لمى غوشة... عن حرية مشروطة وأمومة وسط الاحتلال

لمى غوشة... عن حرية مشروطة وأمومة وسط الاحتلال

18 يوليو 2023
+ الخط -

كان الحبس المنزلي الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على الصحافية المقدسية، لمى غوشة، شديد الثقل، طيلة عشرة شهور مضت. ليس عليها وحدها، بل على عائلتها أيضاً.

حكمت محكمة إسرائيلية، الثلاثاء الماضي، على لمى غوشة بالعمل لخدمة المجتمع لتسعة أشهر ودفع غرامة مالية، بالإضافة إلى السجن ستة أشهر مع وقف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات. وكانت قد وجهت للصحافية غوشة (30 عاماً) تهمة "التحريض على العنف" و"التماهي مع تنظيم معاد". وكانت غوشة اعتقلت في الرابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، من منزل عائلتها في حي الشيخ جراح، مكثت بعدها في السجن لعشرة أيام، قبل تحويلها إلى الحبس المنزلي في 14 من الشهر نفسه. وبقيت رهن الحبس المنزلي منذ ذلك الوقت، وتأجلت محاكمتها عدة مرات قبل صدور القرار الثلاثاء.

وغوشة صحافية مستقلة تتعاون مع عدة وسائل إعلام. وقالت لـ"العربي الجديد" بعد صدور الحكم بحقها: "كانت فترة قاسية (الحبس المنزلي) بكل ما تحمله الكلمة من معنى. نحاول التعافي من آثارها، وتميزت بصراعات داخلية بين الأهل، ومحاولات دائمة للضبط والمراقبة والتحكم، ومشاعر مختلطة من الخوف والقلق، خلقت حواجز عاطفية بيننا كعائلة، واعتمدت على تحويل كل مشاعر الحب والأمان إلى قلق وخوف وأدوات سيطرة".

غيّر الاحتلال مسار حياتها، بإبعادها عن منزلها في بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة إلى منزل عائلتها في حي الشيخ جراح الذي كان مهدداً بالمصادرة والاقتلاع قبيل عامين. تحدثت غوشة عن هذه الفترة قائلة: "عدت إلى منزل عائلتي في حي الشيخ جراح كأني ابنة الثامنة عشر ربيعاً مع طفلي كرمل وقيس، وهنا تغير مسار حياتي الأسرية. أُجبرت على نقل أطفالي إلى مدرسة جديدة ووسط اجتماعي مختلف عما كانا معتادين عليه. فقدت مساحتي الخاصة، وفقدت قدرتي على اتخاذ القرار، كما فقدت القدرة على ممارسة أمومتي، فعملياً لا مساحة خاصة لديّ. تركيبة الوضع في منزل العائلة جعلت طفلَيّ كأنهما شقيقاي، أما أمي وأبي فقد أصبحا مسؤولين عن كل شيء في حياتي. حياتي الزوجية جمدت تماماً".

كثيرة هي التساؤلات المشروعة عن الحرية المشروطة التي فرضت على غوشة التي غادرت حبسها المنزلي بعد شهور طويلة قيدت حركتها ومنعت تواصلها الاجتماعي، وسبق ذلك اعتقال في سجني الدامون وهشارون الإسرائيليين. هذه التساؤلات طرحت في المقابل تحديات كثيرة، لعل أهمها وأخطرها معنى الحرية لأسيرة قابلها شرط إلزامي بما يسمى "خدمة الجمهور"، وهي واحدة من "العقوبات الناعمة" التي تلزم صاحبها العمل في مؤسسات دولة الاحتلال المجانية لشهور من دون مقابل، وهي طاولت ولا تزال مئات الشبان والفتية وحتى النساء المقدسيات.

في اليوم الذي غادرت فيه غوشة حبسها المنزلي كتبت: "اليوم وبعد مرور 10 شهور، انتهى قرار الحبس المنزلي ومنع الاتصال والتواصل الصادر بحقي، لنبدأ سلسلة جديدة من المعارك الوجودية وهذه المرة العنوان هو العفودات شيروت، أي العمل الجماهيري، بمعنى أدق العمل من دون مقابل مادي في أي من المؤسسات التابعة لحكومة الاحتلال (درب من دروب الذل والقهر الممارسة ضد المقدسية)".

وعبّرت عن ارتباكها في حديثها لـ"العربي الجديد" قائلة: "لا أعرف من أين أبدأ أو كيف أبدأ حياتي بعد حالة الشلل التام التي مررت بها، وليس لدي وصف دقيق لمعنى الحرية وسط كل هذه القيود والشروط التي تجعل منها مفهوماً رمادياً مليئاً بالميوعة... لكنني أُدرك أنني خلال هذه التجربة بحثت عن ذاتي جيداً، واستعدتها، وتحررت من الأثر المُصاحب لكل الأدوات الاستعمارية العقابية الناعمة التي مورست بحقي، وأهمها وحش الحبس المنزلي، لأبقى أنا ولا أتحول إلى بقعة ظل فاقدة الوعي والروح".

وأضافت: "تحررت عبر بحثي المكثف عن ذاتي وسط هذا الواقع الاستعماري المركب. نقشت خبايا روحي، ووثقت التجربة كتابياً وصورياً حتى تصبح درباً من دروب الوعي لكل مقدسي ومقدسية يتعرض لهذا النوع من التحكم الرقابي والسيطرة الخانقة على الجسد والذات. لدي الكثير لأقوله وأشاركه في الوقت المناسب، لكن كونوا على ثقة بأنني ثابتة ولا مفر من الصمود، وسأعمل دائماً على مشاركة تجاربي لتصبح نفقاً مضيئاً في سبيل الحرية".

ولكل شخص فرض عليه الحبس المنزلي، قالت: "ابحثوا عن ذواتكم جيداً، ودقوا كل جدران الألم والقهر بالوعي، فالتجربة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، لكن أثرها دائم (...) سنلتقي كثيراً في رحلة الوعي هذه، وسنتعلم كيف نسمي الأشياء بمسمياتها، فجميعنا سواسية أمام مطحنة الاستعمار".

وأضافت: "من الصعب الوقوف عند مفهوم الحرية بالنظر إلى كل الضغوطات الاستعمارية المفروضة علينا كمقدسيين وكأصحاب أرض وقضية، وكان أول تساؤل لدي عن معنى هذه الحرية، وتحديداً الحرية المشروطة، حين كنت معتقلة في سجن الدامون وبين مجتمع الأسيرات، لمدة ساعتين. كان زمناً موازياً منقطعاً من عالم سريالي، ففي اللحظة التي كنت معهن صدر بحقي القرار بالإفراج المشروط من الدامون، بعد تحرري من سجن هشارون الأسوأ والأكثر قمعاً على المستوى النفسي، لأنني كنت وحدي في العزل الانفرادي وفي مركز احتجاز لسجناء جنائيين". وتذكرت: "في الدامون شعرت بأنني في مكان أكثر حرية، وفي تلك اللحظة لمعت في رأسي فكرة حول ماهية الحرية ومعناها وقيمتها، وكيف يمكن أن تكون مجزوءة ومشروطة بهذا الشكل حتى تصادمت بشكل أساسي مع مفهوم الحبس المنزلي، أي خروج من حبس ضيق إلى حبس آخر".

من حيث المبدأ، ترفض غوشة كل ما يتعلق بـ"خدمة الجمهور". مع ذلك، وحين يتعلق الأمر بالأمومة فلها رأيها، وشرحت: "عندما تكون إحدانا أماً فإنها مجبرة على مواجهة تحديات في اختياراتها بناء على مستقبل أطفالها. أقبل بأشياء كنت أرفضها على المستوى النظري، ولكن على المستوى العملي أتعامل مع كل هذه الأدوات العقابية الناعمة التي تفرض علينا كمقدسيين، بقدر من التوعية، لأنني من بيئة تساعدني على فهم هدف الحكومة الإسرائيلية من وضع هذه الوسائل والأدوات العقابية التي تحاول الضغط على المقدسيين".

أضافت: "اليوم وفي مواجهة هذا التحدي، بدأت أبحث عن معان أخرى للحرية غير مرتبطة بمكان، بل مرتبطة بالفكر أكثر، كما هي مرتبطة أيضاً بالإنسان، بالتالي أنا مقبلة اليوم على معركة جديدة، وأتعامل مع هذا التحدي بقدر أكبر من المسؤولية والوعي، لأني أدرك بأن هناك المئات من الشبان والشابات المقدسيين الذين لا يزالون يعانون من الحبس المنزلي ومن آثاره المستمرة عليهم وعلى ذويهم، لذا يجب علينا أن نفهم كيف نواجهها وكيف نتعامل معها، من دون أن نبتعد عن معتقداتنا ومبادئنا وقيمنا. هذه معركة لن تكون سهلة بالنسبة لي، لكن سأحاول أن أتعامل معها بطريقة تقويني وتزيدني عزيمة. طفلَاي اليوم جزء من هذا التحدي وجزء من المعادلة الصعبة، وهما حتى اللحظة يعانيان من آثار الصدمة التي واجهاها بسبب اعتقالي على مرأى منهما، وهما في حالة قلق انفصالي، ولديهما تخوف من كل مشوار أبعد فيه عن البيت، وحتى لو كنت معهما في البيت وحدنا. اخترق الاحتلال المساحات الداخلية للمشاعر الموجودة بيننا كعائلة، وهذا ليس بالأمر الهين".

ذات صلة

الصورة
فرحة الحصول على الخبز (محمد الحجار)

مجتمع

للمرة الأولى منذ أشهر، وفي ظل الحصار والإبادة والتجويع التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على شمال قطاع غزة، تناول أهالي الشمال الخبز وشعر الأطفال بالشبع.
الصورة

سياسة

رغم مرور عشرة أيام على استشهاد الأسير وليد دقة (62 عاماً) تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثمانه، متجاهلة مناشدات عائلته.
الصورة

سياسة

مُنع وزير المال اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس من دخول ألمانيا لحضور مؤتمر مؤيد للفلسطينيين في برلين
الصورة
اختاروا النزوح من مخيم النصيرات جراء القصف (فرانس برس)

مجتمع

الاستهداف الإسرائيلي الأخير لمخيم النصيرات جعل أهله والمهجرين إليه يخشون تدميره واحتلاله إمعاناً في تقسيم قطاع غزة إلى قسمين، في وقت لم يبق لهم مكان يذهبون إليه

المساهمون