محمد مدحت: أرغب في أن يعرفني الناس من صوت الكمان

محمد مدحت: أرغب في أن يعرفني الناس من صوت الكمان

09 مارس 2023
يحاول التنويع في المواضيع الدرامية التي يعمل عليها (من الفنان)
+ الخط -

يتحدر محمد مدحت من عائلة موسيقية، حرضته على دراسة الكمان في الكونسرفتوار، ليصحب كمانه بعدها إلى الفرق المستقلة. ومن هذه العتبة، تقدم مدحت إلى التأليف الموسيقى، لتحمل العشرات من الأعمال الناجحة في الدراما والسينما اسمه، منها "حكايات بنات"، و"كلبش"، و"وقفة رجالة"، و"الرحلة"، و"بدون ذكر أسماء"، و"30 يوم".

الجد كان عازفاً للكمان في فرقة أم كلثوم، وأستاذاً في كلية التربية الموسيقية، والعم كان عازفاً مهمّاً أيضاً وعميد الكونسرفتوار. أي أنك تمثل الجيل الثالث من عازفي الكمان في العائلة. ما الذي منحته لك هذه النشأة؟
بالتأكيد هذا قدم لي دعماً كبيراً في دخول مجال الموسيقى، وأن أتخصص في الكمان بالذات. فعمي كان معلمي، كما تلقيت تشجيعاً كبيراً من جدي ومن والدي أيضاً الذي درّس أيضاً في الكونسرفتوار، وإن لم يستكمل دراسته بالمعهد. لذلك أتصور أن العائلة هي السبب الرئيسي في كوني ما أنا عليه اليوم.

بعد التخرج من المعهد، خضت تجربة الفرق المستقلة، من خلال "صحرا" و"افتكسات". ما الذي يمكن أن تخبرنا به عن التجربتين؟
تعلمت منهما الكثير، فالعمل من خلال "افتكسات" و"صحرا"، جعلني أمارس لوناً من الموسيقى بعيداً بصورة كبيرة عما درسته في الكونسرفتوار. في الأكاديمية كل شيء مكتوب ومرتب، غير مسموح بأي ارتجال أو إضافة، ليس مطلوبا منك سوى قراءة النوتة، أما "صحرا" و"افتكسات" فقد منحاني الفرصة لاكتشاف موهبة أو ملكة لم تسمح بها طبيعة دراستي، وهي الارتجال اللحظي (Improvisation). إضافة إلى ذلك، كان في الفرقتين موسيقيون محترفون تعلمت منهم الكثير، فتعرفت إلى أشياء مثل: ما هو صوت الفرقة؟ تكنيك الدرامز؟ تكنيك الباص؟ وإذا ما رغبت في تأليف مقطوعة موسيقية كيف ستكون الطريقة؟ لكل هذا أدين بالفضل إلى تلك الفترة، فالخبرة التي اكتسبتها بها ـ حيث صنعت العديد من التراكات لـ"صحرا" ـ شجعتني على الدخول إلى مجال الموسيقى التصويرية.    

اتجهت إلى التأليف الموسيقي بعد ذلك، كيف جاءت البداية؟
من مكان اسمه "آفتر إيت" بوسط القاهرة. كنت أعزف مع فرقة "صحرا"، وبالمصادفة كان كثير من رواده ممن يعملون في مجال السينما، لهذا أصبحت الفرقة معروفة بدرجة ما في هذا الوسط. تعرفت بعدها إلى المنتج والمخرج مجدي الهواري، وكان يعمل وقتها على فيلم تدور قصته حول الكمان، وهو فيلم "الوتر"، فطلب مني صناعة الموسيقى التصويرية للعمل مع موسيقي آخر هو أمير هداية. ووافقت بالطبع، لكن سرعان ما توقف تصوير الفيلم، ليطلب مني الهواري وضع موسيقى برنامج اسمه "أنا واللي بحبه"، قدمته غادة عادل، ولاقت موسيقاه صدى جيداً لدى الناس، لتكون أول عمل يذاع لي في التأليف الموسيقي. بعدها استكملنا الفيلم واستقبله الناس أيضا بصورة جيدة، وهذا ملخص بدايتي في الموسيقى التصويرية. 

قدمت عشرات الأعمال الموسيقية متوزعة بين السينما والدراما والأفلام القصيرة. أيها تعده الأقرب إليك، أو بمثابة عتبات مهمة في مشوارك؟
أحب جميع أعمالي، لكن بالطبع هناك تفاوت بينها بكل تأكيد. أتصور أن من أهم ما ألفته من موسيقى هو موسيقى "بدون ذكر أسماء"، فقد كان من الأعمال التي قدمتني بشكل جيد إلى الناس، وبصفة عامة كان مسلسلاً ممتازاً، سواء في الإخراج (تامر محسن)، الكتابة (وحيد حامد)، والتمثيل، وغير ذلك، ليشجعني هذا على تقديم موسيقى تتناسب ومستواه. هناك أيضاً "حكايات بنات"، أعتبره من المحطات المهمة، فقد كان بالنسبة لي نوعاً جديداً من الموسيقى وتحدياً مهمّاً؛ إذ حمل عدداً كبيراً من المقطوعات. من المحطات المهمة أيضا "30 يوم"، لأنه حرضني على وضع لون موسيقي أو توليفة جديدة (جاز وثريل مع جاز) جربتها لأول مرة. هناك أيضاً "كلبش"، وهو مسلسل أكشن، وكانت المرة الأولى لي أيضا في تقديم عمل من هذا النوع، لذلك أعتبره إحدى محطاتي المهمة.

من أكثر أعمالك تميزا موسيقى "بدون ذكر أسماء". كيف واتتك فكرة استخدام الوتريات فقط؟
أحداث المسلسل دارت في الثمانينيات، وهو دراما اجتماعية. هذا استدعى لدي على الفور أعمالاً لعمار الشريعي قدمها بتلك الفترة، مثل "الشهد والدموع" وأرابيسك" وغيرهما. وهي دراما اتخذت الوتريات فيها حيزاً كبيراً. ويعود ذلك إلى أننا بشكل عام لدينا مدرسة وتريات متميزة جداً، وهذا يحرض دائماً على استعمال الوتريات في التعبير عن الحالة الدرامية، لذلك أعتقد أن الوتريات بصورة عامة الأنسب لوصف أو تصوير الأحداث الاجتماعية، لعمل يحكي قصصاً كانت بمثابة وتريات فعلية.

كيف تنظر إلى ارتباط المؤلف الموسيقي بآلة معينة واستدعائه لها في معظم أعماله. أترى في هذا طابعاً مميزاً؟ أم قد يجنح ذلك بالموسيقي إلى التكرار؟
مسألة أن الموسيقي يرتبط بآلة تصبح هي المفضلة لديه أعتقد أنها صحيحة بالفعل، فمثلاً بحكم عزفي للكمان، وكونه موضوع دراستي الأكاديمية أيضاً، فهو أول آلة تخطر لي عند وضع الموسيقى، وقد يحمل هذا عيباً وميزة؛ فمثلما قلت أنت، من الممكن أن يكون ذلك بالفعل سببا للتكرار، لكن في الوقت ذاته قد يمسي ميزة، فحين ترتبط الموسيقى بصوت آلة بعينها تصبح علامة أو طابعاً مميزاً لصاحبها.
مثلاً، عند سماعك موسيقى لعمار الشريعي من دون معرفتك لمن تكون ستتعرف إليه فوراً من خلال صوت العود، كذلك ستتعرف إلى ياسر عبد الرحمن من خلال صوت الكمان، ومثلهما حسن أبو السعود عبر صوت الأكورديون المميز له في كثير من أعماله. لهذا أتصور أن الارتباط بآلة معينة قد يصبح ميزة إذا شكل بصمة للموسيقي، وبشكل شخصي أميل إلى أن تحتوي موسيقاي على صوت مميز يتعرف الناس من خلاله إليّ عند سماعهم المقطوعة. 

آخر عمل لك، بعنوان "اتزان"، جاء مع إحدى المنصات الرقمية. في رأيك ما الإيجابيات والسلبيات التي تحملها هذه النافذة الجديدة للموسيقى التصويرية؟
أعتقد أن الإيجابيات غالبة بدرجة كبيرة، أن يكون المسلسل 10 حلقات فهذا لا يدفع المشاهد إلى الشعور بالملل مثلما كان الحال مع بعض الأعمال الدرامية الممتدة لـ30  حلقة. بجانب أن الاهتمام بالقصة والسنياريو أكبر، وتكاد مسألة النجم الأوحد تختفي. ومن الإيجابيات، أيضاً، أن المنصات تعطي الفرصة لمواهب كثيرة في جميع المجالات، من تمثيل إلى إخراج إلى موسيقى تصويرية... إلخ، فلأن المنصات هي الجهة المنتجة، تجد لديها الجرأة في إعطاء الفرصة الأولى للكثيرين.

هذا الأثر الإيجابي يظهر بصورة واضحة على مجال الموسيقى التصويرية، حيث ستتعرف في الأعمال المقدمة إلى أسماء جديدة، وأخرى نادراً ما كانت تظهر، ليزيد هذا من المنافسة، خاصة أن المسلسلات تعرض بالتوازي.

أول أعمالك في التأليف الموسيقي كان في 2007. ما تقييمك للتجربة اليوم، بعد مرور 15 عاماً؟
كانت ممتعة بكل سلبياتها وتعبها، وما يهون عليّ الكثير مما أبذله في سبيل أن يخرج العمل على أكمل صورة مكالمة تخبرني بأن الموسيقى جميلة، أو أن يعبر المخرج أو المونتير عن امتنانه، وأن الموسيقى أضافت إلى العمل، أو أن يمدح الناس في الشارع أو على "يوتيوب" عملك. هذه الأمور لا تقدر بثمن بالنسبة لي، وتشعرني بالحماسة. مع ذلك أطمع في أن تحوز الموسيقى التصويرية اهتماماً أكبر يتناسب وقيمتها، وهو ما حققه على المستوى الفردي عمر خيرت، أتمنى أن يشيع هذا النموذج ويُلتفت إلى أهمية الموسيقى التصويرية بصورة أكبر.

المساهمون