت عنوان "القط الملكي". في هذا العمل التركيبي تظهر ثلاث قطط أليفة تعيش في بيئة مصممة خصيصاً باستخدام الذكاء الاصطناعي. هذه المساحة المثالية المخصصة للقطط تتضمن أوكاراً مريحة ومناطق للاسترخاء وأماكن للتسلق.

في هذه المساحة تمارس القطط نشاطات مختلفة لجعلها أكثر سعادة، ويقوم نظام رؤية حاسوبي ومراقبون بشريون بقياس سعادة القطط، والتعرف إلى تفضيلاتهم الفردية مع مرور الوقت. يستكشف هذا العمل تأثير التكنولوجيا في رفاهية الحيوان والإنسان معاً، ويثير تساؤلات عن قدرة الذكاء الاصطناعي على جعلنا أكثر سعادة. من المثير هنا أن القطط المعروفة بتحفظها وعنادها بدت مستمتعة أو ربما أكثر استمتاعاً من اللعب مع شخص طبيعي.
في عمل آخر تحت عنوان Sprout يُسلَّط الضوء على الإمكانات الرومانسية للآلات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي. العمل تقدمه مجموعة من الفنانين والمتخصصين في مجال التكنولوجيا، وهو عبارة عن روبوت يتفاعل بشكل عاطفي مع الزوار ويمكن احتضانه. يلفت التعريف الخاص بالعمل انتباه الزوار إلى أن هذا الروبوت قد تعلم العواطف والحب من على الإنترنت. هو روبوت لا يشبه البشر، لكنه قادر على بناء الثقة معهم عبر التواصل وتبادل الحوار، في تناقض مع الصورة العنيفة للروبوتات التي تظهرها أفلام السينما. 
تساؤلات مهمة يطرحها معرض "من يعتني بي"، من شأنها أن تثير نقاشات أعمق في الأبعاد الأخلاقية لتطبيق الذكاء الاصطناعي في القطاعات التي تؤثر مباشرةً بحياتنا. يدفعنا المعرض إلى التفكير في الاستقلالية التي نمنحها لأنظمة الذكاء الاصطناعي وعواقب هذا التفويض، وهل يعطي الأولوية لرفاهية الإنسان حقاً أم يزيد من قيوده؟ وهل تستطيع الآلات فهم الفروق الدقيقة المعقدة في المشاعر والاحتياجات البشرية؟

المساهمون