مسلسل Love, Death & Robots: خيال مُفرط في علميّته

27 مايو 2022
من حلقة العمل الأخيرة "جيبارو" (نتفليكس)
+ الخط -

مع صدور الموسم الثالث من Love, Death & Robots (حب وموت وروبوتات)، لم يكن هناك الكثير لتوقعه من العمل. لا نهايات مشوقة توقف عندها الموسم الثاني، أو أحداث بحاجة إلى استكمالٍ، أو خلاصات لها حتى، وهو أمر ليس فريداً أو خاصاً بالعمل، بقدر ما يرتبط بكل الأعمال الدرامية ذات البناء المشابه. أما بعيداً عن كل هذا، فإن مزيداً من الاستقرار في ما يتعلق بجودة الحلقات، كاد يكون أبرز ما ترقبه كثيرٌ من متابعي العمل. فبعد كل شيء، يبدو Love, Death & Robots العمل الذي يمكن أن يقدم لنا، في الموسم نفسه، أكثر ما يدفعنا إلى التفاؤل والتشاؤم حيال الإنتاج التلفزيوني.

قد تكون عودة شخصيات "الروبوتات الثلاثة" نقطةً رئيسية تميّز الموسم الثالث. فبالنسبة لسلسلة لا تربط حلقاتها أي شكل من أشكال الوحدة، وتصل بالتفاوت إلى أساليب الرسم والتحريك وكل شيء تقريباً، تبدو العودة إلى شخصيات سابقة نقطة مميزة. والواقع أن هذا القرار بدا مبرراً حين نأخذ بعين الاعتبار شعبية الحلقة الأولى لـ"الروبوتات الثلاثة" والتفضيل الذي حظيت به هذه الشخصيات من المشاهدين.

لا تلبث فرصة لم الشمل هذه أن تصبح أقرب إلى فرصة ضائعة. ما ميّز الحلقة الأولى بروبوتاتها الثلاثة هو النغمة الحيادية المستهزئة التي تبنّتها هذه الروبوتات تجاه عِرقنا، وما أتاحته من فرصٍ للمراقبة الحيادية التي تؤكد، إزاء تفاجؤ الجميع، أننا نخاطر يومياً بفنائنا. إلا أن الحلقة الثانية، في هذا الموسم، تتخلى عن هذه الروح، وتتجه نحو الوعظ والمباشرة وتبني المواقف. إن هذا الوضع، الذي ينسحب على عدة حلقات من الموسم لا يقدم بدايةً الكثير، وبالكاد يتخطى مقولات صارت شائعة ومتداولة بيننا، ولا حاجة لإنتاج مسلسلٍ أو حلقة عنها. والأهم، أن لا سبيل لتبريرها بحكم طبيعة الظرف الذي نعيشه كبشرٍ اليوم، لأن الحل -بطبيعة الحال- لن يُقدَّم لنا عبر سلسلة من إنتاج نتفليكس وثلاثة روبوتات حكيمة.

وباستثناء أصدقائنا الثلاثة، يقدم الموسم شخصيات وفرضيات جديدة، تختلف كل الاختلاف عمّا شاهدناه في الموسمين السابقين، إلا أن ما يبقى حاضراً هو التفاوت في المستوى، وكأنه الشخصية الرئيسية الحقيقية التي تنجح، لسوء حظنا، في النجاة لثلاثة مواسم متتالية.

لا شك أن الحلقة الثانية "سفر سيئ" قد خطفت العناوين هذا الموسم لأسباب مفهومة، إذ تبدو الأنضج والأكثر اكتمالاً بين باقي الحلقات، من حيث بناء القصة وماذا تقول، والأهم كيف تفعل ذلك. ففي هذه الحلقة، يواجه مجموعة من البحارة كائناً عملاقاً يتطفل على سفينتهم، مطالباً إياهم بأخذه نحو جزيرة بشرية مأهولة لالتهام سكانها. وفي عرض البحر، بعيداً عن كل أشكال السلطة أو المجتمع، يتوجب على البحارة اتخاذ قرارٍ حيال التضحيات التي عليهم القيام بها، أو بالأحرى التوهم باتخاذهم لهذا القرار، ما يوفر -مع جودة التنفيذ- تجربة مشاهدة ممتعة. ربما يكون السبب في نجاح هذه الحلقة ديفيد فينشر الذي أخرجها، وربما يكون في ارتكازها إلى قصة قصيرة تحمل الاسم نفسه للكاتب نيل آشر. أما المؤكد، فإن هذه الجودة لا تنسحب على باقي الحلقات بأي شكل.

ولنأخذ مثلاً الحلقة الرابعة، "ليلة الموتى الصغار". تمتد الحلقة على فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز خمس دقائق، وباستثناء بعض الملاحظات لأسلوب التحريك فيها، فإنها تقدم قصة قديمة بأسلوب معالجة شديد التوقع، وتترك المشاهد في نهايتها عند النقطة التي بدأ فيها بمتابعتها تقريباً؛ باحثاً عما يتابعه.

نلحظ الأمر نفسه في حلقات أخرى مثل "اقتله أيها الفريق" التي تعجز عن تقديم ما هو أكثر من مجرد رجالٍ يهوون إطلاق النار، وحبكة تحتاج في نهايتها إلى حلٍ سحري متمثل بقنبلة خفية، لإقفالها وإراحة المشاهد والشخصيات من العذاب الذي قاسوه.

تتحسن السوية بشكلٍ ملحوظ في حلقة "فئران مايسون"، ونعود إلى تلمس ملامح قصة تتطور حبكتها وشخصياتها، وتمر بلحظات تحوّل ما. ففي هذه الحلقة، يتواجه الإنسان ضد الطبيعة، متمثلين بمجموعة من الجرذان التي اكتسبت ذكاءً مكّنها من صناعة واستخدام الأدوات، ومالك المزرعة المسن الذي يجد نفسه في صدامٍ مع ضيوفه المتمردين.

تمضي أحداث الحلقة بعدها في مزيجٍ من الحلول والأحداث ذات الطابع الكرتوني والمشاهد الدموية (التي لا تنتمي لعالم الكرتون بطبيعة الحال)، وتنتهي بتصالحٍ بين هذين النوعين الحيين، بعيداً عن الآلة ورجل الأعمال. وحقيقةً، فإن هذا المزج يعطي السلسلة، أو بعض حلقاتها، طابعاً فريداً، لا تستطيع الأعمال الأخرى مجاراته دائماً، وتضطر للالتزام بأحد شقيه. وبعد مرورٍ على حلقات أخرى، يكون الضياع هذه المرة هو طابعها الغالب، نصل إلى "جيبارو"، الحلقة الأخيرة من العمل، والتي قد لا يروق أسلوبها البصري وإيقاعها السريع للجميع، إلا أن المشاهد يأخذ تجنّبها الوقوع في فخ المباشرة كنصرٍ معقول يختتم عنده الموسم.

إزاء هذا التنوع في الرؤى والتصورات عن المستقبل التي يقدمها العمل، يمكننا أن نقول بثقة إنه لن يخدمنا كمتنبئٍ حول المستقبل، وليست هذه مهمة يتوقع للعمل تأديتها بطبيعة الحال. إلا أن مهمة توقع شكل هذه الصناعة، ونقصد الدراما، في المستقبل، قد تكون مسألة يمكن البدء باعتبارها حين نتابع أعمالاً كـ Love, Death & Robots. هل سيغلب هذا الشكل من المحتوى القصير غير المترابط على هذه الصناعة، بحكم ملائمته للعصر "المرن" الذي نعيشه؟

وما الذي قد يعنيه ذلك لطرق بناء القصص الأخرى لاحقاً؟ إزاء التطوّر الذي نشهده في "شكل" العرض، يتصور الإنسان أن ذلك سينعكس، بحكم العلاقة العضوية، على المضمون هو الآخر. وربما يحدث ذلك بالفعل، إلا أن تجارب أولى كهذه، لا تبدو مبشرةً إلى الحد الذي نتصوره الآن، حين تظهر كل يوم تقنية جديدة "تثوّر" مجالها وتدفعه خطوة نحو الأمام.

المساهمون