"معضلة الأجسام الثلاثة": الفيزياء تفعل ما تريد يوماً بعد آخر

"معضلة الأجسام الثلاثة": الفيزياء تفعل ما تريد يوماً بعد آخر

22 ابريل 2024
كائنات من خارج الأرض تراقب البشر لفترة طويلة باستمرار (نتفليكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- "معضلة الأجسام الثلاثة" على نتفليكس تعرض تحديات العلماء للفيزياء التقليدية ومواجهة ظواهر تشير لتدخل فضائي، مع تنقل السرد بين الثورة الثقافية الصينية ولندن المعاصرة.
- تركز السلسلة على الجوانب النفسية والوجودية، مستخدمةً أجهزة كمبيوتر كمومية للتواصل الفضائي وتأثيره على الواقع البشري، مع إدخال عناصر الواقع الافتراضي والتجسس الدولي.
- على الرغم من تحديات البقاء وفياً للرواية بتكاليف إنتاج بلغت 200 مليون دولار وتغييرات في الإعداد والشخصيات، يقدم المسلسل تجربة مشاهدة مثيرة تجذب جمهوراً عالمياً.

عندما يقيس الفيزيائي شاول دوراند (جوفان أديبو) بيانات أثناء عمله في معجّل الجسيمات في جامعة أكسفورد، يقول بإحباط: "إن الفيزياء في الستين عاماً الماضية خاطئة. لقد مات العلم". فجأة، تنتحر سلسلة كاملة من العلماء. وبعد بضعة أيام، تبدأ سماء الليل المرصّعة بالنجوم في الوميض، مثل عرض ضوئي تُمكن رؤيته في جميع أنحاء العالم.
في مسلسل "نتفليكس" الجديد، "معضلة الأجسام الثلاثة" (3 Body Problem)، المقتبس من رواية بالعنوان نفسه للكاتب الصيني ليو سيشين صدرت عام 2006؛ تفعل الفيزياء ما تريد من يومٍ إلى آخر.

"معضلة الأجسام الثلاثة"... أكثر أعمال الخيال العلمي قراءة

ماذا يحدث هنا؟ أوغي سالازار (إلزا غونزاليس)، خبيرة في تكنولوجيا النانو، على وشك تحقيق إنجاز علمي، وفجأة ترى عدّاً تنازلياً يومض أمام عينيها. تُهدَّد بوقف بحثها وإلا ستموت. وسرعان ما تظهر المزيد من الدلائل على أن كائنات خارج كوكب الأرض تقف وراء هذه الظاهرة التي يصعب فهمها.
ربما تكون الثلاثية الروائية لليو سيشين المكوّنة من 2000 صفحة، إحدى أكثر أعمال الخيال العلمي قراءة على نطاق واسع في العالم في السنوات الأخيرة. فعلى النقيض من كلاسيكيات نوع الغزو الفضائي، من "حرب العوالم" لهربرت جورج ويلز (1898) إلى "يوم الاستقلال" لرولاند إيمريك (1996)، تستغني "معضلة الأجسام الثلاثة" عن الأكشن المسطّح، وتحكي عن غزوٍ خارجي، إنما نظراً إلى بعد المسافة، فلن يكون وشيكاً إلا بعد 400 عام.
حتى ذلك الحين، فالكائنات الفضائية عالية التقنية، التي لم تُر إطلاقاً في الموسم الأول من المسلسل المكون من ثماني حلقات، موجودة على الأرض في شكل أجهزة كمبيوتر كمومية ذات 11 بُعداً بحجم البروتون. وهذا يسمح لهم بتغيير التصوّرات الحسّية والتنصّت على كلّ ما يفعله البشر. ورغم أن المسلسل يعتمد على أحد أكثر الكتب مبيعاً، فإن إنجاز أغلى مشروع مسلسل لـ"نتفليكس" حتى الآن، بتكاليف إنتاج بلغت 200 مليون دولار، بعيد كل البعد عن الأصل.
ففي حين تدور أحداث الرواية حصرياً في الصين، إلا أن أجزاء كبيرة من المسلسل تدور أحداثها في لندن. ورغم أن اقتباس "نتفليكس" يبدأ أيضاً في الصين خلال الثورة الثقافية، فإنه يستمر في منغوليا الداخلية. هناك، تعمل العالمة المنشقّة، يي وينجي (روزاليند تشاو)، في محطة إرسال، وتجيب عن الإشارات القادمة من الفضاء، وتجعل الغزو ممكناً في المقام الأول.

خيبة أمل محتملة

لكن حبكة "معضلة الأجسام الثلاثة" الدائرة أحداثها في الوقت الحاضر، تركّز على مجموعة من علماء الفيزياء اللندنيين، بما في ذلك همومهم اليومية وانجرافاتهم الرومانسية، بدلاً من المصوَّر الهاوي وأستاذ علم النانو من بكين، كما في الرواية.
تجاهل مبتكرا المسلسل، ديفيد بينيوف ودي. بي. وايس، جوانب مختلفة من الرواية في التعديل التلفزيوني، وضمّنا أيضاً أجزاء من الكتابين الثاني والثالث من الثلاثية في الموسم الأول، من دون الإخلال بتوازن الأحداث أو المحتوى. ومع ذلك، فإن أياً مَن يتوقع اقتباساً مخلصاً للأصل الأدبي من المرجح أن يصاب بخيبة أمل.
خلال مشاهدته مقاطع عدة من المسلسل، سيسأل المرء نفسه عن سبب ما يفعله. وبعيداً عن حقيقة أن كاتب هذا المقال فعل ذلك لأسباب مهنية، ظلّ هذا الشعور بالإحباط وعدم التصديق يتكرّر في أوقات مختلفة طوال الحلقات الثماني. إلا إنه بعد فترة من الوقت، وجد نفسه مغموراً بأحاسيس معاكسة: افتتان، وانغماس، وانبهار ببعض الخطوط السردية المتعددة في هذا المشروع الذي يبدو أنه سيستمر أعواماً قادمة (يُختتم الموسم الأول من المسلسل بنهاية مفتوحة، ومن الواضح أن هناك ما يكفي من المواد لموسمين إضافيين على الأقل).
تدور أحداث المسلسل في الزمن ذهاباً وإياباً (من الثورة الثقافية العنيفة في جامعة تسينغهوا في بكين عام 1966 إلى لندن المعاصرة). وضمن هيكل كورالي، يقدّم ما يسمّيه "جماعة أكسفورد الخمسة"، وهم مجموعة من العلماء والأكاديميين الشباب اللامعين، خبراء في الفيزياء والفيزياء الفلكية وتكنولوجيا النانو، مؤلفون من شاول دوراند (جوفان أديبو)، وأوغي سالازار (إيزا غونزاليس)، وجين تشينغ (جيس هونغ)، وجاك روني (جون برادلي)، وويل داونينغ (أليكس شارب)؛ إلى جانب شخصيات صينية مثل يي وينجي (زين تسانغ، في شبابها؛ وروزاليند تشاو في كبرها)، معجزة أخرى في الفيزياء الفلكية؛ توماس ويد (ليام كننغهام)، رئيس عملية استخباراتية عالمية النطاق؛ وكلارنس/ دا شي (بنديكت وونغ)، محقق غامض يحقق في الأحداث الغريبة.


هناك، بالطبع، تجارب جريئة، وسلسلة من التفجيرات والاغتيالات والانتحارات، والواقع الافتراضي، وآلاف النجوم المتلألئة، وغزو أجنبي وشيك يغذّي نوعاً معيناً من البارانويا. كائنات من خارج الأرض تراقب البشر لفترة طويلة وباستمرار، يرون كل شيء ويتأكّدون من إخبارهم بأنهم يعتبرونهم حشرات.
باعتباره خيالاً علمياً قيامياً بملامح وجودية وحتى "نشاطية"، ينتقل "معضلة الأجسام الثلاثة" من الجدّية إلى السخف والابتذال، ومن الدلالية المفيدة والكاشفة لهذا النوع أحياناً إلى الغنائية الطنّانة، ومن ثمّ إلى التعليمية وشدّ الخطوط تحت السطور.
وهكذا، فالنتيجة متناقضة بقدر ما هي غير منتظمة. على أية حال، فالنتائج المرئية لمَشاهد معيّنة وبعض الألغاز الجذَّابة التي تُحلّ مع مرور الحلقات تجعل منه، باختصار، مسلسلاً جذاباً للغاية من حيث الجمهور العالمي الذي تسعى إليه "نتفليكس" بمثل هذه المشاريع الضخمة عالية التأثير.

عن المسلسل الصيني

يظلّ المسلسل الصيني المكون من 30 حلقة "جسد- ثلاثة" (Three-Body)، المنتَج بسخاء والمعروض في 2023، أقرب بكثير إلى الأصل الأدبي. يمكن حالياً مشاهدته مجاناً في "يوتيوب"، للوقوف على ملامح أخرى تتضمّنها رواية ليو سيشين، كاحتوائها على سمات رواية جريمة مثيرة على مدى فترات طويلة وتقديمها تقييماً نقدياً اجتماعياً للتاريخ المعاصر، تحديداً الصين في الستينيات جنباً إلى جانب الصين الحديثة اليوم. ورغم أن النسخة الصينية تناقش الفيزياء أكثر بكثير وأحياناً بطريقة أكثر حيوية، فإن مسلسل "نتفليكس" تمكّن من تنفيذ القصة التعليمية المعقّدة والعلمية الصريحة في بعض الأحيان درامياً.

يتعلّق الأمر بمسافات في الفضاء، وبسرعة الضوء، وبـ"معضلة الأجسام الثلاثة" التي يحمل اسمها: لغز فيزيائي حول إمكانية التنبؤ بالمدارات وقوى الجاذبية لثلاثة أجسام متفاعلة. قصة كوكب غير مستقر، يشرحها الفضائيون باستخدام لعبة كمبيوتر منتجة خصيصاً، عُرضت أيضاً بصور قوية، كما هو الحال في المعركة بين "الأرضيين"، من أصوليين من أنصار الكائنات الفضائية ووكالات حكومية عابرة للحدود الوطنية.
أخيراً، نادراً ما يصل أدب الخيال العلمي المعاصر إلى دور السينما أو منصّات البث المباشر، لأن النظرة الغالبة إليه لا تزال تحصره في كونه مادة قديمة وصعبة الاقتباس، كما يظهر في فيلمي "كثيب" (Dune) و"بليد رانر 2049" (كلاهما من إخراج الكندي دوني فيلنوف). وفي هذا الصدد، يجب أن يسعد الجمهور لأن إحدى الروايات الحديثة العديدة تمكّنت من التحوّل إلى عمل موجّه لجمهور واسع، في أعقاب الطفرة المستمرة لسينما الخيال العلمي.
 

المساهمون