لبنان: الإعلام ينزلق بين المتزلّجة والانتحاري

12 فبراير 2014
+ الخط -

جاكي شمعون، عنوان لبنان في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة. هي فتاة عشرينية مثّلت لبنان في الألعاب الأولمبية بمدينة سوتشي الروسية. فجأة ثارت ثائرة تلفزيون "New TV": "جاكي اللبنانية تصوّرت عارية على الثلج". يا للعار. يا لعار لبنان. فتاة عارية على الثلج. وضجّت مواقع التواصل الإجتماعي بين مؤيّد ومعارض. المشترك كان نشر خبراً خاطئاً عن أنّها تعرّت على الثلج الروسي منذ يومين. الصحيح أنّها لم تتعرَّ بالكامل، بل خضعت لجلسة تصوير دعائية، وكان ذلك منذ ثلاث سنوات (2011)، على مرتفعات فاريا اللبنانية. والمصوّر هو المكسيكي هوبيرتس فون هوهنلوه، وهو متزلّج ورجل أعمال ومغنّي بوب، كان يعدّ روزنامة سنوية.

إذا، الخبر – "الفضيحة" كان متأخرا ثلاث سنوات. بعدها انتبه تلفزيون "New TV" إلى أنّ "الشرف اللبناني" مسّه المكسيكي، واستشعر الفضيحة، فأخطأ في القراءة والتدقيق.

القصّة في مكان آخر. لبنان الغائب عن الأولمبياد الشتوي، بسبب تراجع مستواه في الحقول الرياضية كلّها، لم يجد غير متعرّية ليلقي على عريها مأساة فشله. لم يسأل الصحافيون مثلا: لماذا لم نشارك إلا بهذه الفتاة؟ وأين الرياضة اللبنانية؟ لم يشكروها لأنّه لولاها لما كان لبنان موجودا هناك. فقط دانوها ورجموها في تقارير تلفزيونية وفي مقالات وتعليقات فايسبوكية وتويترية متوتّرة، في حين وجدت كثيرين ليدافعوا عنها وعن حريّتها.

جاكي هي رئة لبنان، تماما كما أنّ الرجال العاملين في السياسة وفي الأمن هم رئته الأخرى. جاكي هي المعادل التاريخي لصورة الانتحاري في بيروت هذه الأيام. فلبنان يتنفّس، في المال والمجتمع، عبر رئة السياسة والأمن والانحياز إلى هذا المحور أو ذاك، ويتنفّس في الرئة الأخرى بالمرأة، المغنّية والراقصة والممثلة.

هو الميزان اللبناني الذي يحرّكنا منذ ميثاق 1943، بل منذ لبنان الكبير في 1920، إلى اليوم: الرجل القاتل والسياسي المقطّب الجبين، والمرأة الناعمة المسليّة، العارية أو شبه العارية.

هو لبنان، وجاكي شمعون ذكّرتنا بأنّ المرأة، وجسدها، موجودان أيضا في حسابات لبنان، في الداخل والخارج، تماما كما جسد الرجل، الانتحاري، القاتل.

المساهمون